صفحات العالم

الأردن بعد سوريا… الإصلاح أو التغيير


عبدالوهاب المجالي

يرى كثيرون ان الأردن مرشح للدخول في عضوية نادي الربيع العربي بعد سوريا، أسباب كثيرة تدفع لهذا الإستنتاج، فالبلاد تمرّ بظروف إقتصادية خانقة مع وجود ترف رسمي، تهميش للأحزاب، إفراغ الحياة البرلمانية من مضمونها، المزاوجة بين السلطة والثروة وإستشراء الفساد، توريث المناصب…الخ، وكل هذا يشير الى عدم وجود نية للإصلاح.

الإصلاح المطلوب إعادة هيكلة الأنظمة وتأهيلها على أسس ديموقراطية لتكون آداة صالحة للحكم، وأثبتت العقود الماضية بما لايدع مجالاً للشك انها فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الدول، وهي المسؤولة عن الهزائم وتردي الأوضاع من كافة النواحي.

الأنظمة العربية التقليدية لا تقبل الإنحناء لإرادة الشعوب ولا تعترف بها شريكاً في الحكم ، وبنيتها غير قابلة للإصلاح سلمياً وتعتبره إنقلاباً عليها، ونظرتها للشعوب دونية على انها غير مؤهلة لممارسة حقوقها وتمارس الوصاية عليها، على الرغم من حديثها الدائم عن الإصلاح والتغيير كما في الأردن ولكن بدون فعل.

بعض رموز الأنظمة لا يتصورون انفسهم خارج السلطة وشرعيتهم مستمدة من السماء وتخليهم عنها يعني هلاك الأمة وزوالها، والتداول على السلطة طوعاً امر غير وارد، وما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا وما سيحدث في آماكن أخرى، دليل على ان لديها الإستعداد التضحية في كل شيء في سبيل البقاء بالحكم.

الإصلاح في الأردن قول بدون فعل، وما يروج على ان هناك إستجابة للمطالب الشعبية وتناغم معها كلام غير دقيق او بالأحرى غير صحيح، فالإصلاحات التشريعية سواء آكانت تعديلات دستورية التي جرى الإحتفال بها، او قانونية مفرغة من أي محتوى وليس فيها من العملية إلا الأسم ‘تعديلات’.

في الإطار الدستوري لم تتطرق اللجنة المكلفة من قريب او بعيد للموضوع الأهم صلاحيات الملك، وإستجابت جزئياً فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية وستتضح الأمور حال إقرار قانونها، وذهبت بعيداً لتعديل نصوص لم تكن مطروحة أصلاً، كتمديد مدة الدورة البرلمانية والرئيس، وحقوق الطفل، وإستبدال كلمة إبتدائي بآساسي فيما يتعلق بالتعليم وعلى هذه الشاكلة، وهذا ليس غريبا على لجنة لم تكن خياراً شعبياً واشخاصها لم يكونوا كذلك يوماً ما. اما فيما يتعلق بقانون الإنتخابات فتم إعادة إنتاج قانون الصوت الواحد بصورة اقبح، على الرغم من عدم دستوريته ونصوصه بنيت على أسس عرقية من اصل عربي وغير عربي، وطائفة مسيحي ومسلم، ومناطقية بدو وحضر، وجنسي ذكر وأنثى، وآخيراً كوتا سُميت زوراً بالقائمة الوطنية، في حين نصت المادة 6 من الدستور على ان ‘الاردنيون امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق او اللغة او الدين’. الحرب على الفساد الذي تبناها الملك شخصياً في اكثر من مقام كلامية والأمور تقاس بنتائجها، فثبت ان الفساد مؤسسي واقوى من أي سلطة ويمارس على اعلى وارفع المستويات، وبعد كل الضجة والصخب الإعلامي حول إستدعاء رموزه الكبار، النتيجة كانت انهم خرجوا كما يقول المثل ‘مثل الشعرة من العجين’، وتم طي ملفات الفساد الكبرى بمسرحية هزلية في تواطئ واضح ما بين مجلس الدوائر الوهمية المُكنى بـ’111’ والحكومة ‘ويا دار مادخلكي شرّ’، وآطل علينا بعض المنافقين الآفاقين لتبرير ذلك بحجة الحرص على سمعة الأردن في الخارج.

ما يجري في الأردن لايختلف كثيراً عما جرى في بعض البلاد العربية وهناك تشابه لحد التطابق والغاية من الإصلاح توجيه رسائل للخارج وكأنه المعني بها، تغير حكومات التي هي في الحقيقة لا تعدو كونها اكثر من حجارة على رقعة شطرنج لا تتحرك من تلقاء نفسها، زيادة رواتب الموظفين، التنازل بإجراء إنتخابات نزيهة وحرة وكأن الأصل عدم النزاهة، زيارات ملكية مبرمجة للمحافظات وزيارة بعض الأسر لتقديم صدقات ملكية تمول من خزينة الدولة وتغطيتها إعلامياً، وإخراج مسيرات مؤيدة، وإطلاق العنان لقطعان الزعران لإعتراض مسيرات الحراك، الإدعاء بالأمن الناعم هذا الإختراع المذهل فالأصل سيادة القانون ولا وجود لأمن ناعم ولا خشن، كل هذه الأساليب لجأ إليها كثير من الحكام وماذا كانت النتيجة؟.

مطالب الحراك الشعبي الأردني شرعية ومستمدة من الدستور الذي نص في المادة ‘1’ منه على ان ‘……….نظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي’، ونيابي وردت قبل ملكي ويأتي ذلك إنسجاماً مع نص المادة 24/1 والتي قررت ان ‘الأمة مصدر السلطات’ المغيبة تماماً، هذه النصوص وردت في ديباجة الدستور او في مقدمة الفصول وبمثابة دليل وتقرر احكاماً عامة يجب ان تأتي التفصيلات منسجمة معها، وليس العكس.

ما لم تدركه الأنظمة ان قواعد اللعبة بين الحاكم والمحكوم قد تغيرت، وإنتهى العصر الذي يتحكم فيه الحاكم برؤوس العباد وتبديد ثروات البلاد، ومحاولة الإلتفاف والفرز بين المواطنيين جهوياً وعرقياً وطائفياً، وتقديم الرشى لوسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية والخاصة بإسم اعلى سلطة قد ينجح، ولكن على المدى القصير والقصير جداً، ومنتهى الغباء.

‘ كاتب اردني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى