صفحات الناس

“داعش” والناس –مجموعة مقالات-

 

استهداف مجموعة الرقة: داعش “يجاهد” الكترونياً؟

“شكراً لكم على ما تبذلونه من جهود من أجل تقديم صورة حقيقية عن واقع الحياة في الرقة”. هي رسالة قصيرة تلقّاها أخيراً القائمون على مجموعة “الرقة تذبح بصمت” عبر البريد الالكتروني الخاص بهم، ليتم الاكتشاف لاحقاً بأنها رسالة مفخخة ببرمجيات خبيثة، رجّح الخبراء أن يكون مصدرها تنظيم “داعش”، كما رجحوا أن تكون هذه الهجمة الالكترونية الاولى من نوعها التي يتم الإعلان عنها، من بين عمليات الكترونية أخرى يشنّها عناصر التنظيم لاستهداف “أعدائهم في الانترنت”.

وضمن تقرير مفصّل نشرته شبكة “فرانس 24″، السبت، أشارت إلى أنّ مركز أبحاث الفضاء الالكتروني “سيتيزين لاب”، ومقره كندا، أفاد بأنّ هناك “احتمالاً قوياً ان تكون البرمجيات الخبيثة المرسلة لمجموعة الرقة ، قد وضعت من قبل عناصر الدولة الاسلامية. فالجهاد الذي كان يشّن عبر مساحات واسعة على الارض، انتقل الآن إلى شبكة الانترنت”.

وكان مركز “سيتيزين لاب” نشر، الخميس، تقريراً شرح فيه كيف أن الهجمات الالكترونية التي تستخدم البرمجيات الخبيثة تحاول، على ما يبدو، الكشف عن موقع نشطاء ينتمون إلى مجموعة “الرقة تذبح بصمت”، التي أسست بهدف تسليط الضوء على الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان التي ترتكبها جماعة “الدولة الاسلامية” في مدينة الرقة، التي تعدّ واحدة من معاقل التنظيم في سوريا.

وبدأت محاولة الهجوم الالكتروني على موقع المجموعة مع تلقيها رسالة عبر البريد الالكتروني، تم إرسالها إلى عناوين النشطاء القائمين عليها، ممن يعيشون في كندا ويتابعون أخبار الرقة ويوثقون الانتهاكات بشكل دوري. وجاء في نصّ الرسالة: “نحن نؤمن بأهمية تسليط الضوء على واقع الحياة في سوريا، وفي الرقة على وجه الخصوص. نحن نقوم بإعداد تقرير صحافي مطوّل حول واقع الحياة في الرقة، ونريد أن نتبادل معكم بعض المعلومات، على أمل أن تقوموا بتصحيحها في حال احتوت على مغالطات”. وأرفقت الرسالة المذكورة عن طريق “وصلة” إلى موقع تبادل الملفات، حيث يمكن للمتلقي عرض نسخة من التقرير الصحافي المزعوم، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية الخاصة بالرقة.

لكن مركز “سيتيزين لاب” أشار إلى أنّه بمجرّد الدخول إلى المرفقات وتنزيل الصور وملف التقرير، فإنه يجري تحميل البرمجيات الخبيثة في أجهزة الحاسوب الخاصة بالنشطاء. وإذ يؤكّد المركز على أنّ هذه الطريقة كلاسيكية جداً في إصابة أجهزة الكومبيوتر، يلفت إلى أن “الفيروس” نفسه المستخدم، هو بسيط بشكل لا يصدّق، إذ إنّ معظم “الفيروسات” الحديثة تسمح للقراصنة بالتحكم بجهار الكومبيوتر وسرقة ملفات من القرص الصلب الخاص به. غير أنّ البرمجيات الخبيثة التي تم ارسالها إلى أعضاء مجموعة الرقة، لم تكن تهدف سوى لمعرفة الـ “آي بّي” الخاص بهم (وهو رقم منسوب إلى كل جهاز متصل بالانترنت)، إضافة إلى معرفة بعض التفاصيل التي تكشف نظام أجهزة الكومبيوتر التي يستخدمها هؤلاء النشطاء.

ورغم عدم حداثة “الفيروس” وأسلوب الهجوم الالكتروني الذي لجأ إليه “داعش”، إلا أن “معرفة الآي بّي، يمكن يكون مدخلاً رئيسياً لشن هجمات لاحقة، لها تأثير أقوى وتستخدم تقنيات أحدث”، حسبما يقول الخبير الياباني بالأمن السيبيري، لويك غويزو، لـ”فرانس 24”.

وفيما أكدّ مركز “سيتيزين لاب” أن جميع المعطيات تشير إلى أن “داعش” هو من يقف وراء هذا الهجوم، ذكّر المركز بالانتهاكات التي تعرض لها نشطاء يعملون في مجموعة الرقة الاكترونية، بحيث تعرض العديد منهم للخطف ومداهمة المنازل، ومقتل ناشط على الأقل، بحسب ما تفيد إدارة المجموعة.

بموازاة ذلك، صرّح مؤسس شركة الأمن السيبيري “سيفاريز”، جان فرنسوا بوزي، لـ”فرانس 24″، بأنّ “نشاطات داعش الالكترونية تقتصر حتى الآن على الدعاية ونشر الفيديوهات ومشاهد قطع الرؤوس والأناشيد، لكن هذا الأمر لا يعني أن التنظيم لا ينوي اللجوء إلى استخدام الشبكة العنكبوتية كسلاح ايضاً. ومن المؤكد أن التنظيم لديه في صفوفه من يملكون خبرة واسعة لشن حرب الكترونية ضد أعدائهم”. وتشير بعض المعلومات، التي حصلت عليها “فرانس 24” إلى أن القرصان البريطاني، جنيد حسين، يُشتبه بانضمامه إلى “داعش” بعدما سافر إلى سوريا في تموز/يوليو 2014. وحسين هو طالب سابق في “برمنغهام”، كان قد سجن لمدة 6 أشهر العام 2012، على خلفية سرقة معلومات شخصية عن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، ونشرها في شبكة الانترنت.

في سياق آخر، حظر تنظيم “داعش” على عناصره استخدام خدمة تحديد المواقع “جي بي اس” ومنتجات شركة “آبّل” الأميركية المتخصصة بصناعة أجهزة الكومبيوتر والبرمجيات والهواتف الذكية (آيفون). ووفق تعميم منسوب لـ”داعش”، أطلعت عليه وكالة “الأناضول”، وتدوالته صفحات موالية للتنظيم في موقع “فايسبوك”، فإنّ “داعش” قرر “منع استعمال منتجات شركة آبّل من الهواتف والأجهزة اللوحية نهائياً وذلك لخطورتها”، دون تحديد وجه الخطورة في ذلك.

كما أشارت الوكالة إلى أنّ التنظيم منع استخدام أي جهاز الكتروني أو وسيلة اتصال تحتوي على خدمة “جي بي اس”. ولفت التعميم المذكور إلى أن قرار منع استخدام هذه الخدمة، جاء “بناءً على مقتضيات المصلحة العامة وحفاظاً على أرواح جنود الدولة الإسلامية وممتلكاتهم في ظل الحملة الصليبية الشرسة على دولة الخلافة وسداً لأبواب الاختراق التي يستعملها العدو للوصول إلى أهدافه وضربها بدقة عن طريق طائراته الحربية والمسيّرة”.

كما لفت التنظيم إلى أنه تم “تعيين تقنيين في كل ولاية لتعطيل هذه الخدمة ورفعها من الهواتف النقالة والحواسيب اللوحية نهائياً”، مطالباً كل جنود التنظيم المبادرة برفعها خلال مدة أقصاها شهر”، ومتوعداً “بمصادرة أي جهاز يحتوي الخدمة المذكورة بعد انقضاء المدة المذكورة ومساءلة صاحبه لعدم الالتزام وتعريض اخوانه لخطر محدق”.

وفيما لم يحدد التعميم العقوبات التي تطاول المخالفين لهذا الامر، ذكرت وكالة “الأناضول” أنه لم يتسنّ لها التأكد مما ورد في التعميم من مصدر مستقل، ولم يتسنّ لها أيضاً الحصول على تعليق من “داعش” بسبب القيود التي يفرضها على التعامل مع وسائل الإعلام.

المدن

 

 

 

 

 

جمهور نظام الأسد وداعش.. واحد/ عبسي سميسم

ثمة تشابه يصل إلى حدّ التطابق أحياناً بين شرائح الجمهور المحلي المستهدفة لدى كل من إعلام تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وإعلام النظام في سورية، سواء لناحية نوعيّة الجمهور التي يتوجه إليها كلا الإعلامين، أو لناحية مضامين الرسائل الإعلاميّة التي يُرسلانها، بينما فشل الإعلام المعارض في الوصول إلى الجمهور لأسباب كثيرة.

ويمكن التمييز بين شريحتين من الجمهور الذي يتوجه إليه كل من إعلام “داعش” وإعلام النظام، الأولى هي شريحة الجمهور الذي يتماهى مع الأقوى وهذا الجمهور هو في الغالب مجموعة من الناس البسطاء الذين لا يستطيعون العيش خارج إطار مناطقهم بسبب الفقر، ويُشكّلون القسم الأكبر من هذه الشريحة… فيما الجزء المتبقي منها، هم فئة صغيرة لديها قدرة مادية ولكنها لا تتبنى أية مواقف وتعيش على مبدأ “اللي بياخد أمنا منقله يا عمنا” (مثل دارج في الشام). أما الشريحة الثانية فهي الفئة الموالية والمستفيدة من وجود السلطة سواءً في مناطق سيطرة “داعش” أو مناطق سيطرة النظام.

جمهور الأقوى

ولا تحتاج الشريحة الأولى من الجمهور المحلي سوى ضخّ كبيرٍ من المواد الإعلاميّة التي تُقنعها أنّها في المكان الصحيح، حتى ولو كانت تلك المواد عبارة عن أكاذيب، مع استخدام أسلوب الترهيب في الوقت نفسه كي لا تُفكّر بالتمرد على المستبد الذي يحكمها.

وقد اعتمد إعلام النظام السوري منذ بداية الثورة خطاباً إعلاميّاً يقوم على كذبة كبرى لا يُصدّقها طفل صغير مفادها أنّ مؤامرة كونيّة تُحاك ضدّ البلد ويشترك فيها كل من يؤيّد الثورة من الخارج، سواء كانوا أفراداً أم دولاً، وأدواتها في الداخل هم كل من قام بالثورة أو أيّدها.

وككل الأنظمة الشموليّة التي تعتمد في إعلامها على قضية كبرى، كحامل إعلامي تستطيع أن تتبنّاها لعقود دون أن تكون ملزمةً بتحقيقها، اعتمد النظام على قضيّة فلسطين وفكرة الممانعة والعزف على الوتر القومي ــ العروبي الذي يهدف إلى تحرير القدس وتوحيد الوطن العربي، كحامل لإعلامه، الذي يسعى من خلاله إلى الإثبات لجمهوره بأن هذه القضيّة مستهدفة من قبل المؤامرة الكونية. واعتبر كل من يعارض توجهاته (حتى على الصعيد الخدماتي) شريكاً بتلك المؤامرة.

فمنذ بداية الثورة السوريّة في آذار/مارس 2011، تفاعل قسم كبير من جمهور النظام المحلي مع أكاذيب النظام، فصدّق الكذبة التي نقلتها مذيعة التلفزيون السوري لتُقنعه بأنّ المظاهرة التي خرجت من جامع الحسن في الميدان في دمشق “ما هي إلا مجموعة من الناس تجمّعوا كي يشكروا ربّهم على نعمة المطر”، وكذبة “الخمسمئة ليرة سوريّة التي كانت توضع للمتظاهرين في سندويشات الفلافل كبدلٍ لقاء عمالتهم لمنفذي المؤامرة الكونية”… ولا يزال بعض السوريين المؤيدين للنظام يصدقون هذه الروايات، أو بالأحرى يصدّقون النسخ المطوّرة منها، مثل “الذي يعارضون النظام يتلقون أموالاً ضخمة”، أو “يحصل المعارضون على مساعدات مالية غذائية”، أو الرواية الأتفه “كل من يعارض النظام يؤيد التنظيمات الإرهابية”، وغيرها من الأكاذيب التي لم يتوقف النظام وإعلامه عن الترويج لها، حتى اليوم.

فيما لم يكُن تنظيم “داعش” بحاجة لابتكار الكثير من الكذب، ولكنّه اعتمد على خطاب إعلامي استغلّ فيه عدم ثقة الجمهور المحلي الذي يخاطبه بالنظام الحاكم، وعدم ثقته بالغرب، فطرح نفسه من خلال خطابه الإعلامي كمخلّص له من الحكام وعدو للغرب في الوقت نفسه. وعزف أيضاً على الوَتَر الطائفي بقوة، مستغلاً فكرة المظلوميّة التي تعرّضت لها الطائفة السنيّة على يد حاكم من الأقليات… وداعب بذلك مشاعر جمهوره بطرح موضوع “الخلافة الإسلامية” كهدفٍ يُعيد إليهم أمجاداً سابقة قد لا تتوقف باستعادة الأندلس! وقد اعتمد على هذه الفكرة كقضية كبرى يسعى لتحقيقها من خلال الدين، مرتكزاً إلى أجزاء من النصوص الدينيّة التي تحتوي عباراتٍ إقصائيّة أو فيها ذكر للقتل (على مبدأ: “ولا تقربوا الصلاة”) واعتمدها كمنهج ايديولوجي، مع التأكيد على الطاعة العمياء لولي الأمر وإقصاء أو قتل كل من يخالفه الرأي.

وقد تسبب نشر صور وأخبار تطبيق الحدّ لدى إعلام تنظيم “داعش”، والتي تصل في معظمها إلى تقطيع الرؤوس، بتخويف وترهيب قسم كبير من هذا الجمهور الذي راح يروج لصوابية هذا الإرهاب، ويقنع نفسه به في محاولة للعيش بتوازن نفسي في تلك المناطق. هكذا بتنا نشاهد سوريين كثرا معارضين للنظام، ومرعوبين من تنظيم “داعش”، فيفضلون السكوت عن المجاهرة بمعارضتهم للطرفين.

الجمهور المستفيد

وفي الشريحة الثانية من الجمهور المحلي، نجد الخطاب الإعلامي الموجه لهذه الفئة، هو خطابٌ يعتمد على بثّ الحماس والتغنّي بالبطولات وإقناع هذا الجمهور بقوة وديمومة السلطة الحاكمة، من خلال خطابٍ مليء بأحكام القيمة التي تُمجّد السلطة، فنجد في إعلام النظام خبراً يتكرر عبر كل وسائل إعلامه الرسميّة، يبدأ بلازمة واحدة هي: “هاجمت قواتنا الباسلة أوكاراً للإرهابيين في منطقة كذا، وتمكّنت من قتل وأسر العدد الفلاني منهم واستولت على أسلحتهم”… ونجد أنّ هذا الخبر يُعاد بشكل يومي منذ ثلاث سنوات وحتى الآن مع تغيير اسم المنطقة، وعدد القتلى، فيما ترفع وسائل إعلامه الرسميّة وغير الرسميّة شعارات تفيد بأنّ هناك بديلا واحدا للسلطة القائمة، هو الخراب.

كما تروج وسائل إعلامه التي تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتلك الشعارات كشعار: “الأسد أو نحرق البلد”… إذ يمتلك النظام جيشاً إلكترونياً سخَّره منذ بداية الثورة لهذه الغاية.

إسطنبول

العربي الجديد

 

 

 

 

منتج فيلم “الدولة الإسلامية” يستعرض لـCNN كيف حقق “داعش” تقدمه العسكري وكيف يستعد لمعركة الربيع الحاسمة (الجزء الأول)

بقلم مدين ديرية-منتج وثائقي “الدولة الإسلامية”

(ملاحظة المحرر: قضّى الصحفي مدين ديرية أسابيع وهو يعمل لموقع “فايس نيوز” في مدينة الرقة معقل تنظيم “داعش” في سوريا وأنتج فيلما وثائقيا مثيرا للجدل تحت عنوان “الدولة الإسلامية.” (تابع هنا حوارا أجرته CNNبالعربية مع مدين ديرية) مدين هو بريطاني-فلسطيني عرف بعمله في أخطر مناطق النزاعات الحربية حيث بثت تقاريره المصورة من قلب المعارك وتمكن من الوصول إلى أخطر المناطق في إفريقيا والشرق الأوسط ونجح في ربط الصلة بأخطر الحركات المتمردة والمنظمات الجهادية من جبال أفغانستان حتى سيراليون في غرب إفريقيا. وصوّر الشريط الحياة اليومية في الرقة تحت حكم تنظيم داعش، وتنقل بين “مؤسسات الدولة الإسلامية” وكيف تطبّق أسلوبها بدءا من الصلاة والتدريب و”الحسبة” و”القضاء” وانتهاء بالسجون التي تديرها والتي زارها مدين ديرية. ورغم الخسائر التي يعلنها التحالف الدولي ضد التنظيم، إلا أن دخول العمليات ضده شهرها الخامس، واستمراره في التحصن بمواقع داخل سوريا والعراق، يطرح أسئلة حول قوته العسكرية. وعلى جزأين، يشرح مدين ديرية لـCNNبالعربية، الأساليب العسكرية التي استخدمها التنظيم، وفقا لما عاينه مع مقاتليه وحواراته مع قيادييه. وفي الجزء الأول، يستعرض مدين كيفية نشأة التنظيم واستفادته من الاستراتيجية الأمريكية، ثمّ يستعرض في الجزء الثاني توقعاته لسيناريو المعركة الحاسمة بين التنظيم والتحالف الدولي والتي يرجح أن تقع في الربيع. وما يرد في مقالته بجزئيها يعبّر حصرا عن رأيه ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN)

يتذكر العالم اليوم تحرك أمريكا الكبير لحشد تحالف دولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ضد طالبان وتنظيم القاعدة ومازال العالم يذكر التحالف الدولي في الحرب ضد صدام حسين. وتمكنت أمريكا من حشد عدد كبير من دول العالم إلى جانب جيوش جرّارة وأسلحة حديثة متطورة وقادت الحرب ضد الإرهاب التي مازالت مستعرة حتى يومنا هذا، وواصلت نزال تنظيم القاعدة أيضا في الصومال واليمن في حروب استهدفت تنظيم القاعدة.

إن الحرب التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب كبدتها وحلفاءها خسائر بشرية ومادية هائلة دون أن تحقق أي نتيجة ملموسة غير أنها استطاعت قتل بن لادن وليس القضاء على تنظيم القاعدة ودفعت هذه الحرب أمريكا وبريطانيا على الجلوس مع حركة طالبان كما تمكنت من اعتقال صدام حسين والتخلص منه في المقابل غادرت العراق تاركة أخطر التنظيمات المسلحة في العالم تنمو وتنشط في العراق.

خلال انشغال أمريكا بحشد التحالف ضد طالبان والقاعدة كانت طالبان مشغولة باستبدال مواقعها والانسحاب إلى الجبال بعد تغير تكتيكها من المحافظة على المواقع والانتقال لحرب المواقع المتحركة التي حققت نقلة نوعية في المواجهة وكانت طريقة غير مكلفة لاستنزاف قوات التحالف. ومعها أكثر من مائة ألف جندي ساعدت أمريكا على بناء جيش أفغاني غير قادر على المواجهة وتحمل مسؤوليته في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية البلاد من طالبان التي مازالت تهاجم مواقعه وتسيطر عليها وتغنم الأسلحة الأمريكية التي زودته بها أمريكا نفسها.

وتماما هذا ما حصل في العراق

منذ نشأته، اعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على أسلوب حرب الغوار واستخدم أسلوب حركة طالبان وتنظيم القاعدة حيث أدارت الدولة الإسلامية المعركة ضد القوات الأمريكية معتمدة على تقسيم المناطق جغرافيا وتقسيم قواتها لمجموعات يقود كل مجموعة أمير في حين قامت بتقسيم المجموعات الصغيرة إلى خلايا مقاتلة بينما وزعت الأسلحة والمتفجرات على كل المناطق معتمدة على مخزون في الصحراء وتشرف مجموعات خاصة على إيصال الأسلحة للمجموعات التي كانت تعتمد على قيادة ذاتية في أغلب الاحيان واجتهادات شخصية في قيادة المعركة إذا تعذر التنسيق .

كانت تلك المجموعات المقسمة بشكل متقن وموزعة بطريقة حرفية اعتمدت على السيارات الانتحارية والعبوات الناسفة الجانبية التي دمرت المدرعات الأمريكية واتخذت الصحراء ملاذا آمنا حيث يصعب تعقب المجموعات في عمق الصحراء. وهذا يعود لأمرين هما انسحاب المجموعات لإعاقة ملاحقتها من خلال الطيران والسماح لمجموعات صغيرة بمهاجمة القوات الأمريكية وحلفائها بالعبوات الجانبية والاختفاء في المدن.

حاولت الدولة الاسلامية من خلال هذا التكتيك توسيع جبهة القتال جغرافيا لإنهاك الدعم الجوي مستخدمة بذلك القذائف والصواريخ قصيرة المدى الذي ساعد ضباطا في الجيش العراقي السابق على نصب منصات متحركة مصنوعه يدويا وغير مكلفة.

في خضم ذلك مهدت “الدولة الإسلامية” لمجموعات أكبر باقتحام مواقع الجيش العراقي وتطهيرها من أجل الحصول على غنائم حيث كانت الدولة تعتمد كثيرا على الغنائم في التسليح والتموين.

كما اعتمدت التكتيك الذي استخدمته طالبان والذي عمل الزرقاوي على إنعاشه وهو مهاجمة العدو لتحقيق ثلاثة أهداف هي ضرب العدو لإرباكه وإنهاكه والإكثار من خسائره حتى إضعافه وثانيا الحصول على غنائم وتشمل أسلحة وأموالا ومواد تموينية، وثالثا تحقيق نصر إعلامي من أجل زيادة القاعدة الشعبية للتنظيم.

تعامل “براغماتي” مع النصرة والجبهة الإسلامية

ومنذ بداية الصراع بسوريا قرر أبو بكر البغدادي إرسال ابو محمد الجولاني لسوريا لتنظيم عمليات الجهاد ضد النظام السوري وتم تأسيس جبهة النصرة. وعملت النصرة بأسلوب القاعدة العسكري في العراق مستخدمة السيارات التي يقودها انتحاريون وحققت نقلة نوعية في طبيعة الصراع.

ذاع نجم جبهة النصرة ونجحت في تكوين قاعدة شعبية كبيرة من خلال الأنشطة الاجتماعية والجماهيرية وبرامج مساعدة الأسر الفقيرة لكنها رفضت إعلان البغدادي الدولة الإسلامية في العراق والشام وردت بمبايعتها لتنظيم القاعدة لتنضم لاحقا مع فصائل الثورة السورية بحرب مع الدولة الإسلامية.

لم يكن هجوم الجيش الحر بعد تشكيل “الجبهة الإسلامية” التي تدعمها عدة دول على رأسها السعودية على الدولة “الاسلامية” مفاجئا لها بل كان التوقيت مفاجئا للدولة الاسلامية التي حاولت في البداية تفادي الهجمات وعدم الدخول في حرب كبيرة مع الجيش الحر تفقد خلالها سيطرتها على مناطق في سوريا وبدأت بالتعامل فورا مع المستجدات حيث انسحبت من مناطق وأعادت الانتشار في مناطق أخرى وظلت تناور بعمليات الانسحاب والانتشار حتى استقرت بمواقع استراتيجية ظلت تدافع عنها بقوة

تمكنت الدولة من المحافظة على مواقعها الاستراتيجية المهمة بل تقدمت حتى الحدود مع تركيا وسيطرت على نقاط العبور الحدودية وآبار النفط المهمة لتفتح الحدود مع العراق وتسقط ثاني أكبر مدينة في العراق.

حققت الدولة الإسلامية نصرا كبيرا على الأرض وبنت بلمح البصر دولة كبيرة بحجم الأردن وسيطرت على كميات كبيرة من الاسلحة بينها أسلحة ثقيلة وكميات كبيرة من الأموال من البنوك وأجهزة ومعدات متطورة مختلفة التعددات وبذلك تكون “الدولة الإسلامية” قد كسرت اتفاقية سايس بيكو وعمرها مائة عام وفتحت الحدود وهو ما بعث للشباب المتحمس رسالة مفادها أنها هي من تتزعم الجهاد العالمي .

وخلال لقائي مع أبو ليث الجزراوي وهو متحدث باسم الدولة الإسلامية في العراق على الحدود العراقية السورية قال إن “الدولة الإسلامية” تعرف أن أمريكا لا يمكن ان تبقى في موقف المتفرجة على انتصارات الدولة التي سارعت إلى إعلان الخلافة وظهر الخليفة أبو بكر البغدادي أمام العالم.

إلى الآن لا يعرف حجم القوات البرية وتوزيعها وقوة تسليحها غير ان التقارير تشير إلى أن البنتاغون سيضع 1.24   مليار دولار لتجهيز تسعة ألوية من الجيش العراقي، والتي تم تخفيضها إلى 10 فرقٍ بعد ذوبان ما لا يقل عن أربعة فرق عندما هاجمت “الدولة الإسلامية ” شمال العراق خلال ربيع هذا العام.

تدرك المؤسسة العسكرية لقوات التحالف أنه لا يمكن حسم أي معركة من الجو دون أن تكون قوة موازية بالقوة الجوية على الأرض تشاركها الدبابات والمدفعية الثقيلة وهناك تحديات كبيرة تواجه الجنرالات حول عملية تقدم قوات مشاة لمساحات كبيرة تسيطر عليها الدولة “الإسلامية” التي أتوقع أن تستخدم تكتيك طالبان بالانسحاب التكتيكي ومن ثم الهجوم لدى تمركز القوات المعادية في أي نقطة تمركز.

كل التوقعات تؤكد أن قوات التحالف سوف تدعم هجوما شاملا في الربيع القادم وهذا يعود لعدم جاهزية القوات المهاجمة على الأرض وإعادة تسليحها وتدريبها وأيضا لاستقرار الحالة الجوية لتكثيف الهجمات الجوية الضاربة . وفي الجزء الثاني سأشرح تصوري لسيناريو ذلك الهجوم الحاسم. كيف ستتصرف “الدولة الإسلامية” وما هو احتمال صمودها؟

منتج فيلم “الدولة الإسلامية” يرسم لـCNN سيناريو إدارة “داعش” معركة الربيع الحاسمة من العتاد والأسلحة إلى الخطط المتوقعة

(ملاحظة المحرر: قضّى الصحفي مدين ديرية أسابيع وهو يعمل لموقع “فايس نيوز” في مدينة الرقة معقل تنظيم “داعش” في سوريا وأنتج فيلما وثائقيا مثيرا للجدل تحت عنوان “الدولة الإسلامية.” (تابع هنا حوارا أجرته CNNبالعربية مع مدين ديرية) مدين هو بريطاني-فلسطيني عرف بعمله في أخطر مناطق النزاعات الحربية حيث بثت تقاريره المصورة من قلب المعارك وتمكن من الوصول إلى أخطر المناطق في إفريقيا والشرق الأوسط ونجح في ربط الصلة بأخطر الحركات المتمردة والمنظمات الجهادية من جبال أفغانستان حتى سيراليون في غرب إفريقيا. وصوّر الشريط الحياة اليومية في الرقة تحت حكم تنظيم داعش، وتنقل بين “مؤسسات الدولة الإسلامية” وكيف تطبّق أسلوبها بدءا من الصلاة والتدريب و”الحسبة” و”القضاء” وانتهاء بالسجون التي تديرها والتي زارها مدين ديرية. ورغم الخسائر التي يعلنها التحالف الدولي ضد التنظيم، إلا أن دخول العمليات ضده شهرها الخامس، واستمراره في التحصن بمواقع داخل سوريا والعراق، يطرح أسئلة حول قوته العسكرية. وعلى جزأين، يشرح مدين ديرية لـCNNبالعربية، الأساليب العسكرية التي استخدمها التنظيم، وفقا لما عاينه مع مقاتليه وحواراته مع قيادييه. وفي الجزء الأول، يستعرض مدين كيفية نشأة التنظيم واستفادته من الاستراتيجية الأمريكية، ثمّ يستعرض في هذا الجزء الثاني توقعاته لسيناريو المعركة الحاسمة بين التنظيم والتحالف الدولي والتي يرجح أن تقع في الربيع. وما يرد في مقالته بجزئيها يعبّر حصرا عن رأيه ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN)

كل التوقعات تؤكد ان قوات التحالف سوف تدعم هجوما شاملا في الربيع القادم وهذا يعود لعدم جاهزية القوات المهاجمة على الارض واعادت تسليحها وتدريبها وأيضا لاستقرار الحالة الجوية لتكثيف الهجمات الجوية الضاربة وإن تحقيق النصر لا يمر إلا عبر المشاة الذين يحتلون المواقع ويطهّرونها ويتولون المحافظة عليها وهذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل سيطرة أكثر من أربعين ألف مقاتل من الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة.

وإن عمليات قصف مراكز السيطرة والاتصال التابعة للدولة الاسلامية لا يضعف تحركات الحركة العسكرية للدولة ربما يؤثر في سرعة التنسيق ولاتصال بين القوات والمجموعات على الأرض غير أن “الدولة الإسلامية” سوف تعتمد على تقسيم المناطق وتقسيم المجموعات وقيادة لا مركزية وتهاجم تقدم العدو وتلاحقه في الانسحاب.

كيف ستتعامل الدولة الإسلامية مع هذا الهجوم الشامل المتوقع؟

قبل أن نرسم سناريوهات المعركة يجب أن نستعرض قوة الدولة الإسلامية التي تتكون من ثلاث قوات رئيسية هي عناصر تنظيم القاعدة من مدرسة أفغانستان وعناصر الدولة الإسلامية في العراق ومن معهم من ضباط الجيش العراقي السابق وخصوصا الحرس الجمهوري لصدام حسين وقوات الشيشان والقوقاز بقيادة أبو عمر الشيشاني .

إن هذه القوات من وجهة نظري وبناء على خبرتي الميدانية في تغطية مثل هذه الأحداث، تعدّ من أفضل وأقوى القوات الحربية في أسلوب حرب العصابات في العالم وشاركت في كل المعارك مستخدمة كل الأساليب العسكرية الروسية والأمريكية والغربية. تشارك مع هذه القوات عشرات آلاف من المتطوعين المدربين الذين يشكلون نواة “الدولة الإسلامية” من أطباء ومهندسين ومعلمين وإعلامين وقضاة وشيوخ الخ

غالبية المتطوعين معهم أحزمة ناسفة وكل حزام ناسف قوته تعادل 7 قنابل يدوية كما خضع المتطوعون لشهر كامل من التدريب وهم لا يتحركون دون بنادق وأحزمة ناسفة حيث تم تدريبهم على عدم التخلي عن البندقية ووضعها بعيدة عنه لذلك ترى جميع عناصر الدولة مسلحين حتى في الأعراس والصلاة والشراء والعمل — .

لا أحد يعرف حجم الغنائم من الأسلحة الثقيلة التي بحوزة الدولة ولا قدرة الدولة على تشغيلها وحل شيفرات الصواريخ وتوجيهها غير أن الدولة لا تستخدم كل الأسلحة الثقيلة في ظل قصف جوي مركز ومتطور لذلك ربما تستخدم العربات المصفحة والدبابات إلا أن الدولة قد تستخدم المدافع الثقيلة مخفية في جبهات القتال مع تشجيع تحريكها من موقع إلى آخر لتجنب قصفها وهذا بطبيعة الحال مزعج ويعيق الاستهداف الناري والتصويب.

هناك عدة مشاكل تواجه الدولة من استخدام الأسلحة الثقيلة وهي الحصول على قطع الغيار اللازمة والذخائر حيث لا أحد يخمن كم كمية الذخائر التي غنمتها الدولة مع الأسلحة. وكل ذلك لا يفيد الدولة بقدر ما أن جنرالات الدولة الإسلامية بحاجة إلى تحريك المعركة بنفس نهج واسلوب معاركها السابقة في العراق وهي نشر مئات الانتحاريين لمهاجمة القوات من الخلف وموقع تجمعها ومراكز خطوطها الخلفية وأن تجعل طريق ألف ميل في ألف عبوة ناسفة جانبية فقط يقوم بها ثلاثة أشخاص أو أثنان .

كيف ستسير المعركة الحاسمة؟

تظل الدولة الاسلامية تواجه مشاكل التصنيع وتلغيم السيارات الانتحارية إذا ابتعدت القوات عن المدن وهذا يرتبط بسرعة تقدم القوات المهاجمة ونجاح تطهيرها للمواقع ووقف الهجمات المضادة العكسية التي تتقنها الدولة الإسلامية بمجموعات تتكون من 16 مقاتل إلى 60 مقاتل وممكن أن تتكون من عشرات المراكز والمواقع.

تدرك الدولة الإسلامية أنها تخوض معركة مصيرية وليست تقليم أظافرها لذلك سوف تحافظ على بقاء المعركة ومحاولة إطالتها وفتح جبهات متعددة وخطوط قتال في مناطق جغرافية متباعدة لتشتيت القوات المعادية ولكي تتمكن من مهاجمتها بعيدة عن التعزيزات ولكي تتمكن من مهاجمة قوافل الإمداد التي غالبا تكون في وضع دفاعي.

سوف تتحرك القوات الأولى من بقايا تنظيم القاعدة والمجموعات الانتحارية لضرب القوات المتقدمة من خلال عمليات انتحارية نوعية.

وسوف يتولى قادة بالحرس الجمهوري العراقي السابق توجيه مجموعات أخرى تتولى المحافظة على المواقع وتأمين عمليات قصف الصواريخ والقذائف وسوف تكون هذه القوات من أكثر القوات عرضة لعمليات القصف الجوي المركز.

من المتوقع أن تتولى قوات أبو عمر الشيشاني إشغال الجبهات مع القوات الكردية والجيش الحر فيما تتولى قوات الدولة الإسلامية من الأتراك الذين يشكلون عدة كتائب في الدولة بتأمين خطوط الدفاع والتموين.

بينما تتولى قوات الدولة الإسلامية من المجموعات الكردية تأمين مصافي النفط بينما من المتوقع أن تشارك القوات الكردية بالمعارك والعمليات الانتحارية بحكم معرفتها بطبيعة شمال العراق وينحدر العديد من عناصر الكتيبة الكردية من مناطق في شمال العراق.

مخطئ من يزعم أن الدولة الإسلامية ليس لها تقدير جيد وحسابات عسكرية صحيحة مع ضعف المعلومات الاستخبارية وأجهزة المراقبة المتطورة الا انها تملك اجهزة ومناظير رؤية ليلية متطورة حصلت عليها من السوق السوداء ومن غنائم النظام السوري والعراقي

وفي معارك الدولة الاسلامية في العراق دائما اعتمدت أسلوب الانسحاب اذا كانت المعركة سوف تفقد الدولة ذخائر كبيرة ولا يعني هذا أنها لن تعود لهذه المواقع إلا ضمن حسابات عسكرية تصل إلى ضرورة الحفاظ على هذه المواقع.

أي دور لقوات المتطوعين؟

ولقوات المتطوعين حصة في العمليات العسكرية حيث من المتوقع أن تكون قوات المتطوعين داخل المدن وتقع على عاتقها حماية الجبهة الداخلية وهي نفسها التي صدت هجوم أحرار الشام وجبهة النصرة على مواقع الدولة الإسلامية في مدينة الرقة قبل أن تصل قوات أبو عمر الشيشاني. قاتلت قوات المتطوعين لعدة ايام في اسلحة فردية تمكنت من خلالها صد هجوم الجيش الحر وهذا يعني ان الدولة الاسلامية سوف تعتمد على قوات المتطوعين لحماية الجبهة الداخلية من الاختراق وخصوصا قوات حماية الشعب الكردي .

ولكنها سوف تلتحم مع القوات الأخرى إذا وصلت المعارك لداخل المدن وتشكل معها قوات دعم وإسناد، إلى جانب قوات المتطوعين تسيطر قوة من الجيش الحر بايعت الدولة على الحدود وتشكل حماية للحدود وتتخذ كتيبة مقاتلة غالبها من الاكراد والأجانب، مؤخرة لها.

على كل الحالات أبقت الدولة على خلايا نائمة لا تتحرك وهذا ما تعرفه القوات الأمريكية جيدا من خلال تجربتها في أفغانستان والعراق وكل من هذه الخلايا مخزن أسلحة منفرد وقائد منفصل يعمل ضمن حساباته الشخصية دون العودة للقيادة المركزية وهذا من أخطر المسائل المعقدة التي سوف تواجه القوات البرية وأجهزة الاستخبارات العسكرية.

إن التحالف يواجه جيشا منظم ومدرب من أكثر من ثمانين دولة في العالم يحكمهم العقيدة الواحدة والطاعة لقادتهم واستعدادهم للموت في سبيل عقيدتهم وهذا يضيف تحديات أخرى لطبيعة الصراع ونوع المعركة.

إن “القتال على أكثر من جبهة يعني جهلا عسكريا” هذا دائما ما يحاول العسكري اعتماده وهذا تحد خطير لقوات الدولة الإسلامية حيث تقاتل الدولة على جبهات مختلفة بما فيها النظام.

وقد توطدت القدرات العسكرية للدولة الإسلامية باستيلائها على كميات هائلة من الآليات العسكرية والأسلحة والذخائر التي تعود للجيش العراقي، فضلاً عن تجنيد المجندين الجدد. حيث تساعد هذه الغنائم من تسليح المزيد من المقاتلين وتجهيزهم، وتنشيط حركتها وتكثيف قوتها النارية وزيادة مرونتها القتالية.

لا أحد يعرف قدرة الدولة الاسلامية على استخدام هذه الأسلحة وإعادة تشغيلها ولا أعتقد أن هذا مهما في ادارة المعركة لأن هذه الأنواع من الأسلحة بحاجة إلي قطع غيار وإشراف ونقل وتركيز وهي بالتالي معرضة للضربات الجوية إضافة الى ان الاسلحة الثقيلة لدى الدولة غير متكاملة بحيث أنها بحاجة لكميات من الذخائر وهذه معضلة بالغة التعقيد. لكن الدولة سوف تستخدمها بقدر حاجتها لكنها لن تكون أساس المعركة ومثال على ذلك لا يمكن استخدام الدبابات لمعارك الدبابات بل سوف يستخدم جيش الدولة الاسلامية الدبابات لعمليات القصف.

الأسلحة والذخيرة

وتعشق قوات الدولة الاسلامية الحركة والتقدم بسيارات رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة من نوع “دوشكا” أو غيرها من المضادات الأرضية ومدافع قصيرة حيث تعتبر الدولة هذه الوسيلة مرنة وسريعة في التقدم والانسحاب على حد سواء وخصوصا في حال تدخل الطيران المعادي.

لكن ما يلعب ضد “الدولة الإسلامية” هو أنها تستخدم “هاونات” من عيار 81 و82 و120 ملم وهي سلاح مدفعي ناري صغير لا يمكن مقارنته بالقوة النارية للتحالف، غير أن الدولة لديها إمكانيات تصنيع القذائف وأنابيب الهاون بدقة لا بأس بها ومن غير المعروف إذا استطاعت سحب الأجهزة ومعدات التصنيع الثقيلة للخراطة من حلب فغير ذلك سوف يجبر الدولة لصناعة القذائف يدويا.

ويستخدم “جيش الخلافة” صواريخ غراد وكاتيوشا قصيرة المدى لكنها تبقى بعيدة عن الأهداف من ناحية الدقة والمدى إلا أنها يمكن تغطية منطقة جغرافية بعدد من الصواريخ. ويعتمد مقاتلو الدولة الإسلامية بشكل رئيس على الأسلحة الفردية في المعارك ومضادات الدروع من أنواع متعددة، أبرزها الكونكورس Konkurs وماليوتكا Malyutka، وفاغوت Fagot، وكوبرا Cobra و
إيغلا Igla،إضافة للمدافع الشائعة آر بي جي بمختلف أنواعها.

وليس سوى مقاتلي “الدولة الإسلامية” من خيار سوى المناورة على الأرض والتمويه وتحريك قطع المدفعية باستمرار واستبدال المواقع والانتقال فورا لمرحلة القتال عبر المواقع المتحركة والابتعاد عن حرب المواقع الثابتة وهذا تكتيك طالباني مجد يتقنه مقاتلوها. كما أنّ حجم القوة الجوية المتوقع سيكون كبيرا زيادة على التكنولوجيا المتطورة وفوائدها من حيث الرصد والتصوير وتحديد المواقع ولذلك سوف تعمل “الدولة الإسلامية” على توسيع الانتشار والاحتماء
وإظهار أهداف وهمية لطائرات التحالف.

أما تقدم قوات “العدو” على الأرض فلن يكون سهلا في ظل أساليب وقف وإعاقة التقدم التي أوضحناها وسوف يكون لقوات “الدولة الإسلامية” فرصة لزراعة الألغام الأرضية والشرك المتفجرة إلى جانب عمليات القصف بالهاونات وقذائف القنابل والعبوات الجانبية.

فمقاتلو ” الدولة الإسلامية” لن يسمحوا بسقوط الموصل ولا بإغلاق حدود العراق مع سوريا لذلك سوف تعمل على أسلوب الهجوم المتواصل التي دائما ما تعمل به وهو يقوم على مهاجمة التقدم ومن ثم الانسحاب والعودة بهجوم قوي.

ومن أهم اسس المعركة التي تستخدمها “الدولة الإسلامية” هو عمليات الاقتحام للمواقع المتقدمة والخلفية حيث تقوم مجموعة من المقاتلين الانتحاريين بالتسلل الى داخل خطوط العدو والاشتباك معه وتفخيخ منشآته والسماح لمجموعات أخرى بالتقدم وهذا الأسلوب رائج لديها كما أنه قاتل ومنهك لأي قوات معادية.

وتسيطر “الدولة الإسلامية” على ما يقرب من 90 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يقرب من مساحة الأردن ولذلك فإنّ استعادة هذه المساحات أو جزء منها لن يمر بنزهة في ظل جيش ضخم ينتشر على الأرض ومعه قوة إسناد كبرى وقوية من جيش متطوعين وقوات اعتادت على استخدام أسلوب إطالة المعركة وعدم استقرارها بمفهوم “أنا اتراجع فقط لانقض عليك واقتلك” حيث تعتبر وسيلة أتقنتها وعملت بها ونجحت من خلالها في معاركها حتى الآن.

 

 

 

 

صحافي ناجٍ من سجون «داعش»: «قاضٍ» سعودي حكم بإعدامي/ منيرة الهديب

الدمام

الخارج من عتمة سجون تنظيم «داعش» الإرهابي، وممارساته التعذيبية يعتبر مولوداً جديداً، والداخل إليها بطبيعة الحال مفقوداً، فكيف إذ قُدرت له حياة جديدة بعيداً عن التعذيب والإذلال والتشفي بإصدار أحكام «ظالمة «، تنسب زوراً وبهتاناً إلى الشريعة الإسلامية. تعذيب «داعش» لم يقتصر على المنشقين أو عناصر التنظيمات الأخرى المنافسة مثل «جبهة النصرة». كما ظهر في المقاطع المتداولة، بل تعدى إلى الخطف العشوائي لمواطنين سوريين، ليس لهم ناقة ولا جملاً في صراعات التنظيمات الإرهابية، وإقحامهم قسراً في ورطة الاعتراف بجرائم لم يسمعوا عنها، فضلاً عن أن يرتكبوها، لمحاولة تبرير وتقنين الوحشية التي يتسم بها أعضاء هذا التنظيم.

صحافي سوري (تحتفظ «الحياة» باسمه، حفاظاً على حياته) عاش هذه التجربة القاسية، بعد أن حكم عليه قاضي «داعش» بالإعدام، وتحدث لـ «الحياة» عن سيناريو معتقلات «داعش»، الذي يخطه التنظيم بأقلام وحشية قبل كل محاكمة، سيناريو بطله «الضحية «، ومخرجه قاضي «الفتنة «، الذي عادة ما يكون شاباً سعودياً، يتمتع بحصانة قضائية تصل إلى درجة منع الدخول إليه والتحدث معه. في سجون «داعش» يتم تلقين المتهمين كافة قبل دخولهم إلی قاعة المحكمة ما يقولونه أمام القاضي، وما سيعترفون به من جرائم ملفقة لم ترتكب. ليسدل ستار «مسرحية الموت» أخيراً، بالحكم علی المتهمين بالإعدام الجماعي، بعد أن أدوا دورهم في الاعتراف بجرائم خيالية لم يرتكبوها، ليكونوا بذلك أبطال «مشهد الموت «، الذي يروّج له «داعش».

روى الصحافي في حديثه إلى «الحياة»، تجربته المُرة في سجون التنظيم، التي قضى بين جدرانها نحو شهرين، وحكم عليه بالإعدام «ظلماً وجوراً «، قبل أن يتمكن من الهرب مع بعض زملائه، ليلاحقهم الحكم الجائر غيابياً. ووصف ما تعرض له وزملاؤه من «تعذيب بعد الخطف والإجبار على الاعتراف، إما بجرم العمالة مع النظام أو القتال ضد التنظيم، واعتماد هذا الاعتراف لإصدار حكم جائر».

وأجبر الصحافي مع 500 شخص على «الاعتراف بالعمالة مع النظام والقتال ضد التنظيم، بعد سجن دام 53 يوماً، وتمت إحالتنا إلى القاضي (سعودي الجنسية)، الذي يُكنى بـ «أبو عيسى الجزراوي «. وكانت آثار التعذيب والضرب تظهر علينا ليحكم علينا جميعاً بالإعدام، وما أن حاول أحدنا الاستنجاد بالقاضي وإخباره أن الاعتراف تم جبراً تحت التعذيب، حتى أمر بإعادة التحقيق مع المعتقل وإعادة تعذيبه».

وعلى رغم أن التنظيم يدعي نُصرته للضعفاء من السوريين ضد النظام، إلا أنه وظّف عدداً من عناصره في أجهزة استخبارية خاصة بالتنظيم تعمل على الوشاية بالمواطنين الأبرياء، وبحسب هذه الوشاية تأتي أوامر الاعتقال والخطف، حتى غدا غالبية المعتقلين في سجون التنظيم من الثوار والنشطاء العسكريين والإغاثيين. كما عمد التنظيم إلى حجز السوريين في عنابر واحدة، واحتجاز السجناء من ذوي الجنسيات الأخرى في عنابر مغايرة.

ويتمتع القضاة السعوديون – بحسب الصحافي – من عناصر التنظيم بحصانة تمنع المواطنين من الدخول إليهم، ومحاورتهم أو حتى سؤال الأهالي عن معتقليهم، وتم تحويلهم إلى قضاة من جنسيات أخرى في محاكم أخرى، ليخبروهم بالأحكام الصادرة على أبنائهم. وأكد الصحافي الناجي، الذي حاولت زوجته ووالده سؤال القاضي عنه، أنه تم منعهم من مقابلته، وجرى إحالتهم إلى قاض آخر عراقي، وهو الذي أخبرهم بصدور حكم الإعدام. وتابع: «غالبية عناصر التنظيم السعوديين انتحاريون أو قضاة، والحديث عن قضاء منصف في التنظيم ضرب من الخيال، أما العمليات الانتحارية التي يقوم بها الدواعش فمعظم منفذيها سعوديين.

وأوضح الصحافي، أن السعوديين من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي تُسند لهم مناصب قتالية، وليست إدارية، كما أن المناصب الشرعية غير معتبرة إدارياً، إذ إنها مجرد أسماء لإضفاء الشرعية على الأحكام والأوامر الصادرة «. وحول قتال «أخوة السلاح» «جبهة النصرة» و «داعش»، أكد أنهما «وجهان لعملة واحدة، بينهما دماء في مناطق، بينما يلتحمون جنباً إلى جنب في مناطق أخرى».

وأشار الصحافي إلى أن الدواعش السعوديين «مهووسون بالزواج من سوريات، وهو ما انتشر بشكل لافت في منطقة الرقة السورية، التي يسيطر عليها التنظيم «. وقال: «زواج السعوديين، ومن يسمون أنفسهم بـ «المهاجرين» أصبح مثل البيع، فهم يدفعون أموالاً طائلة للزواج من الفتيات السوريات».

 

 

 

 

دورات داعش الشرعية: الخلافة على طريقة البعث/ رند صباغ

«حتى الآن، مازالت تدور!» صرخ غاليليلو في قاعة المحكمة الكاثوليكية في روما عام 1616 مُداناً بعلمه، لتسقط تهمته بلسان مُدينيه بعد قرون من الواقعة لأن لا عقيدة أسمى من الحقيقة، لكن لا عداء أشدّ معها من ذاك الذي تضمره الأيديولوجيا، لما تشكله من تهديد للبنية الأساسية في الأنظمة الاستبدادية، التي تقوم بتقديم فكرها المعمول به على أنه هو الحقيقة المطلقة.

ولما علم نظام البعث بأن الأدلجة ضرورة حتمية للبقاء، بدأ ترسيخ الأفكار والمصطلحات عُنوةً بادئ الأمر في عقول الناس حتى تتحول مع الوقت إلى ما يشبه الفطرة. هكذا فعلت داعش، والتي قامت في بنيتها الأساسية على الحرب الفكرية قبل الحرب الدموية الواضحة أمامنا.

وكجزء من تجلّيات هذه الأدلجة الداعشية، أتت الدورات الشرعية المفروضة على المعلّمين القاطنين في مناطق سيطرتها، في شكل يؤكد مباشرةً عمل هذا الكيان اللزج بعقلية الدولة، بل يحدّد أكثر في هويتها الشمولية، والتي لا تكترث في ضرورة اعتقاد الناس أو تصديقهم لما يقال لهم، بقدر اكتراثها بدقة تنفيذه وتمريره من جيل إلى آخر.

تعاطت هذه الدورات مع النساء بشكل مختلف عن تعاطيها مع نظيرتها المخصصة للرجال، فالآلة القمعية للتنظيم تمشي بيُسر أكبر في هذا السياق، لما تنطوي عليه مجتمعاتنا من إفراط في أبوّتها وبالتالي من تساهل أكبر مع أي انتهاك يتعلق بحق المرأة بالتعبير.

وبالتأكيد فإن الآلة الأهم المستخدمة لقمع هذه الفئة كانت مجموعة مختارة من نساء ارتهنّ للعقل الذكوري، ففي منبج كانت «أم الشهيد» تقود الدورات الشرعية، وهي امرأة سعودية من الدّمّام لم تُتمّ الخامسة والعشرين من العمر، ورغم ذلك فهي أرملة مرتين (لرجال من داعش ماتوا أثناء القتال)، وزوجة للمرة الثالثة. تتأبّط «أم الشهيد» سلاحها حتى في المسجد مكان إقامة الدورات، كاشفةً جزءاً يسيراً من وجهها أمام طالباتها المعلمات، إلا أنها لا تنسى توبيخهنّ إن سهت إحداهن عن رفع نقابها كاملاً!.. هذه السيدة، وبحسب وصف واحدة من الطالبات: «صاحبة لسان لاذع، تتربّص بأوجه الجميع وتحفظها، دون فتح أي مجال لتواصل ودّي أو تساؤل أكبر حول شخصها».

لا تهتم هذه الدورات بإعطاء المعلمين والمعلمات أي تقنيات تتعلق بآليات التعليم، بل تكتفي بالأمور الشرعية.

لا تتوقف هالة الرعب عند لغة الجسد التي تعمل من خلالها «أم الشهيد»، أو المراقِبة المصرية «أم عمار» التي تحمل سلاحاً كاتماً للصوت، بل تمتد إلى المسؤولة الأمنية التي تقوم بعدد من المهام اليومية، منها تفتيش الأحذية المركونة عند الباب في حال كان لأحدها كعب عاليْ، وهي مخالفة يعاقَب عليها بالجلد، أو تَحسّس رائحة النسوة المتلقيات للتأكد من عدم تعطّرهنّ، وهو إثم يعاقَب عليه بمثل عقوبة الزنا، كذلك تتواجد مجموعة أخرى من النسوة الداعشيات، المندمجات بين الجالسات أو المحيطات بهنّ، لكن عدم إتقان معظمهن للعربية خفّف من وطأة التعاطي معهن، في حين ينحصر عدد المتطوعات من منبج في اثنتين تطوعتا في «ديوان التعليم» وكان قد سبق لهما العمل كـ«مستخدَمتين» 1 في إحدى المدارس، وتحصيلهما العلمي لا يتجاوز الشهادة الإعدادية، وبالرغم من ذلك فهما المخولتان بتصليح الأوراق الامتحانية للمعلمات.

بدأت الدورات قُبيل دخول العام الدراسي الأخير، وتراوحت مدّتها في منبج ما بين شهر ونصف إلى شهرين. تقول مها، ومها اسم مستعار لإحدى السيدات اللائي خضعن للدورة: «شملت الدورة الأولى 300 امرأة ما بين معلمة ومتطوعة ووكيلة، ولم يقلّ العدد في أي مرة عن 100، حتى في الدورة الأخيرة المكثفة والتي استمرت مدة 10 أيام فقط».

لا تهتم هذه الدورات بإعطاء المعلمين والمعلمات أي تقنيات تتعلق بآليات التعليم، بل تكتفي بالأمور الشرعية، ما يؤكد الرغبة الحقيقية منها، المتجلية في أدلجة المعلمين والمعلمات، أو على الأقل إدراكهم لهذه الأيديولوجيا، لما يحمله عملهم من حساسية بالنسبة لداعش، تكمن في تواصلهم مع الجيل الذين يطمحون لكسب عقله. يتكون منهاج النساء من: الفقه – العقيدة – التفسير – سورة الأحزاب – منهج السالكين 2 ، في حين يتم الاكتفاء مع الرجال بالعقيدة فقط. تقول هدى وهو اسم مستعار لإحدى معلمات منبج: «كان مطلوباً منا حفظ سورة الأحزاب، والسبب بحسب ما تم شرحه، يتعلق بتناولها العديد من الأمور الشرعية المتعلقة بحياة الرسول (ص) مع زوجاته».

وتكرّر «أم الشهيد» بتأكيد من «أم عمار» الأمور الشرعية المتعلقة بالنساء، ونِقابهن وعلاقتهن بأزواجهن وعملهن وإرثهن وغيرها. تضيف هدى في هذا السياق: «إن التأكيد والتكرار كان يصبّ في جُمَل محددة، من مثل أنهم هم أولياء الأمر الشرعيون، لذلك على المرأة من بيننا ألا تتبع رجلاً من ’الجيش الحر‘ فهو مرتد وعميل للطغاة الأمريكان، بالإضافة إلى ’الائتلاف‘ أو ’المجلس الوطني‘، وهذا يعني أن لا طاعة لهم وإن كانوا أزواجاً أو أشقاء أو أي فرد من العائلة، فالواجب الشرعي يقتضي الوشاية بهم، لأنهم مرتدّون كَفَرة».

يظهر الحديث الأكبر عن الطغاة في فقرة حملت عنوان «الطاغوت» ضمن مقرّر منهج السالكين، حيث تتناول الفقرة الحكم الشرعي لمن يتبع الطغاة، وتُعتبر المملكة العربية السعودية «الطاغوت الأكبر» وذلك «لتمويلها الحرب الأميركية ضد ’الدولة الإسلامية‘»، كما يشرحون خلال الفقرة عينِها لماذا لا تجوز صفة الخوارج على داعش، «لأنها من يحاول إعادة الدين إلى فطرته»، وعن هذا تخبرنا مها: «ركّزت هذه المادة على أن الطواغيت الأوروبيين والأميركان وعملاؤهم ممن يتكلمون عن الديمقراطية بغية إضعاف ’الدولة الإسلامية‘، ولذلك كل من يتحدث عنها هو طاغوت وجب قتله، ومن ينادي بهذا الفكر هو كافر لا تُقبل توبته، ويُحكم عليه بقطع الرأس، وإن لم يسمعه أحد فعليه أن يغتسل اغتسال الكافر الذي يدخل في الإسلام».

من خلال المعلمين والمعلمات المخضعين للدورات، تحصل داعش على عدة كبيرة من الأوراق الممهورة بالأسماء، والتي تؤكد شرعيتها في قتل من تريد قتله.

أما في مادة الفقه، تُخصَّص 60 درجة للأسئلة التي تتناول حكم النظام و’الجيش الحر‘ و’الائتلاف‘ و’المجلس الوطني‘، ومن يخون الدولة الإسلامية، وتقول سوار (اسم مستعار): «يأتي السؤال في صيغة تفرض الإجابة، على شكل خيارات متعددة، مثل: هل ’الجيش الحر‘ كافر أم مرتد أم مؤمن؟ ولماذا؟ وما حكمه؟، وبالطبع فإن الإجابة تنحصر ما بين الكافر والمرتد، وذلك لأنه يخون ’الدولة الإسلامية‘ وشرع الله، وحكمه تطبيق حد القتل بقطع الرأس».

وتضيف سوار: «بعض النساء خشِينَ من الإجابة، أذكر إحداهن أخبرتني أن زوجها في ’الجيش الحر‘، ماذا لو عاد الآن وسيطر مع المقاتلين على المدينة، فهل سيقرأ أنها وافقت على كونه كافر؟ بل ويجب قطع رأسه؟».

إلا أن عدم الإجابة يعني الرسوب في المادة ، بالتالي عدم الحصول على إذن بممارسة العمل، ما اعتبرته المعلمات فخاً، وآلية تشريعية لإعدامات كثيرة لاحقة، فمن خلال المعلمين والمعلمات المُخضَعين للدورات، تحصل داعش على عدة كبيرة من الأوراق الممهورة بالأسماء، والتي تؤكد شرعيتها في قتل من تريد قتله.

هذه الأمور التي قد لا تكون مقبولة بين هذا الجيل من المستهدفين، ستزداد سهولة دورةً تلو أخرى، بما يحاكي ما فعله النظام إبّان مجزرة حماة عام 1982، عندما صار على أطفال سوريا، ومن بينهم أطفال حماه، ترديد شعار «عهدُنا أن نتصدّى للإمبريالية والصهيونية والرجعية وأن نسحق أداتهم المجرمة عصابة ’الإخوان المسلمين‘ العميلة»، هذه العملية التي بدأت كعملية تبريرية وقهرية، اضطرت عبرها الضحية للنطق ببراءة الجلاد وإدانة نفسه، حتى تحولت لعملية عادية، إذ لم يكن يعرف معظم الأطفال وحتى الكثير من الكبار عن أسبابها شيئاً مع تقدم الزمن، ولم تعد تعني لهم سوى وجود عدو مجهول، يوضع في خانة واحدة مع العدوّ (الاستعماري والصهيوني و… «الرجعي»).

وفي نهاية الدورة تم توزيع استمارات للتقييم، تطلب معلومات كاملة حول الشخص من اسم ومكان إقامة وعمل، بالإضافة إلى نبذة مختصرة عن حياته، وكيف استفاد من الدورة؟ وهل يرغب بإضافة أي شيء. وتنتهي الاستمارة بسؤال «هل تحب العمل معنا ولماذا؟».

ما يحصل مؤخراً في منبج وحاولت السطور السابقة رسم صورة له ليس سوى أنموذج عما شهدته المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة التنظيم، فلا اختلافات فعلية وحقيقية بين منطقة وأخرى، وربما كانت تقتصر بحسب الشهادات التي حصلنا عليها من الرقة ودير الزور على اختلافات في المدة الزمنية للدورة، أو اجتهادات تزيد هنا أو تنقص هناك، فقد استولى الجَهَلَة على العلم كما استولَوا على الأرض من قبل، جاهل يُلغي مادة الكيمياء، وهو نفسه يتعاطى الأدوية الناجمة عن هذا العلم، ولا خاسر من ذلك إلا جيل بدأ نزيفه الجديد، نزيفه الأغزر والأعمق…

هوامش

1.

↑   وظيفة المستخدَم في لغة وزارة التربية السورية تعني الآذن أو الناطور المشرف على مرافق ومنافع المنشأة التعليمية.

2.

↑   الفقه هو أحد العلوم الدينية الأساسية ومحوره العبادات والمعاملات حسب الشريعة، والعقيدة هي الفكر الديني الأصيل كما يزعمه كل مذهب من المذاهب الإسلامية، أما التفسير فهو شرح القرآن ومعاني آياته، وسورة الأحزاب (ترتيبها المصحفي 33 والتاريخي 90) سورة مدنية تتكلم بشكل أساسي عن معركة الخندق (5هـ) وأحكام النساء الشرعية، أما منهج السالكين فمنهاج دراسي داعشي لعلّه مستوحى من كتاب منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين وهو من تأليف العالم السلفي القصيمي عبد الرحمن السعدي (1989-1956).

موقع الجمهورية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى