صفحات الثقافة

دوّامة الانتفاضة السوريّة: حرب النجوم

 


وسام كنعان

على رغم الاحتجاجات والتظاهرات التي تشهدها سوريا، إلا أنّ الوسط الفني الذي يُفترض أن يكون الأكثر وعياً في مقاربة مرحلة مفصلية يمر بها البلد، انصرف إلى خلافات وانشقاقات وتراشق للاتهامات بين نجومه. وبينما كانت التربة خصبة لإلقاء تهمة الخيانة والعمالة على كل من يقدم وجهة نظر نقدية من الأحداث، انقسم نجوم الدراما بين فريق يصدر بيانات، وآخر يرد عليها. وقد امتلأ بعض هذه البيانات بمفردات الخيانة والتحريض والدعوة إلى محاسبة «الفريق الآخر».

البداية كانت مع جمال سليمان وباسم ياخور وأيمن زيدان والليث حجو وغيرهم من الفنانين. أصدر هؤلاء بياناً «تحت سقف الوطن» طالبوا فيه بالتحقيق في أحداث درعا وإعلان الحداد على أرواح الشهداء.

لكن الممثل زهير عبد الكريم انتفض وخرج على شاشة التلفزيون السوري ليخوّن زملاءه، مطالباً الدولة بسحب الجنسية السورية منهم! ثم شنت بعض المواقع الإلكترونية حملة على البيان وأصحابه الذين فضلوا إلحاق بيانهم بآخر أفاد بأن سقف الوطن هو الرئيس السوري بشار الأسد، معلنين رفضهم للتحريف الذي لحق ببيانهم. وحين دخل الجيش درعا التي جرت محاصرتها، وجّهت مجموعة من الفنانين نداءً عاجلاً إلى الحكومة السورية ضمن «بيان من أجل أطفال درعا» الذي أفاد بأنّ «الحصار الغذائي المفروض على درعا أدى إلى نقص المواد التموينية والضرورية لاستمرار الحياة، وأثر سلباً على الأطفال الأبرياء الذين لا يمكن أن يكونوا مندسّين في أي من العصابات أو المشاريع الفتنوية بكل أنواعها». وحالما نُشر البيان على بعض الوسائل الإعلامية، ثارت موجة هائلة ضد الموقعين عليه، وخصوصاً أنّ الكاتبة ريما فليحان التي صاغت البيان خرجت على قناة «الجزيرة» وتحدثت عنه، وهو الأمر الذي زاد السخط عليها وعلى الموقّعين. وبعد تخوينهم على الوسائل الإعلامية، خرج بعض الموقّعين على بيان درعا لينفوا توقيعهم البيان من الأساس، علماً بأنّ من بين الموقّعين منى واصف، ويارا صبري، ورشا شربتجي، وكندة علوش، والكاتبين يم مشهدي وخالد خليفة. بعد ذلك، سارع تلفزيون «الدنيا» إلى استضافة عدد من الفنانين، منهم زهير عبد الكريم وزوجته الممثلة سوزان الصالح، والمخرج هشام شربتجي، والممثل سعد مينه للحديث عن بيان درعا. وتركز اللقاء على البيان الذي انهالت عليه التهم من كل حدب وصوب، حتى قالها هشام شربتجي بكل صراحة: «لا أنفي عن هذا البيان تهمة الخيانة»! وما هي إلا أيام حتى خرج بعض الفنانين الذين وقّعوا بيان درعا، وهم: منى واصف، ويارا صبري، ورشا شربتجي وكندا علوش وماهر صليبي للدفاع عن بيانهم بعدما نشروا توضيحاً بدا كأنه صادر عن جهة رسمية، إذ ضم عبارات ألغت ما جاء في البيان السابق و«اعترفوا» بأنهم «تأثّروا بالإعلام المحرّض والكاذب»، ووجهوا تحية إلى الجيش والرئيس السوري. وجاء ختام حرب النجوم هذه مع بيان أصدره المنتجون السوريون هاجموا فيه أصحاب بيان درعا وأعلنوا مقاطعتهم لكل من وقّعه، معلنين بذلك قطع أرزاق هؤلاء الفنانين الذين كان بعضهم ركناً أساسياً في نهضة الدراما السورية. وقد ضم بيان المنتجين أسماء شركات معروفة، من بينها «بانة»، و«نجدة أنزور للإنتاج الفني»، و«سوريا الدولية».

ورغم أن بيان درعا كانت غايته إنسانية، وقد أرسل أولاً إلى وزارة الصحة السورية كجهة رسمية مسؤولة عن الموضوع، إلا أنّ النتيجة كانت حملة تخوين شعواء من دون الالتفات إلى تاريخ الموقّعين عليه. كذلك لم تشفع السنوات التي عملت فيها ريما فليحان في النشاط التطوعي لمصلحة جمعيات خيرية في مواجهة هذه الحملة، بل فضّلت بعض وسائل الإعلام المحلية أن تحرض الشارع على من وقّع هذا النداء بدلاً من النقاش الموضوعي المفيد. ووسط كل هذا، يرفض عدد كبير من نجوم الدراما السورية التحدث بالأخص لوسائل إعلامية غير سورية خوفاً من الاتهامات. مع ذلك، يؤكد المخرج أحمد إبراهيم أحمد لـ«الأخبار» نبل غاية البيانات الصادرة، رغم عدم موافقته على بيان درعا، لكنّه يرفض سياسة التخوين، بينما يرى السيناريست نجيب نصير في حديثه مع «الأخبار» أنّ الفنانين السوريين وضعوا في مكان ليس مكانهم لأنهم ليسوا مخوّلين للتحليل السياسي.

على أي حال، يبدو أن الحل الوحيد للوسط الفني السوري هذه الأيام هو الصمت والبقاء في موقع المتفرج على الأحداث، بما أن أي حراك سيقابل بحملة تخوين. وربما يجدر الآن بنجوم الدراما السورية الإصغاء إلى الأصوات التي طالبتهم بعدم إصدار المزيد من البيانات حتى لا يلقوا مصير فناني «بيان درعا»!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى