صفحات مميزةمحمد دحنون

رئاسيات الأسد والفشل السوري/ محمد دحنون

 

أراد الرئيس السوري، بشار الأسد، أن يقول للعالم إن في وسعه أن ينتقل 55 كيلو متراً، هي المسافة التي تفصل حي المهاجرين، حيث القصر الرئاسي وسط العاصمة السوريّة دمشق، عن معلولا، في ريف دمشق. وأراد، فيما تخوض ميلشياته العسكرية معارك طاحنة في مختلف أرجاء البلاد، أن يرتدي بزة رسميّة، بلون فاتح، وأن تلتقط له صورة، وهو يعاين مخطوطات ممزقة، وسط دمار كبير، في دير مار سركيس وباخوس، في المدينة التي تحمل رمزيّة دينية خاصة جداً. وأراد أن يقول الكثير من زيارته معلولا: الأمان يعود. الميزان العسكري يواصل رجحانه لصالح النظام. الأقليات، مع الأسد، بخير.

هذا ما تريد الصورة التي تحتفي بها وسائل إعلام النظام، المحليّة والإقليمية، أن تصدّره للعالم، قبل نحو شهرين على الانتخابات الرئاسيّة المقررة في يونيو/حزيران المقبل، والتي قرر مجلس الشعب السوري (البرلمان)، الاثنين الماضي، فتح باب الترشح لها. ولم يكن أيٌّ من السوريين، ممن انحازوا لثورة بلدهم، منذ اندلاعها في 18 مارس/آذار العام 2011، يتوقع أن يأتي يوم يدور فيه الحديث عن “تجديد البيعة” للأسد الابن، على ما كان سائداً في أكثر من أربعة عقود في سورية.

كان السقوط السريع لثلاثةٍ من رؤساء أعتى الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، قد فعل فعله في ديناميكية الحراك السوري: صناعة الحلم بتحقيق نصر سريع على نظام منخور، وعاجز عن توليد آليات إصلاح ذاتيّة، تستوعب المتغيرات، بما يمكنه من إعادة إنتاج منظومته، من دون التعرض لخضات مجتمعية هائلة، أو تبدلاتٍ جذريةٍ في هرم السلطة.

لن يفيد التشكيك بحدوث زيارة الأسد معلولا من عدمه في شيء. وتجسد الآراء عن أن الصور المنشورة هي لزيارة أجراها الأسد للمدينة، ذات الغالبية المسيحية، قبل أعوام، حالة إنكار، ليس لإمكانية أن يقوم الأسد بالزيارة فعلاً. ولكن، ربما، لما هو أهم وأعمق من ذلك بكثير: لا يريد المنتفضون السوريون اعتبار أن كل ما حدث “لهم”، وفي بلدهم، حدث لقاء لا شيء. يدور الحديث عن سقوط 150 ألف ضحية، فضلاً عن دمار هائل ضرب البنية التحتية، إلى جانب آلاف قصص عذاب وظلم لحقت بطيف واسع من السوريين، وربما أغلبيتهم. غير أن ما يمكن اعتبارها دافعاً وراء الإنكار الرغبة في التأكيد على أن لسوريا مستقبلاً وأفقاً آخريْن، لا يشكل نظام الأسد عنصراً في أيٍّ منهما. وهذا، بالضبط، ما يعارضه الواقع، من دون أن يقول عكسه، بالضرورة.

حاصل الجمع بين ما يريد النظام قوله في “صورة” زيارة معلولا، ورد فعل معارضيه عليها، لا تقول جديداً، بل هي تكثيف لتكرار ما يحدث في عموم الأراضي السوريّة، منذ ثلاثة أعوام: فشل السوريون في إنتاج “حل سياسي وطني”، لمواجهة الأزمة الأعنف التي يشهدها بلدهم خلال تاريخه. ما فتح الباب واسعاً، ومبكراً، لمختلف التدخلات الإقليمية والدوليّة، التي أفضت، من بين ما أفضت إليه، إلى دمار البلد، وفقدان الاحتمال بأن يكون للسوريين دوراً في وضع حدٍّ للخراب المعمم الذي يضرب بلادهم.

وعلى الرغم من أن القول السابق قد يحمل سمات “الحيادية”، حيال صراعٍ لا يمنح “ترف” الموقف الحيادي، إلاّ أن الأمر ليس كما يبدو. فالموقف من نظام الأسد لا يدخل ضمن حيز مسائل تخضع للتغيير؛ إزاء “حكم الشبيحة” السوري لا جدال في موقف أخلاقي منه ورافض له. يبقى، إذاً، الحديث عن المعارضة السوريّة، وعن سلسلة طويلة من الأخطاء، والتي يمكن أن يتخذ بعضها صيغة الخطايا، غير أن هذا، أيضاً، لا يكفي لتفسير مآلٍ وصل إليه الصراع السوري، إذ ثمة عوامل خارجية، أفضت إلى تحويل سورية كرة تتفاذفها قوى إقليمية ودوليّة، وإلى تمزيق الجماعة البشرية السوريّة، بتحطيم شروط عيشها واستمرارها “جماعة وطنية”.

في المحصلة، يبدو أن زيارة الأسد معلولا ليست سوى “بهورة” إعلامية، لا تعني شيئاً لأحد، اللهم إلا للأسد الابن نفسه، والذي ما زال يمني النفس بالمستحيل: العودة بسوريّة إلى ما قبل 18 من مارس آذار قبل ثلاثة أعوام، ولا يبدو هذا غريباً على نظام “العنف المحض”، والذي ما إن يتراءى له أن “التاريخ” لا يسير لصالحه، حتى يعرض مزيداً من قوّةٍ لن يمكنها، في نهاية المطاف، أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلاّ بمعنى واحدٍ، يخص استمرار الكيان السوري نفسه. المقصود بذلك أن يؤدي حال التعفن والاستنقاع، والذي تشهده الأزمة السورية راهناً، إلى إفراز مزيد من التصدعات في صفوف الجماعة البشرية السوريّة، المتعددة دينياً وإثنياً، لينعكس ذلك على الكيان نفسه؛ إذ أن فشل السوريين في إنتاج حل لأزمتهم “الوطنية”، يرجح أن يضطر “الكيان السوري”، نفسه، لدفع ضريبة هذا الفشل، ليس عبر طريق آخر، سوى طريق التحوّل إلى كيانات.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى