صفحات سورية

درعا الثائرة.. الثوار يضعون المسؤولين في سورية الآن على مفترق طرق..

 


نبيل شبيب

من يعرف درعا وأهلها يعرف ما يعنيه هتاف المتظاهرين فيها: “يحرمن علينا لابسات العصايب.. لن ماخذينا لعيال حوران بالثار”، ويعلم أيضاً أنّ ثورة درعا لن تهدأ.. حتى تبلغ غايتها، وغايتها التغيير، الذي هتفت به من يوم ثورتها الأوّل.

وعندما يثور أهل درعا في محافظة حوران يثور أهل مدينة من أعرق المدن في سورية، تاريخاً ونضالاً وثباتاً، ممّا عُرفت به على امتداد ألوف السنين، منذ عصور الأموريين والآشوريين، وكانت هي المدينة التي قهر الأنباط فيها الإغريق بعد الإسكندر الأكبر، وهي عاصمة المنطقة التي عاش فيها الغساسنة، وهي التي استقبلت الخليفة الفاروق بالأهازيج، ومنها انطلق صلاح الدين الأيوبي إلى معركة حطين..

ودرعا هي المدينة التي قدّمت الآن القافلة الأولى من الشهداء في مطالع ثورة شعبية على الاستبداد والفساد، قد تحرّكت شرارتها في عدد من المدن السورية، وبلغت في درعا ذروة أولى، فلم تنقطع فيها المواجهات اليومية مع ميليشيات القمع “الأمنية”، رغم تسارع المحاولات الحكومية في دمشق بهدف “امتصاص الغضب” –كالمعتاد- بتشكيل لجنة تحقيق، وإرسال وفد حكومي إلى درعا للتهدئة.. بعد أن تحوّلت جنازة تشييع “شهيدين” إلى صدامات جديدة بين الميليشيات الرسمية المسلّحة وبين المشيّعين، وهم يهتفون “من يقتل شعبه خائن”، والشهيدان من عائلات “أبو عون” و”أكراد” بينما رفضت عائلات “الزعبي وعياشين والمسالمة” دفن شهيدين آخرين من أبنائها “إلا بعد الأخذ بالثأر لهما من القتلة”.. أمّا “الوفد الحكومي” فقد استقبله أهالي درعا بالتظاهرات الاحتجاجية مجدداً.

وتدرك السلطات مدى الترابط الوثيق بين أهالي درعا وأهالي المنطقة الجنوبية بأكملها، ومكانتهم في سورية وحتى خارج حدودها، وقد حاولت السلطات “توظيف” الشيخ العلامة أحمد الصياصنة ليطالب أهالي درعا بالامتناع عن المظاهرات الاحتجاجية، واستخدمت لهذا الغرض أسلوب التهديد والوعيد، بل الضرب والإهانة أيضاً.. فكانت الحصيلة أن وجّه الصياصنة نداء لأبناء شعب سورية جميعاً، بأنّ “التظاهر فرض عيْن على كل سوري قادر ابتداء من اليوم، وأن أيّ خذلان يُعتبر خيانة لدماء الشهداء”.. وبعد أنّ وجّه أهالي درعا للميليشيات إنذاراً بالخروج من المدينة تحت طائلة التهديد باستخدام الأهالي للعنف أيضاً، بدلاً من الاكتفاء بمظاهراتهم السلمية.. تردّدت يوم الأحد 20/3/2011م أنباء عن قيام عدد من رؤساء مخافر الشرطة وعناصر الأمن والشرطة في “محافظة درعا” بوضع أنفسهم تحت تصرف كبار العشائر، مع تسليم أسلحتهم، وأكّد بعضهم أنّهم لا يريدون المشاركة في تعريض أبناء جلدتهم للقتل والتدمير والقمع.

وكانت قبيلة النعيم في درعا قد أبدت استعداداً للتهدئة، ورصدت مقابل ذلك اتهامات المسؤولين السياسيين ووسائل الإعلام للثائرين في درعا بأنّ ثورتهم “أعمال شغب وفوضى من جانب مندسّين” فنشرت قبيلة النعيم بياناً وقّع عليه الشيخ محمد النعيمي، تدين فيه ما صنعت السلطات بأهل درعا، وجاء في البيان أنّ قبيلة النعيم:

– تلزم أبناءها في جنوب سورية ووسطها وشمالها وباديتها وحاضرتها والخارج الالتحاق بتجمّعات الثورة أينما قامت في الجزيرة، أو حمص، القنيطرة، أو سواها.

وأعلن البيان:

– أنّ عضو مجلس الشعب، ممثل قبيلة النعيم، الشيخ محمد النعيمي يعطي مهلة أسبوع من اليوم للقيادة السورية، ابتداء من يوم الأحد 20/3/2011م، للتفكير جدياً بمطالب الثورة، وإلا فسيقوم بصحبة أكثر من 7 نواب (يتم الإعلان عن أسمائهم لاحقاً بناء على طلبهم)، يمثلون العشائر العربية في المجلس بالانضمام إلى الشارع والمشاركة في الاعتصامات.

كما أعلن البيان أيضاً:

– تمّ التواصل مع أبناء العمومة المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسهم الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم عجمان في الإمارات، وتم إطلاعه على الوضع في سورية، وقد أكد وباقي الوزراء المنتسبين لقبيلة النعيم في الخليج، ومنهم د. نجيب النعيمي وزير العدل القطري السابق، ود. علي النعيمي وزير النفط السعودي، وغيرهم من المسؤولين.. أكّدوا أنّهم سيلعبون دوراً فعالاً في دعم الثورة ودعم موقف أبناء سورية جميعاً، سياسياً وإعلامياً ومادياً.

وجاء في البيان أيضاً، أن قبيلة السادة النعيم تنعي شهداء الحرية في حوران، وتؤكّد بأنّ النظام الحالي لم يعد صالحاً للقيادة، وتطلب منه التفكير بمطالب الثورة خلال الأسبوع القادم، وفي هذا الصدد تؤكّد قيادة القبيلة وقوف أبنائها بكافة شرائحهم للثورة، “وأنّنا لا نريد التهديد بالسلاح، لأنّنا مسالمون، ولكن نقولها صراحة إن قبيلتنا قبيلة مسلّحة بالكامل، وفي حال أراد النظام التخويف بالسلاح، فإنه لن يلقى منّا إلا النيران والرصاص الذي سيحرق الأخضر واليابس، وأكثر من ذلك فإننا سنقوم بقطع كافة الأنابيب التي تنقل النفط والغاز، والتي تمرّ من مناطقنا في البادية والحاضرة، وما أحلى النصر بعون الله.

عاشت سوريا حرة أبية، وعاشت ثورتها ثورة الحرية والكرامة”.

وكان في مقدّمة من استجاب لدعوات درعا المتظاهرون يوم الأحد في حمص، وكذلك أهالي القنيطرة، كما يتردّد –ساعة كتابة هذه السطور- عن تجاوب مماثل في حماة.

يبقى السؤال:

هل يستوعب المسؤولون في سورية، وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد.. أنّ ثورة الشعب قد انطلقت، وأنّه على مفترق طرق عناوينها (المبدئية): علي زين العابدين، ومحمد حسني مبارك، ومعمّر القذافي، وعلي عبد الله صالح؟..

إذا استوعبوا.. سنسمع في الأيام القليلة القادمة أخبار الإفراج عن جميع المعتقلين والمعتقلات دون استثناء، وإلغاء حالة الطوارئ المزمنة دون قيد أو شرط.. كخطوة أولى.

وإن لم يستوعبوا -وهذا ما يشير إطلاق الغازات المسيلة للدموع يوم الأحد 20/3/2011م وتحوّل المسجد العمري إلى مستشفى ميداني للجرحى والمصابين- فسيسمع العالم عن أنباء أخرى عن الثورة من سائر مدن سورية وقراها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى