سمير العيطةصفحات سورية

دعوا السوريين وشأنهم/ سمير العيطة

كان المشروع الأوليّ لوثيقة جنيف ينصّ حرفياً على إيقاف تدفّق السلاح إلى الأطراف المتنازعة في سوريا، لكنّ البنود المتعلّقة بالأمر ألغيت في النهاية. هكذا انطلقت معركة ريف حلب في صيف 2012، مع كتائب معارضة منظّمة نوعاً ما (لواء التوحيد خاصّة حينها)، وتمّ «تحرير» جزء كبير من ريف المحافظة والشمال السوري، ومناطق أخرى في البلاد. لقد تحوّل الصراع القائم بالتالي من صمود ومقاومة ضدّ هجمات الجيش النظامي، إلى حرب. لكن يبدو أنّ تفاهماً روسيّاً – أميركيّاً ضمنيّاً كان وراء الحدّ من تدفّق السلاح إلى مستوى معيّن لا يسمح واقعيّاً لأيّ من الطرفين بانتصارٍ عسكريّ حاسم. وقد تعزّز هذا التفاهم ليس فقط منذ أزمة الكيميائي، وإنّما منذ أن تعاظم وجود ودور التنظيمات المقاتلة المتطّرفة، وظهر التنافس بين الدول والقوى المناهضة للسلطة القائمة في سوريا، كلّ يدعم ويسلح كتائبياً تخدم مصالحه دون غيره.

ربّما كان أساس الحدّ من تدفّق السلاح هو قناعة القوّتين العظميين بضرورة إبقاء الباب مفتوحاً لحلّ سياسيّ، بين الأطراف الإقليميّة، وكذلك بين السوريّين، من دون أن تكون ملامح ذلك الحلّ واضحة. هكذا أفشلت القوى الداعمة للمعارضة تحديداً جهود توحيد هذه المعارضة في القاهرة، التي كانت جزءاً من مبادرة المبعوث الأمميّ كوفي عنان، كما كان لقاء «جنيف 1». وتمّ كبح أيّ حلّ على أساس إبقاء الدولة السوريّة قائمة. واستدعى النظام السوري حلفاء له كي يشتركوا في الصراع الداخلي، الذي بدا كصراعٍ ضدّ قوى «تكفيريّة» زجّ بها الخارج كما خطّط له النظام أساساً.

لم تكن التحرّكات حول انعقاد جولة مفاوضات «جنيف 2»، ثمّ انعقاد جولتي مفاوضات بين ممثلي السلطة القائمة وجزء من المعارضة، سوى كسب وقت بالنسبة لكثير من القوى الخارجيّة، في زمن نزع الكيميائي، وحتّى تذهب الولايات المتّحدة لفكّ التفاهم حول الحدّ من تدفّق السلاح، وكذلك لتأسيس حراك سياسيّ معارض (الائتلاف) مقبول نوعاً ما دوليّاً، خاصّة في ظلّ تحوّل الرأي العام العالمي بعيداً عن التعاطف مع قضيّة الحريّة في سوريا، وبروز تيّارات كبيرة ضمنه تمزج بين هذه المعارضة والتنظيمات الإرهابيّة. لا سيمّا أنّ قادة هذا الحراك المعارض أضاعوا كلّ الفرص لتمييز أنفسهم ومواقفهم عن الإرهاب.

واليوم تأتي الأزمة الأوكرانيّة بتداعيّات قد تكون خطيرة، وليس أقلّها أن ينفرط التفاهم الروسي – الأميركي حول الحدّ من تدفّق السلاح، وأن يتبع غزارته أميركيّاً غزارة روسيّة مقابلة. والنتيجة هي حربٌ أكثر دمويّة، تؤدّي إلى تثبيت خطّ التماس وإلى تطهير بشري على طرفيه، وإلى… التقسيم.

ويأتي النزاع السعودي – القطري أيضاً بتداعياته. انتهى هذان البلدان من العمل على إفشال الثورة في سوريا، ونشر الفوضى التي ستبعد بعيداً أيّة فكرة عن ربيع مواطنين ضدّ سلطة أبديّة. وها هما يتصارعان على صورة مستقبل المنطقة المشرذم، وعلى القوى الإقليميّة التي يجب التحالف معها لذلك: تركيا أو إيران أو إسرائيل.

ينبغي أن يرتفع صوت السوريين قويّاً. علينا أن نصرخ معاً: سوريا ستبقى موحّدة، ولن يتمّ تقسيم أهلها، ولن يحكمها أجنبيّ، ولو من خلف ستار. أيتّها القوى الإقليميّة والبعيدة، وأيّها المقاتلون القادمون من وراء الحدود، لقد عثتم فساداً في بلدنا، وها هي تدمّرت بسببكم وبدعمكم. دعونا الآن وشأننا، فسنبقى طويلاً نضمّد جراحنا ونواسي أهالي شهدائنا ونعمّر ما تخرّب من منازلنا ونعيد مهجّرينا ونصالح أبناءنا ونحاسب سياسيينا…

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى