بكر صدقيصفحات مميزة

عنوان المرحلة الجديدة: إضعاف الإخوان والحرب على الجهاديين: بكر صدقي

بكر صدقي

لم يكن المدعو أبو أيمن البغدادي، رئيس إحدى مجموعات “دولة العراق والشام الإسلامية” التابعة لمنظمة القاعدة، بحاجة إلى أن يطلب من أحد حراس كمال حمامي الذهاب إلى المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر لإبلاغه بقتله، ليعتبر الناطق باسم المجلس لؤي المقداد هذه الجريمة بمثابة “إعلان حرب” على الجيش السوري الحر.

فالأميركيون لم يكتفوا بربط تزويد الجيش الحر بالأسلحة، كما كان الرئيس أوباما قد وعد قبل أكثر من شهر، بالتأكد من عدم وقوعها في أيدي الجماعات المتطرفة، بل يمارسون ضغوطاً كل يوم عليه وعلى الائتلاف الوطني للتخلص من المجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة كجبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية. إنه أمر مريب فعلاً أن تسعى المجموعات الجهادية بهذا الإصرار إلى استجرار حرب مفتوحة على نفسها، في زمن تشير كل معطياته إلى أن “المجتمع الدولي” يريد تحويل الصراع الرئيسي ضد نظام الأسد إلى صراع بين الجيش الحر والجهاديين، على طريقة الصحوات العراقية.

واحد من احتمالين: إما أن واقعة قتل القائد كمال حمامي على يد جماعة “الدولة” مختلقة بالكامل، ومجرد ذريعة ليشن “الحر” الحرب عليها تنفيذاً لمطالب أميركية؛ أو أن جماعة “الدولة” تتعمد جر “الحر” إلى حرب تضعفه ولن تخدم سوى نظام الأسد.

غير أنها ليست الجريمة الأولى لجماعة “الدولة”. فقد تواترت الأخبار، في الآونة الأخيرة، حول احتكاكات عدة بينها وبين كتائب الحر، أبرزها معركة بلدة الدانا في ريف إدلب التي سقط فيها عشرات المسلحين من الطرفين. أضف إلى ذلك أن مجموعات “الدولة” و”الجبهة” تحتل مناطق معينة في بعض المدن والأرياف المحررة، تمارس فيها سلطة قمعية تتدخل في شؤون حياة السكان، وتسعى إلى فرض معايير سلوكية صارمة عليهم. كانت الحادثة الأبرز، في هذا الإطار، قتل جماعة “الدولة” للطفل محمد قطاع في مدينة حلب بدعوى أنه جدَّفَ بحق الرسول، الأمر الذي أثار غضباً عارماً عند الأهالي فخرجوا في مظاهرة سلمية طالبت بخروج الجماعات الجهادية من أحيائهم.

لنبتعد قليلاً ونلقي نظرة على المشهد العام. ظاهرياً يبدو النظام، منذ شهرين، في موقع القوة والمبادرة عسكرياً ويحقق بعض الانتصارات الجزئية كما في معارك القصير وتل كلخ والغوطة الشرقية وحمص. لكنه اضطر، لتحقيق تلك الانتصارات الباهظة، للاستعانة بقوات لبنانية وعراقية وإيرانية. بل يدور الحديث عن ميليشيات حوثية من اليمن وشيعية من باكستان وأفغانستان وغيرها من البلدان، تأتي لمؤازرة قواته المضعضعة المنهكة، فضلاً عن استعانته الواسعة النطاق بميليشيات محلية علوية وشيعية وبعثية. فإذا أضفنا إلى كل ذلك أن قواته في حالة تراجع دفاعي في مناطق أخرى كحلب وريفها، اتضح لنا أن النظام هو في وضع لا يحسد عليه.

وفي الجانب السياسي، هناك حدثان على جانب كبير من الأهمية وقعا تواً. الأول إقالة كامل القيادة القطرية لحزب البعث بدون انعقاد مؤتمر للحزب. فإذا كان يمكن تبرير تعذر انعقاد المؤتمر بسبب الظروف الأمنية، فلا يمكن تبرير الإطاحة بكامل قيادة الحزب بدعوى “التقصير”. صحيح أن الحزب فقد أي دور له في النظام منذ عقود، ولا يعدو كونه جهازاً ملحقاً بأجهزته الأمنية، لكن القيادة القطرية بالذات هي “مصنع الحلقة القيادية” في قمة النظام، ينتمي إليها أتوماتيكياً أبرز قادة الفرق العسكرية والأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب ونواب الرئيس وزراء الخارجية والداخلية والدفاع. هذه الإقالة الجماعية تشير إذن إلى اضطراب في مركز القرار وتهدف إلى قطع الطريق على أي تسويات محتملة للصراع الدائر في البلاد قد تتضمن تنحية الأسد ودائرته العائلية – الأمنية المقربة، كما تقترح وثيقة جنيف على سبيل المثال.

أما الحدث الثاني فهو خبر تسرب، في الأيام القليلة الماضية، عن إرسال رأس النظام مبعوثين إلى قادة الأحزاب الكردية في مدينة القامشلي للتباحث حول حل مفترض لـ”القضية الكردية”. تزامن هذا الخبر الذي سنسمع بتفاصيله في الأيام المقبلة، مع خبر آخر يعززه: خلال أيام معدودات سيعلن حزب الاتحاد الديموقراطي – الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني – حكماً ذاتياً في المناطق الكردية الخاضعة لسيطرته العسكرية، بما في ذلك برلمان محلي منتخب وحكومة منبثقة عنه. يتطلب تحليل هذا الخبر تناولاً مفصلاً يقع خارج اهتمام هذه المقالة. لكن مغزاه الرئيسي يكمن في ضعف النظام واستشعاره بأنه قد يضطر، في أي تسوية سلمية تفرض عليه بتوافق أميركي – روسي، إلى طرح خيار التقسيم: كيان كردي مقابل كيان علوي. بحيث يوضع سائر السوريين أمام خيارين أحلاهما مر: إما بقاء النظام بصيغة من الصيغ، أو تقسيم الكيان السوري كضمانة وحيدة للأقليات المذعورة من الصعود الإسلامي في الثورة.

إن تصعيد المخاوف المبررة من الإسلاميين، وبخاصة المنظمات الجهادية، يخدم النظام المضعضع الذي أنهكته الثورة المستمرة منذ عامين وبضعة أشهر. قيام “حرب صحوات” سورية ضد جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، من شأنه أن يضعف الجيش الحر والمنظمات المذكورة معاً، فيحقق أهداف النظام بأقل التكاليف. يتوافق على هذا الهدف الأميركيون والروس وإيران والنظام السوري والأنظمة العربية المناهضة لنظام الأسد جميعاً.

من ناحية أخرى تم تحجيم دور جماعة الإخوان المسلمين السورية في الاجتماع الأخير للائتلاف الوطني لقوى المعارضة الذي انعقد في إسطنبول قبل أيام وتمخض عن انتخاب أحمد عاصي الجربا المقرب من السعودية رئيساً له. لا يمكن عزل هذا التطور السوري عن إسقاط حكم الإخوان في مصر بانقلاب عسكري لاقى صدىً إيجابياً لدى دول مجلس التعاون الخليجي التي قدمت للنظام الجديد 12 مليار دولار، ولا عن ثورة منتزه تقسيم على حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي أضعفته الثورة كثيراً برغم إخماده لها بالعنف.

الخلاصة أن عنوان المرحلة البادئة تواً هو إضعاف الإخوان المسلمين ومحاربة الجهادية السلفية.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى