جهاد صالحصفحات سورية

قناة الحرة عين على الديمقراطية ولكن!!

تحقيق أعده : جهاد صالح
حين أنطلقت الحرة عام 2004 كنتُ في سوريا مع الكثير من الصحفيين والناشطين في مجال تحقيق الحريات وثقافة حقوق الانسان ، تراودنا قناعات جميلة وهو أن هذه القناة الأمريكية ستكون منبرا للأصوات الباحثة عن الحرية ، وصوتا أعلاميا مستقلا وجريئا لكل الشعوب المضطهدة التي تفتقد في أوطانها صحافة حرة ومستقلة، وتدجّن من قبل الحكومات على ثقافة الصمت والتبعية لثقافة الطاغية القائمة على رفض التغيير والحريات والديمقراطية.
في البدايات نجحت الحرة في أن تكون متميزة في برامجها، ومهنيتها، والأخبار التي كانت تبثها، وأعطت صورة مدهشة للمشاهد في الشرق، حول الحضارة الأمريكية وشعبها، والنموذج المثالي للديمقراطية والحريات والإعلام المعبّر عن حرية التعبير والرأي، وتسخير ذلك في سبيل نشر ثقافة الديمقراطية والحريات الإنسانية ورصد كل أنتهاكات حقوق الانسان . لكن يوما بعد يوم جوبهت القناة بأفكار بثتها الأنظمة العربية الاستبدادية في المجتمعات ، وهو أن الحرة هي سياسة أمريكية جديدة للسيطرة على المنطقة واستعمار جديد، وتابع نشر هذه الهجمة الكثير من الكتّاب والصحفيين من أدوات ثقافة الطغاة وأعداء الديمقراطية والكلمة الشفافة والمستقلة، وبدوره قام الإسلام السياسي وقادته من أصوليين وحركات تتحدث باسم الدين وترويج ثقافة الجهاد والعداء لكل ماهو صليبي أو غربي أو أمريكي، وما يندرج من مسميات ، هي تمارس ثقافة أرهابية باسم الله والدين، وروّجت الكثير من الأقاويل والشائعات ضد القناة ورسالتها، وكل ما ذكرته يأتي ضمن العلاقة المتقاطعة بين الأنظمة الديكتاتورية التي تريد لشعوبها أن تكون بعيدة عن المطالبة بحرية الصحافة والديمقراطية وحقوق الانسان، والتوجهات الأصولية المتطرفة التي تتغذى من مناخات الإستبداد واللاحريات، والتي هي نتيحة طبيعية لإنعدام الديمقراطية والإنتخابات الحرة والأعلام المستقل.
ثقافة الحاكم الواحد والأستبداد ورفض الأعلام الآخر المختلف :
لم تتعود منطقة الشرق الأوسط على معادلة الرأي والرأي الآخر، وأنما هناك منظومة واحدة تنحصر في زاوية ضيقة تتلخص في نمط ثقافة السلطة الراديكالية، والتي يجب أن تعيش عليها الشعوب بجميع مستوياتها، وتتجمد في قالب واحد وهو أن الثقافة ومثقفيها وسلطة الإعلام كلها تنبع من سلطة الحاكم والنظام العائلي أو العسكري. وهذا ما يضع أمام سلطة الأعلام تاوبويات صخرية من الصعب كسر جليدها، في ظل العقاب القاسي بحق الآراء الحرة والديمقراطية، ومن هنا أصطدمت قناة الحرة بهذا الجدار الثقافي المشوّه، والذي كان من نتيجته وجود حالة شعبية ثقافية ترفض وتخاف من كل أداة اعلامية غربية، أو أمريكية، حتى من دون محاولة استكشافها أو الإطلاع على منتوجها الثقافي والأعلامي والإنساني.
ما زالت الشعوب المغلوبة على أمرها تنتظر من الحرّة مساحات أوسع تتنفس من خلالها، وتعبّر عن آلامها ومشاكلها، وأحلامها في الحرية والتغيير والصندوق الإنتخابي، والكلمة الجريئة، والحرّة بدورها تحاول أن تكون أكثر حرية واستقلالية، فهل تستطيع أن تستكمل رسالتها ومبدئها في نشر ثقافة الديمقراطية والحريات ، في ظل هذا المناخ الإستبدادي والشاق والمعقّد، ومحاولة الأنظمة العربية الفاسدة أقامة علاقات سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، تكون بمنئى عن الضغوط الدولية والأمريكية ، في تغيير نفسها وسياساتها والتوجه نحو الديمقراطية، وأن تختار الشعوب بنفسها حكوماتها بحرية، وهذا ينعكس أحيانا على قناة الحرّة التي تضع لنفسها خطوطا حمراء ولا نجد صوتها حول الكثير من القضايا والأحداث الساخنة في الشرق الأوسط، وأحيانا نجدها صاخبة قوية، وفي فترات أخرى ضعيفة وليست بالمستوى المطلوب؟
الكاتب السوري( جورج كتن) يؤكد على أن تكون الحرة أكثر حرية واستقلالية في عملها ورسالتها المهنية :
“أرى أن هذا الموضوع الذي اخترته ضروري الكتابة حوله. من المفهوم أن الأنظمة ومريديها لن تعجبهم مثل هذه القناة وهي أصلا ليس من المفترض أن تكون موجّهة إليهم. من المهم أن تحظى بمتابعة الناس العاديين في الشرق الاوسط وهذا لم يحصل بعد حسب علمي. ما تحتاجه الفضائية لتنجح المزيد من الإنفصال عن الحكومة الأمريكية وإظهار حيادية أوضح تجاه القضايا الحساسة للمنطقة
أعتقد أن العربية مثلا نجحت أكثر في هذا المجال فهي رغم تمويلها من الحكومة السعودية فهي لا تعكس ألا بشكل ضئيل ونادر وحذر وغير ظاهر السياسة الرسمية السعودية.”
في حين الكاتب الكردي كفاح كريم من أقليم كردستان العراق يرى أن القناة قد وقعت في نفس النمط الكلاسيكي والروتيني للأعلام العربي :
“أصدقك القول أنها كانت تتمتع بمساحة مهمة في البداية، ألا أنها باعتقادي لم تعد هكذا، أتصور أنها وقعت في ذات الشباك الروتينية للفضائيات العربية وأسلوبها،
وبالذات في ما يتعلق ببرامجها الحوارية واعتمادها ضيوف من نسق واحد وبشكل مكرر، أنا لا أعرف شيئ عن طبيعة أدارة وفلسفة القناة، لكنني أجزم رغم عدم متابعتي لها كثيرا ، بأنها بدأت كما قلت لك بمساحة واسعة من الجمهور لكنها بقت حبيسة النمط الأمريكي في منطقة عربية . ”
أما الصحافية المصرية أميرة الطحاوي فتضع يدها على الحرة من موقعها كصحافية متمرّسة، ولا ترجع الطحاوي انخفاض مشاهدة الحرة كنتيجة لمقاطعة القناة ممن يطلق عليهم مثقفين أو مشاهير ضيوف الفضائيات أو غيرهم، ولا هو موقف سلبي للمشاهدين من تمويل القناة الحكومي الأمريكي، بقدر ما يتعلق بضعف القدرة التنافسية للقناة في مجال الأخبار و عدم وجود خط أو منوال واضح، بخلاف الأهتمام بالحريات المدنية يميزها عن غيرها بما يجذب المشاهدين.
فالقناة ليست قناة أخبارية على الأطلاق وليس هناك خريطة تراتبية واضحة للأحداث التي تهتم بتغطيتها،فأحيانا ما تقدم تغطية ممتدة ومباشرة لحدث لا يشغل أصلا عموم المشاهدين العرب بهذا القدر.
وبعض البرامج تتناول بخفة قضايا حقيقية جادة تؤرق منطقتنا، مثل قضايا المرأة التي تناقش بصورة مستهلكة وفيها تنميط.
كما أن البرامج التي تخص أقاليم عربية مثل الخليج أو المغرب العربي تحتاج لبعض الجهد لتجذب المشاهدين خارج هذه المناطق أيضا.
وتحتاج برامج التكنولوجيا بالقناة لتنويع ما تعرضه بما لا يقتصر على المعارض التجارية والحديث عن الأجهزة وألا أصبح فقرة دعاية.
ومن بين العناصر الجيدة في القناة هو الأستعراض الدوري لقضايا الحريات العامة بالدول العربية مع ضرورة الأهتمام بالحقوق الأقتصادية والأجتماعية، كذلك الأحتجاجات المطلبية والفئوية. وتنويع مصادر التغطية لتصبح من مصادر مباشرة وليس نقلا عما ينشر في الأعلام التقليدي والبديل.
كما تعد برامج الحوار حول قضايا الساعة في العراق والساعة الأخبارية التي كانت تقدمها الحرة عراق عن الأحداث هناك من أفضل انتاج القناة.
الحرة عين على الديمقراطية وحقوق الإنسان:
تحاول الحرة وإدراتها أن تعكس الحالة الإنسانية للمجتمعات الشرقية وما ينتهك حرمتها،وكل الممارسات المستبدة التي تقع كل يوم ولحظة بحق الشعوب ،وآساليب الإضطهاد المرتكبة من قبل الحكومات والأنظمة والأفراد بحقهم. وهذه كانت رسالة القناة منذ انطلاقتها وهو نشر ثقافة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمعات الشرقية ( العربية وغيرها من شعوب المنطقة). لكن الوجه الأعلامي للقناة بقي في مستوى ضئيل ،من ناحية تسليطها الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان المؤلمة، فهي أحدثت جدلية وغضبا في أوساط الحكومات واعلامها الممنهج ، حين فتحت سجلات كثيرة عن السجون وأساليب التعذيب والمنفيين ، وقضايا الشعوب اليومية وآلامهم ، وأحلامهم في الحرية والديمقراطية، فكان برنامج (عين على الديمقراطية) من أكثر النماذج قربا للمشاهد، وأكثر مرآة عاكسة لواقع مبكي، ولا يتلقى العالم خفاياه وتفاصيله ألا بصعوبة وبدون شفافية ووقفة أعلامية أخلاقية. لكن ظلّ البرنامج بقعة صغيرة وكبيرة في نفس الوقت أمام حلم المشاهد في أن تكون عيون الأعلام الحر أكثر مساحة ورؤوية للظلم وتفاصيله وصوره وحلقاته في مجتمعات لا قيمة للكلمة والإنسان فيها أبدا.
يعتبر الناشط الحقوقي عمار عبد الحميد ما ذكرناه استثناءا ويطالب أن تكون القناة ذات هوية ليبرالية ومنبرا لليبراليين :
“هناك برامج جيدة ومتابعة على نطاق واسع في المنطقة مثل برنامج “عين على الديموقراطية”، ولكن تبقى هي الإستثناء. في الواقع أختار مديروا الحرة أن يجعلوا منها قناة أخبارية تنافس الجزيرة والعربية والبرامج الأخبارية المختلفة المنتشرة على الأقنية العربية الرسمية، ولكنهم لم يستطيعوا الأعتماد على استراتيجية ورؤية واضحة للقناة، وزادت التغييرات الكثيرة والمتكررة في البنية الإدارية للقناة الطين بلة، هذا علاوة على تزايد أعداد الأقنية الأخبارية الناطقة بالعربية هذه الأيام لها خطوطها واستراتيجيتها الإعلامية الواضحة فيما يبدو، مما أعطى المواطن العربي خيارات كثيرة وخلق جو تنافسي غير مسبوق في المنطقة. لقد كان من المفترض أن تكون الحرة منبراً طال انتظاره لليبراليين العرب، لكن مشاكل القناة الإدارية جعل من الليبراليين مجرّد ضيوف عابرين يطلّون بين الحين والآخر لخلق جو من التنوّع المصطنع كما هي الحال عند الأقنية العربية الرسمية. ومالم تتمكّن الحرة من استقطاب العناصر المناسبة إلى أجهزتها الإدارية، ومن تبني وجهة نظر واضحة، بل ليبرالية على وجه التحديد، فستبقى محطة بلا هوية، في منطقة لاتتسامح مع من هم بلا هوية”.
لقد حاولت القناة أن تأتي بأكثر من أسلوب لتكون منبرا للشعوب العربية بدقة، ولو بنسبة ضئيلة ومساحة نسبية للشعوب المختلفة ( الكرد – الأمازيغ ….الخ) ، وكذلك بالنسبة للأقليات المذهبية والدينية، فكان برنامج مثل (ساعة حرة )، ساعة للتنفس وللوقوف أمام أحداث سريعة تفرض ذاتها على الواقع الحياتي والأعلامي، لكن هذه الساعة رغم قيمتها الكبيرة، ألا أنها تعتبر فقيرة جدا بحق موطنون ولا مواطنون ، يستحقون ساعات طويلة لمعالجة ومناقشة قضاياهم الانسانية والحقوقية ، وخاصة من قناة كانت ولا تزال حلما لكل مواطن يرفض ثقافات التدجين والكبت وكمّ الأفواه، والإعلام العربي المسيّس وذا الصبغة السلطوية الضيقة، والكثيرة الممنوعات.
الناشط اللبناني في حقوق الإنسان نائل جرجس من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان، يجد أن القناة تحتاج لأن تكون وسيلة معرفية وثقافية لحقوق الإنسان وضد كل أشكال الإستبداد :
“أنه من الخطأ أعتبار أن الإستبداد أو ثقافة الإستبداد في العالم العربي تنبع فقط من الأنظمة الحاكمة، حيث أنه هناك شريحة واسعة من الشعوب العربية التي لا تزال بحاجة إلى تنمية ثقافة حقوق الإنسان لديها. فعلى سبيل المثال نرى الإستبداد أيضا في عقلية الأب أو الأخ الذي يعتبر البنت أو ألأخت في المنزل كشيء يمكله ولا يتردد عن قتلها لأبسط و أتفه الأسباب، أو المعلّم في الصف الذي يكاد أن يكون جلاّد بمعنى الكلمة، إلخ
لذلك أرى بأن هذه القناة يجب أن تركّز وتبحث عن المشكلات الجذرية الإجتماعية والسياسية وغيرها ولتوجّه عملها ليس فقط ضد الأنظمة المستبدة، إنما أيضا ضد الإستبداد بجميع أشكاله ومصادره في مجتمعاتنا العربية، وخاصة بالتركيز على نشر ثقافة حقوق الإنسان على مستوى جميع أطياف الشعب”.
في حين يكون المشاهد في الشرق واضحا حول سياسة القناة، من حيث عدم تعمّقها في المجتمعات ومتطلباتها، بخلاف قنوات عربية تمنح بين الفينة والفينة مساحات وهوامش للحرية تجد فيها الشعوب متنفسا لها، رغم كثرة التابويات فيها، وسياساتها المرسومة من الحكومات أو أصحابها الذين يسيرون وفق خط سلطوي ، تكون مساحة الحريات الأعلامية زئبقية ونسبية، فوقعت القناة في مأزق عدم أزعاج الحكومات العربية، ومحاولة نقل صورة الشارع بكل تجلياته وحقائقه ولو ضمن مساحة ضيقة وقليلة التفاصيل، فكانت سياسة الأنتقائية وعدم الإستقلالية عن سياسة الحكومة الأمريكية وأجندتها ومواقفها من الأحداث في الشرق الأوسط،. ومن هنا شعر المشاهد المغلوب على أمره أن الحرة تمنحه جرعات من الحرية والديمقراطية، ليست في مستوى ما كان يطمح له من خلال هذه القناة التي تبث من دولة ديمقراطية ، حرية التعبير فيها مقدسة، وأمل ما زال حيا في أن تكون الحرة فعلا مرآة شفافة لكل شعوب الشرق وصوتهم في اللحظات المظلمة.
يقول عمار شرعان مدير المركز الديمقراطي العربي بمصر في ذلك :
“أتخذت قناة الحرة في رسالتها الأعلامية على الأرتكاز لتجميل صورة أمريكا لدى المشاهد العربي … وأعتبرتها من أهم أولويات رسالتها الأعلامية … بالإضافة إلى أنّ محتوى الرسالة الأعلامية الموجّهة ألى المشاهد العربي فيها عدم الحيادية والموضوعية في نقل الأخبار، والانتقائية المفرطة، بناء على أساسيات سياسة القناة وأطارها العام ..بالرغم من أن المشاهد أو المتلقي العربي له حرية التنقل من محطة فضائية ألى أخرى بضغط الأزرار على الريمونت كونترول ..أي أن العقل العربي قادر على فرز حيادية القناة وموضوعيتها في تناولها للأحداث التي تجري في المناطق الساخنة بالعالم العربي ..وبالتالي فقد أحجم المتلقي العربي على قبول هذه المحطة الفضائية وشعر بها ناطقة عن الإدارة الأمريكية . والسياسة التحريرية في الأخبار، والبرامج الحوارية لم تستطيع قناة الحرة العمل الحيادي في سياستها.”
قضايا الأقليات والقوميات المسحوقة :
في الشرق الأوسط تعاني الكثير من الأقليات التهميش والأقصاء من كل الحقوق الانسانية والطبيعية من قبل أنظمة مستجيرة وظالمة، لا ترى أبعد من أنفها ، ولا تعترف بوجود شعوب مختلفة لها تاريخها ولغتها وهويتها وحقوقها الخاصة بها، فظلت قضايا هذه الأقليات الأثنية والقومية حبيسة الزوايا والعتمة، ولم تجد لها مكان حتى في الإعلام العربي الرسمي والمستقل ، وشعرت بنافذة ضوء لها داخل الإعلام الغربي وخاصة قناة الحرة منذ بداياتها ، لكن الأقليات القومية والدينية والشعوب المضطهدة وخاصة ( الكرد – الأمازيغ) شعروا أنّ الحرة ألى جانب الكثير من القنوات الناطقة بالعربية تتناول قضاياها بفقر أعلامي بسيط جدا، ولا تتعمق في المأساة الإنسانية لهذه الشعوب التي حُرمت من أبسط ظروف الحياة والحقوق الطبيعية بفعل الظلم والقمع والكبت والإقصاء ، رغم قيام الحرة بتسليط الضوء على واقعها وظروف حياتها، لكن تظل المساحة المخصصة لهؤلاء دون طموحات وآمالهم في أن تكون الحرة منبرا لأرائهم وصرخاتهم، وصوتا لهم وللحق في وجه ثقافة الظلم والتخوين والتهميش.
كيف للقناة ان تنجح في أن تكون صوت الشعوب المغلوبة على أمرها التواقة للتغير والحريات .. وهل تستطيع الحرة أن تكون صوتا لكل أحلام الأقليات والشعوب المطلومة في المنطقة العربية التي تقمع تلك الأقليات ؟
الروائية الأمازيغية الجزائرية فضيلة الفاروق تعتبر الحرة قناة راقية وعالية الجودة ولكن المشكلة هي في الذهنية العربية التي تهرب وترفض التحرر بشكله الواضح والحقيقي وتعادي الحرة كقناة أمريكية :
“علينا أن نتأكد من نقطة جد مهمة و هي أن الجمهور العربي خام، و قد إستغله الإعلام الإسلامي و التجاري الهابط سواء، لهذا يبدو الإنقسام صارخا بين فئتين من الجمهور، كلاهما يوفر سوقا ناجحة و مربحة للمستثمرين فيها، أما النخبة أو الفئات المعتدلة فإنها قليلة لهذا فشلت وسائل الإعلام التي تعتمد الخطاب الثقافي المحايد على تحقيق نجاح يذكر.
يمكن لقناة مثل الحرة أن تصل لفئات أكبر، إن لمست مشاكل الشارع العربي، و إن أعطت فرصا لصحفيين حقيقيين يعرفون أعماق مجتمعاتهم.
لا يمكن للحرة أن تكون صوتا للأقليات كالأمازيغ و الأكراد بكل بساطة، لأن اللغة العربية لغة العرب، و الأمازيغ لأني منهم أعرف أنهم هُمشوا و حُرموا من لغتهم الأم، و حوربوا في بلدانهم، ثقافتهم تختلف تماما عن ثقافة العرب، و لهذا تجدهم يميلون أكثر للغرب الأوروبي و للثقافة الفرنسية رغم ما بين الشعبين من عداء تاريخي.
في الشرق الأوسط تواجه الحرة الموقف العدائي للأميركان عموما، و القنوات العربية لن تفسح المجال لقناة أميركية لتحقق نجاحا في عقر دارها.هناك مسؤولين على كابلات الدش يغلقون الحرة تلبية لرغبة تيارات سياسية معينة، و هذا يعني أن الحرة في مواجهة جمهور مُسيس، لا يريد حتى أن يفهم الفرد الأميريكي البسيط و اللطيف و الذي لا علاقة له بالسياسة الخارجية لأميركا. و هناك ايضا الفرد الذي يظن أن مشاهدة الجزيرة أو العربية أقرب إليه من مشاهدة الحرة كقناة إخبارية.
أما الأهم من كل هذا فهو المحاورين في البرامج الحوارية، لم تقدم الحرة محاورين مدهشين على نسق المحاورين الأميركان البسيطين التلقائيين العفويين، البرامج الحوارية فاشلة حتى على القنوات العربية، فكيف لها أن تستنسخ بهذا الشكل الفاشل و تقدم على الحرة بنفس الأفكار و مع محاورات بائسات مصطنعات أمام الكاميرا، يستقدمن للتصوير كل من بلد يأتين مرهقات و متعبات و يفكرن في إتمام المهمة و كأنها عمل شاق.
قناة الحرة بالنسبة لي عالية الجودة و تحترم نفسها و تحترم ضيوفها، لكنها تدار بالطريقة العربية و هنا يكمن سر آخر من عدم وصولها.
أنا أنتمي لشعب حرّ أُعتدي عليه في عقر بلده، و لا أرى مشاكلنا لا على تلفزيون الجزائر و لا على تلفزيونات العرب و فضائياتهم، و هذا يعني أننا لا نزال مهمشين.
برنامج تحقيقي واحد على أرض الواقع لدينا يكون مسلسلا سيجعل االملقي و المتلقي يصل.
بإمكان الحرة أن تصل للناس حين تتحكم في مكاتبها في العالم العربي و يتوقف مدراؤها عن توظيف أناس عن طريق الواسطة.
وجوه تلفزيونية لا تؤمن حتى بما تقوم به، بل تعمل من أجل مرتب آخر الشهر.
شخصيا أشاهد بعض البرامج على الحرة التي كانت تشدني.
إذا كان من يناضل من أجل الحرية مُبعد عن الحرة، فكيف تنشر فكر الحرية و التحرر بين الناس و بين مجتمعات مغلقة تتابع المنار ليل نهار و لا تتوقف عن مشاهدة القنوات الدينية نهارا و قنوات الجنس ليلا؟”.
آزاد ديواني محام كردي سوري في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الدولية ، يعاتب على الحرة من موقفها تجاه القضية الكردية والخلل الكائن في عدم تغطيتها لقضايا حقوق الإنسان في الاقاليم الكردية في سوريا والعراق وتركيا وأيران يقول :
“بعد أن وصلنا الخبر بأن قناة أمريكية باسم الحرة سيتم اطلاقها قريبا استبشرنا خيرا نحن الكرد خصوصا نشطاء الديمقراطية وحقوق الانسان. كنا متحمسين لمعرفة ترددات بث القناة وتوليف الستلايت ليتم ألتقاطها. لم تكن مصادفة 14/2/2004 تاريخ أنطلاق الحرة اقل من شهر من اندلاع الإنتفاضة الكردية في 12/3/2004 في كردستان سوريا والتي تعتبر الأولى منذ تأسيس الدولة السورية. والتي شملت كامل المناطق الكردية بالإضافة ألى المدن السورية الكبرى دمشق وحلب، فالحرة كانت تعبيرا عن توجّه جديد للإدارة الأمريكية يدعو ألى الحرية والديمقراطية. الحرة كانت من بين مجموعة من الأسباب الرئيسية لهذه الإنتفاضة، بالإضافة ألى سقوط نظام صدام على يد قوات الحرية الأمريكان في 2003 ثم أعلان الفدرالية لكردستان العراق. لكن للأسف القناة ليست بمستوى طموحاتنا، فالقناة تفتقر ألى برامج تتناول القضية الكردية وواقع حقوق الإنسان في الأقاليم الكردية في كل من سوريا، تركيا وايران. بالإضافة ألى ذلك فإن القناة لاتقوم بتغطية مايجري في هذه الأقاليم بشكل يومي، وكأنها تحافظ على علاقاتها الودية مع أنظمة تلك الدول على حساب نقل الحقيقة. فعلى الرغم من أن الكرد يعتبرون كبش الفداء في الحراك السياسي في كل من تركيا وسوريا وايران، لاتقوم القناة بتغطية مايجري من انتهاكات متواصلة لحقوقهم الأساسية وهي تخطو في طريق( السي ان ان) التي تشوه الحقيقة فيما يتعلق بتركيا حيث تصورها للمشاهد الأمريكي على أنها فرصة نادرة للإستثمار، في حين أن تركيا تعتبر من الدول المتخلفة التي يحفل سجلها بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الكردي والتي لاتلقى أدنى تغطية من السي ان ان.
أعتقد أيضا بأنه يوجد خلل فيما يتعلق بالموضوع الكردي في قناة الحرة وهو عدم وجود كوادر أعلامية من الكرد أو المهتمين بالمسائل الكردية في هذه القناة.
في 2007 أتصلت مع أحد مقدمي برامج الحرة المعروفين، وعبّرت عن سروري بالمساعدة في تقديم معلومات متعلقة بحالة حقوق الإنسان في سوريا كممثل في كردستان العراق لمنظمة حقوق الإنسان في سوريا (ماف)، ولكن للأسف لم يصدر منه رد لحد الآن على الرغم من أني من المتابعين للقناة والتواقين لنجاحها. وعلى الرغم من كوني أقيم في أربيل حيث لاقيود على الإتصال بالحرة، لكن الرجل فضّل عدم الإتصال بي. هل هذا لأني كردي؟ والقناة بحاجة ألى رأي العرب فقط، وعدم اثارة مسائل الأقليات القومية والدينية كي لاتخسر جمهورها العربي كما تظن. ربما ما حدث لي سينطبق على الشيعي المقيم في السعودية، والأمازيغي المقيم في المغرب والجزائر، والدرزي المقيم في سوريا …الخ. في رأيي القناة بحاجة ألى عدد من الكوادر الجريئة والتي تؤمن بأهدافها في نشر ثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من أبناء الأقليات المضطهدة لتنقل الخبر وتنشر الحقيقة من دون قيود وحسابات.
أقترح أيضا أن توثق القناة علاقاتها مع المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصا الشخصيات والمنظمات الحقوقية التي هي مع تواصل مع الجمهور، والتي تعتبر محظورة من قبل الأنظمة. وعلى القناة أن تأخذ في حسابها أن هذه المنظمات والشخصيات فقيرة ولا تمتلك أدوات التواصل، ولكنها تمتلك ثقة الجماهير أكثر من تلك الممولة بطريقة أو بأخرى من قبل الأنظمة.
على الرغم من أن هناك قنوات عربية كالجزيرة تلقى شعبية أكبر لأنها تدغدغ المشاعر الجماهيرية المثارة عن طريق البروباغاندا الإسلامية (الشبه رسمية) المعادية لأمريكا، فإن الحرة تستطيع التعويض عن طريق التركيز على مآسي هذه الجماهير كي تلقى ودّها بدلا من استرضاء الأنظمة، وهي نفس السياسة التي تتبعها القنوات العربية التي تديرها الأنظمة العربية.
هناك بعض البرامج التي تستحق التقدير مثل( من داخل واشنطن، عين على الديمقراطية، بالعراقي، مساواة، الساعة الوثائقية.) أعتقد من الضروري جدا تكثيف الحلقات التي تتناول تاريخ أمريكا وتجربتها الديمقراطية، فذلك سيجذب المزيد من المتابعين للقناة خصوصا تلك الحلقات التي يتم بثها باللغة الأنكليزية مع الترجمة الكتابية. فبالإضافة ألى الإطلاع على موضوعها يرى الجيل الشاب فائدة في تحسين لغته الإنكليزية من خلالها. بالإضافة ألى ذلك أعتقد أن الحرة-عراق أكثر نجاحا في تغطية المسائل العراقية ومنها المسائل المتعلقة بالدمقرطة، الكرد والمسيحيين، وذلك انسجاما مع جو الإنفتاح الرسمي العراقي.”
ربيع الحرية في الشرق الأوسط وثورة الشعوب :
حين أنتفضت الشعوب في الشرق على طغاتها ورفعت عنوان الحرية والإنسان حقيقة لزمنها وهدفها لمستقبل ديمقراطي دون سجون وتعذيب ومنافي، وجدنا قناة الحرة تسابق وسائل الإعلام في تغطية الثورة التونسية من مكان الحدث وبوتيرة مستمرة، وفي مصر كانت الحرة صوتا واضحا للشعب المصري الثائر ، فكانت حاضرة بطاقمها وكاميراتها ونقلت وحتى اللحظة حيثيات لحظات اسقاط مبارك وما بعده، وكانت أول قناة أذاعت خبر تنحي مبارك عن الحكم. لكن في الثورة اليمنية والسورية نجد أنّ القناة تساهم في تغطية مجريات الثورتين ولكن ليس بمستوى تغطيتها للثورات المصرية والتونسية والليبية، ويعيد البعض من العاملين في القناة ذلك لعدم وجود ميزانية مالية كافية لتغطية الثورتين في سوريا واليمن. ورغم هذا نجد أن الحرة تعمل جاهدة لأن تكون شاشة لثوار دمشق وصنعاء، وتعكس يوميا الأحداث للعالم وتساهم في خلق واقع من الحريات وثقافة الإنسان دون قيود وطغيان.
الصحفي الكردي سيروان قجو يعكس في رأيه مدى أهمية الأعلام في ثورات الحرية :
“في خضم الثورات التي باتت جزء من حياةالمواطن في العالم العربي، نلاحظ بأن للإعلام دور ريادي في متابعة مجريات الأحداث، ولن يكون غريباً لو قيل أن الإعلام ساهم إلى حدٍ ما في نجاح بعض هذه الثورات.أعتقد بأن قناة الحرة كانت من القنوات التلفزيونية الرائدة التي ساهمت بنقل الخبرالصحيح لناطقي اللغة العربية. فمصداقية المعلومة، برأيي، هي أحد عوامل تميز هذه القناة عن سواها. لكن دعنا لا ننكر بأن الحرة بقيت أسيرة الإعلام الكلاسيكي. أي أنها لم ترتقي إلى مستوى احترافية القنوات الإخبارية الأخرى التي استفادت من تجربةالأعلام الغربي المتمرس، لكن الحرة لم تستفد من هذه السمة بالرغم من بثها من الولايات المتحدة الأمريكية. وكونها تستمد دعمها المادي من الكونغرس الأمريكي، تستطيع الحرة تطوير أدائها من خلال إيجاد حلقات تدريب مكثفة لطاقمها الحالي، بل وجلب المزيد من الخبرات الصحفية التي لها باع في فهم لغة السياسة والثقافة المدنية ولغة الأعلام المعاصر.”
لكن الكاتبة والباحثة رندا قسيس تجد أن سلطة الأعلام كان له دورا حيويا في عكس صوت الشعوب المنتفضة ، ووضع العالم الديمقراطي أمام حقيقة الألم الإنساني وفقدانه لأبسط قيم الحياة والحريات:
“في ربيع الحرية المشتعل اللحظة في الشرق ، نجد أن الأعلام كان مرآة عاكسة لثورات الشعوب المضطهدة، بحيث نجحت أن تكسر كل التابويات ، وأن تضع حدا لثقافة الآلهة الأبدية المتمثلة في شخوص الطغاة العرب، وأستطاعت الحرة أن تكون منبرا لثوار الحرية والديمقراطية ،ولكن في الثورة السورية كانت الحرة غير ثابتة في مستواها وأدائها في تغطية المدن السورية المنتفضة، ولم تحاول أن تكون كقناة أمريكية ديمقراطية الوعاء الإعلامي الكبير للثورة، رغم أنها نجحت وبدهشة أن تساهم في صناعة الحريات لهذه الشعوب في عالم عربي كل شيء فيه ممنوع، والإعلام فيه يخضع لثقافة الحكومات التي تخاف من التغيير ورياح الديمقراطية والحريات. الحرة هي صوت للديمقراطية والشفافية في الكلمة والصورة والخبر، ولكن عليها أن تكسر كل الإعاقات عن طريقها، وتكون قناة للشعوب المضطهدة والطامحة بالحريات، وتوسع من فضاءات الحرية والشفافية في برامجها وأخبارها وستكون هي المنبر الإعلامي الوحيد للشعوب، بعيدا عن الرقابات وضغط الحكومات ، وهذا يحتاج من ادراتها أن تنقل الأحداث والوعي بالحريات والإنسانية وفق مقاسات الأعلام الأمريكي، وليس وفق ما يتلائم مع ظروف وسياسات المنطقة العربية ، فمناخ العرب مناخ ينتفي مع الحريات ويصطدم بتابويات قاسية بدأت تنهار بفعل الثورات، أذا الحرة هي ملاذ الشعوب في حرياتها وأصواتها، لكن هذا بين يدي القناة وتستطيع أن تكون ناضجة لرسالتها في نشر الديمقراطية وثقافاتها والحريات.
الكرة في ملعب الحرة :
أذا يمكن للحرة أن تكون القناة الأولى في كل بيت في الشرق الأوسط والمحيط العربي، لو أستندت في رسالتها الإعلامية والإنسانية على الكلمة الشفافة والجريئة، واستعانت بكوادر صحفية واعلامية متمرّسة وتملك ثقافات عامة، وتستعين بخبرات صحفية تعرضت للقمع الفكري، وحاربت لأجل خلق مجتمعات حرة، وصحافة واعلام مستقل، وأن تدار الحرة من خبرات اعلامية متنوعة تكون مّطلعة على واقع وظروف المجتعمات في الشرق، وتكون القناة صديقة للشعوب في أفراحها وأحزانها، وتقدم للمشاهد كل ما يتناسب مع رسالة القناة ، وأمل الناس بأعلام جريء وحيادي. وتبقى الحرة عين على الديمقراطية رغم كل شيء، ولكن يحتاج المواطن في الشرق من الحرة أن تكون عيونها في الكلمة والصورة والخبر أوسع، وتلمس المعاناة اليومية بكل احترافية ومصداقية، وبتعمق دقيق وقريب أكثر لروح تلك المجتمعات التي لا تثق بالإعلام العربي المسيس بثقافة الأنظمة والحكومات المعادية للديمقراطية وحرية التعبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى