صفحات الرأي

راشد الغنوشي منقذ أم مشعوذ؟/ علي حرب

 

 

“لنخرج من الإسلام السياسي”. هذا ما خلصت إليه “حركة النهضة” في تونس، بعد انتهاء أعمال مؤتمرها العاشر، كما عبّر عن هذا الموقف الجديد زعيمها راشد الغنوشي. فهل نحن إزاء تراجع أم مراجعة؟ اقتناع أم هزيمة؟ خطوة إنقاذية أم شعوذة فكرية؟

أتوقف عند ما قاله الشيخ الغنوشي، سواء في كلمته بعد اختتام المؤتمر، أو في حواره إلى جريدة “لوموند” قبل الافتتاح. هناك قضايا أربع تطرّق إليها: إقراره بمبدأ الفصل بين العمل الديني والعمل السياسي، تعريفه لحزبه بأنه حزب سياسي مدني ديموقراطي، تأكيده أن الإسلام هو مرجعيته على مستوى القيم الحضارية، اقتناعه بأن الايديولوجيا لم تعد تصلح لإدارة الدول العصرية. نحن إزاء شعارات ومفاهيم كان يرفضها الغنوشي من قبل، باعتبارها تتعارض مع مشروعه الديني الرامي إلى إقامة الخلافة وتطبيق الشريعة. عاد الغنوشي إذاً، بنوع من الارتداد، على مرجعيته الدينية، إلى شعارات خصومه في العقيدة والسياسة، من التيارات الحداثية والعلمانية. وهذا ليس بجديد على جماعات الإسلام السياسي. فهم طالما شهروا سيف التكفير في وجه المنظومة الحداثية في مختلف عناوينها، العلمانية، الديموقراطية، المواطنة… لكنهم، إذا ما حشروا، أمام قوة الطرح الحداثي الذي يخترقهم ويكشف، بجاذبيته، خواء مقولاتهم وهشاشة أطروحاتهم، نراهم يلجأون من أجل تلميع الصورة إلى تبني العناوين والمفاهيم التي كانوا يهاجمون أصحابها، ولكن من غير اعتراف بالفضل.

من المعروف أن الغنوشي، عندما عاد إلى تونس من المنفى، بعد سقوط نظام بن علي، حاول الظهور بمظهر المعتدل، فصرّح قائلاً، بل نافياً: أنا لست خمينيّ تونس. هذا مع أن حديث الاعتدال لدى المسلم المعاصر، ليس نابعاً من قيم الدين الإسلامي، بل هو ثمرة الانخراط في الحداثة والتأثر بقيمها. من هنا لا صدقية لدى الإسلامي عندما يتحدث عن قيم التوسط والاعتدال، وسط كل هذا الصراع البربري بين المسلمين على المشروعية والسلطة. أياً يكن، فالاعتدال لدى الغنوشي، لم يصمد طويلاً، بعدما بدا له أن “حركة النهضة” تملك الأكثرية وتسيطر على الشارع. هذا ما حصل بعد الانتخابات النيابية التي أتت بــ”حركة النهضة” إلى السلطة، عبر حكومة الترويكا، حيث عاد الغنوشي عن اعتداله، من خلال حديثه المشهور عن “التمكّن”، وقد وجّهه إلى السلفيين الجهاديين الذين حاولوا بعد نجاح الحزب، أن يطبّقوا ما تعلّموه في مدرسته: إقامة الخلافة لتطبيق الشريعة الإسلامية، باستخدام العنف سبيلاً إلى ذلك. وكان القصد دعوتهم إلى التعقل وعدم الاستعجال، في انتظار أن تنضج الثمرة ويسيطر الإسلاميون على تونس.

الهزيمة والتراجع

لكن الأمور جرت في ما بعد، بعكس ما خطط له “النهضة”، أو بعكس ما كان يفكر فيه زعيمه. فقد حصلت تطورات أفضت إلى سقوط حكومة الترويكا، بعد حصول حزب “نداء تونس” على الأكثرية النيابية وفوزه برئاسة الجمهورية. ولم يكن ليحصل ذلك، لو لم تستجمع الكتلة الحداثية قوتها وتنظّم صفوفها، الأمر الذي اضطرّ الغنوشي إلى التراجع، والموافقة على صوغ دستور مدني لتونس يحترم حرية العقيدة والضمير. هناك عامل آخر كان له أثره القوي في حمل الغنوشي على التنازل، هو سقوط حركة “الاخوان المسلمين” في مصر، ولولا سقوط مرسي لما تراجع الغنوشي. اليوم، يخطو الغنوشي خطوة جديدة هي أشبه بالقفزة، بإعلانه الخروج من الإسلام السياسي واعتماده مبدأ الفصل بين السلطتين السياسية والدينية. من المسوّغات التي قدّمها لهذا التراجع أن تيار الإسلام السياسي كان بمثابة سلاح ضد نظام بن علي الديكتاتوري وضد التطرف العلماني. لكن نجاح الثورة وضع حداً للديكتاتورية والتطرف، لذا فَقَدَ شعار الإسلام السياسي مبرِّرَه وعلّة طرحه. مثل هذه القراءة لا تؤيدها الوقائع ولا يدعمها المنطق السليم.

 

الخديعة والأضحوكة

من حيث تسلسل الوقائع، فإن الشعب التونسي هو الذي فجر الثورة بغفلةٍ عن الاحزاب الإسلامية والعلمانية، التي انخرطت في ما بعد في صفوف الثورة، وكانت عينها على السلطة لتقاسم الغنيمة، لا على المجتمع وكيفية إعادة بنائه. من هنا فشلت في مهمتها، وخصوصاً أن الإسلاميين لا يملكون ما به يُبنى من صيغة حضارية أو خطة تنموية. من حيث منطق القول ليس مقنعاً تفسير الغنوشي لمهمة حزبه: محاربة الديكتاتورية والتطرف. كأن الداعية الإسلامي يريد أن يقول للناس بأن “حركة النهضة”، شأنها شأن أي حزب ديموقراطي غربي، نشأت وتربّت على قيم الاعتدال والديموقراطية والتعدد، ولم يكن لها من هدف سوى محاربة الاستبداد السياسي والتطرف الايديولوجي لدى العلمانيين ومن بعدهم لدى الإسلاميين. بذلك يخترع الغنوشي لـ”النهضة” مهمة أو يخلع عليه صورة، بما يتناقض بالكلية مع نشأته ومسيرته، من غير وجه:

الوجه الأول: أن دعوى محاربة التطرف الإسلامي، هي فضيحة “حركة النهضة”، التي تتنصل من دورها. فقيادتها تدّعي الآن اعتدالاً، فيما هي تتناسى أنها شكّلت الحاضنة للإرهاب الذي فاجأها وصدمها، بعدما خرج من صفوفها، ليشهد على جهلها بما صنعت عقولها، أو على تواطئها وتورطها.

الوجه الثاني: أن دعوى “حركة النهضة” محاربة الديكتاتورية تشهد على تسترها على هويتها، بتجاهلها الأساس الديني لمشروعها، الذي هو مشروع سلفي أصولي ينتج التطرف والاستبداد والعنف، بقدر ما يرمي الى إقامة نظام شمولي يؤسس لعبودية البشر بعضهم لبعض بإسم الله والنص المقدس. وهل هناك تطرف أشد عنفاً من تكفير الأمة الإسلامية جمعاء، كما قرر وأفتى الآباء المؤسسون للإسلام السياسي، بطوطماتهم النبوية وأوثانهم العقائدية وتهويماتهم السلفية! وإنها لأضحوكة أن ندعي أن مهمتنا كانت محاربة الدكتاتورية، فيما مشروعنا يجمع، بوجهيه الدعوي والجهادي، بين الإستبداد السياسي والإرهاب الديني.

الوجه الثالث: أن دعوى محاربة العلمانية المتطرفة، هي في منتهى الخداع، ولا يصدّقها إلا غافل أو متعصب. إنها تشهد على أن “حركة النهضة” تحاول طمس الحقيقة، أي كونها قد نشأت لإقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة. هذا ما أعلنه الجبالي النهضوي بعد تشكيل حكومته لدى أول اطلالة له من على الشاشة، إذ قال: أتينا لإقامة دولة الخلافة. لتحقيق هذا الهدف طالما حاربوا الكتلة الحداثية بمختلف تشكيلاتها وتياراتها، من غير تفريق بين متطرف ومعتدل، وذلك بإتهامهم بتهم التكفير أو التغريب. بل إن تهمهم طاولت رجال دين، معتدلين، كانوا يطالبون بالإصلاح بالانفتاح على العصر والإفادة من منجزاته. اضف إلى ذلك اننا تجاوزنا منذ زمن ثنائية العلمانية والدين التي فقدت صدقيتها، بعد ما وصلت الى مآزقها الحضارية مشاريع التقدم الإجتماعي والتحرر السياسي، خاصة في العالم العربي، سواء على جبهة الحداثة أو في معسكر الدين. يستوي في ذلك المنظّرون القوميون واليساريون والإسلاميون، الذين استجمعوا مساوئ بعضهم بعضاً، استبداداً وفساداً أو خراباً وإرهاباً، بقدر ما قدّسوا شعاراتهم وتعاملوا مع قضاياهم بعقل أحادي مغلق استبدادي.

نحن إزاء العملة الإيديولوجية الأصولية نفسها، بوجهَيْها الإسلامي والعلماني. الأحرى القول إن العلمانية المتطرّفة هي أثر من آثار الفكر الديني، بقدر ما تعامل أصحابها مع شعاراتهم على نحو لاهوتي. لعله من حسن حظ تونس أن لم يحكمها منظّر إسلامي أو يساري، وإلا كان مصيرها كليبيا أو اليمن أو سوريا أو السودان.

لنعترف بالحقيقة، إذا كنّا صادقين. نحن نعود اليوم، الى ما كنا نرفضه قبل عقود، ولكن بعد فوات الاوان. نقول الآن بالتخصّص وقد سبقنا إلى ذلك من كانوا يقولون الأجدى أن يعمل رجال الدين بخصوصيتهم، كقطاع من قطاعات المجتمع يهتمّ أهله بالتعليم والارشاد والنصح. ونقول الآن بمبدأ الفصل بين المجالات لأن فيه خيراً للدين والدولة، ولكن سبقنا إلى ذلك من كان يقول إن مشروع الدولة الدينية هو اطاحة الدين والدولة معاً. فما كان أغناهم عن الحالين: طرح مشروع الدولة الدينية، ثم التخلي عنها. غير أن النرجسية والمكابرة وعبادة الأصول، وقبل ذلك شهوة السلطة، هي التي كانت تمنعهم من التعقل والاستماع إلى التحليلات والآراء التي اقتنعوا، اليوم، بجدواها، ولكن بعدما تفاقم الوحش الإرهابي الذي روَّع تونس والعالم، بالمجازر التي ارتكبها في متحف باردو ومسبح سوسه ومدينة بن قردان.

التلفيق الايديولوجي

حسناً أن يعترف الغنوشي بأن الايديولوجيا لم تعد تصلح لإدارة الدول في هذا العصر. لكن دعوته إلى الجمع بين الإسلام والديموقراطية أو بينه وبين المواطنة، ضرب من التلفيق الايديولوجي لا يقنع أحداً ولا يجدي نفعاً. أولاً، لأن الغنوشي ليس مع الإسلام، إلا إذا كان سبيله إلى السلطة. لذا نراه يلبس لبوس الإسلام ساعة يشاء أو يخلعه ساعة يشاء. انه يخترع اسلامه بحسب الظرف والمقتضى، أي بما يخدم حساباته السياسية والسلطوية. هذه الحسابات، وليست القيم الإسلامية، هي التي حملته على فكّ تحالفه مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي، لكي يتحالف مع الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي. ثانياً، لأن الإسلام، العقائدي والشرعي، شأنه شأن سائر الديانات التوحيدية، لا يأتلف لا مع الديموقراطية ولا مع المواطنة. وبالطبع هو لا يأتلف مع العالم الحديث، من حيث عقائده وشرائعه وعاداته التي تحتاج إلى أناس يمارسون عبادة الكتب والسلف والماضي. ولو كان الإسلام قابلاً للتصالح مع الحداثة، لما حصدنا كل هذه المآسي والكوارث التي تسبّب بها لتونس وللعرب والعالم مَن تربّوا في بيئات الإسلام السياسي أو تخرّجوا في مدارسه وأحزابه، من أفواج السلفية الجهادية.

أدرك أن قراءتي قد تثير التساؤلات والاعتراضات. قد يقال إن زعيم “حركة النهضة” تغير، فانتقل من نهح التطرف إلى نهج الاعتدال والمصالحة، وتصرّف بما تمليه عليه مصلحة بلده في الدرجة الأولى. فما المبرر لنقده؟ وهل المطلوب إدانته؟ ثم إن الإسلام التونسي يبدو استثناء، من حيث اعتداله، قياساً على بقية احزاب الإسلام السياسي، فلماذا نحكم عليه بمثل ما نحكم عليها من الاحكام القاسية أو المبرمة؟

المراجعة والمحاسبة

في جوابي عن ذلك أوضح النقاط الآتية:

1- حسناً أن يتغير السياسي شأنه شأن كل فاعل بشري تتجاوزه الحوادث أو تفلت من سيطرته لكي تكشف عن جهله أو قصوره أو خطئه. السياسي الناجح هو الذي يحسن أن يتغير في مواجهة الأزمات والتحديات، ليس فقط من اجل الفوز بالسلطة أو الرئاسة، بل من أجل العمل على حل المشكلات المتراكمة وتحسين الأوضاع المتردية. وهذا هو الرهان في بلدٍ كتونس: ليس المماهاة الخاوية والفاشية مع الإسلام، بل ابتكار ما يحتاج إليه الإنماء والبناء من العناوين والمفاهيم أو النماذج والبرامج.

2- لا تراجع من غير مراجعة نقدية جذرية. لا شيء يعود كما كان عليه من دول تحويل خلاّق وتجاوز بنّاء، إلا بصورة كاريكاتورية أو ارهابية.

3- كذلك من المحال، أن يعود الإسلام كما كان عليه، قبل عقود، بعد كل هذه الإخفاقات المدوية والنهايات الكارثية على يد الجماعات السلفية والتنظيمات الإرهابية.

لنحسن القراءة: لا يكفي أن نعلن الخروج من الإسلام السياسي. فالدرس الذي يستخلص هو أن الإسلام لم يعد يصلح كعنوان للعمل الحضاري، لا على مستوى الدول والأحزاب، ولا على مستوى الدساتير والقوانين، ولا حتى على مستوى المجتمعات، بعدما تحولت الهوية الدينية على يد حرّاسها إلى حروب أهلية ومآزق حضارية. لذا لا جدوى من اللعب على الكلمات، بالفصل بين الدعوة والسياسة، ولكن مع إبقاء العلاقة بين الدين والدولة. فالأجدى للمسلمين وللعالم، أن يُعامل الإسلام كشأن شخصي، كرأسمال خلقي أو رمزي، بحيث يتم التخلي عن العنوان الديني، في تعريف الدول العربية، ويكتفى فقط بالصفة الوطنية، كما يجري في أكثر دول العالم.

لنترك الإسلام بعدما شوّهنا سمعته واستثمرناه كمتراس عقائدي لتسلق السلطة. لنتركه لأهله بحيث يمارسونه كتراث حي، كما بدأوا يفعلون ذلك منذ عصر النهضة، بعدما تحرروا من وصاية المؤسسة الدينية، لكي يحسنوا الإندراج في العالم ويشاركوا في صناعة الحضارة. من غير ذلك يتحول الإسلام إلى آلة لصناعة القتل وانتاج الكوارث، كما تترجم محاولات الاسلمة في هذا البلد أو ذاك.

4- الوجه الآخر للمراجعة النقدية هو محاسبة النفس عما قدمت. والمحاسبة هي مبدأ اسلامي. فلا يُعقل أن نضع الملامة على أنظمة الاستبداد، فيما كنا نحن نسعى إلى استبداد مضاعف. ولا يعقل أن نضع الملامة على السلفية الجهادية فيما هم صنيعتنا التي ارتدّت علينا لتصنع حياتنا على نحو وحشي. ولا يليق بنا أن نضع الملامة على التيارات الحداثية والعلمانية، لأنه إذا كان لدى “حركة النهضة” شيء ايجابي، مبدأ أو فكرة أو قيمة، فهو ثمرة لتأثرها بمفاهيم الحداثة ونظمها وقيمها، كأخذها الآن بمبدأ الفصل بين العمل الديني والعمل السياسي.

هذا المبدأ العلماني مورس قديماً في المجتمعات الإسلامية، ولكن من غير تنظير، بدليل الفصل بين المجالين الديني والسياسي، أي بين عمل العلماء وعمل الحكام، وبدليل أنه لم تسمّ يومئذ أي حكومة بإسم الإسلام، بل بإسم القائمين بها، مما يشهد على جهل الإسلاميين المعاصرين بتاريخ الإسلام السياسي. لكنهم أرادوا العودة إلى الوراء، بالجمع بين الدين والدولة، لإطاحة ما حققته المجتمعات العربية من المكتسبات الحضارية قديماً وحديثاً.

إن مَن يقرأ كلام الغنوشي، يكتشف أن الرجل يتصرّف على أساس أن الكل أخطأوا ما عداه. ولكن إذا كان الغنوشي مع القيم الإسلامية، كالتقى والتواضع والأمانة والصدق، فهي تملي عليه الاعتراف بالحقيقة والإقرار بالخطأ، لا بوضع الملامة على غيره، لكي يخرج هو بوصفه إماماً للديموقراطية أو رمزاً للاعتدال أو بطلاً للإنقاذ.

5- نعم إن تونس هي استثناء، بالمعنيين السلبي والايجابي. وتلك هي المفارقة. إيجاباً كونها صنعت أول ثورة شعبية في العالم العربي لم تكن مجرّد انقلاب عسكري. ويعود الفضل إلى بورقيبة، على استبداده، لأنه لم يتصرف بوصفه حارس القضايا المقدسة لكي يترجمها بأضدادها، بل سعى إلى النهوض ببلده وبنائه بعقل حديث. كما يعود الفضل إلى الرواد في مجالات الحقوق والحريات، وأذكر مثلاً لا حصراً، الطاهر حداد والشاعر أبي القاسم الشابي. وأخيراً، فالفضل كله يعود إلى المجتمع التونسي بشغّيلته ونقاباته وأحزابه ومثقفيه وكتّابه ومفكريه.

نعم، إن تونس هي استثناء. فهي أنتجت كما صدّرت الى الخارج العدد الأكبر من الوحوش الإرهابية الذين وإن تجاوزوا الإسلام السياسي التونسي فهم صنيعته. لكن تونس تضمّ في المقابل العدد الأكبر من الكاتبات والفيلسوفات والمثقفات المستنيرات، اللواتي يساهمن في صناعة الحداثة الراهنة، بقدر ما هم صنيعتها. وأعتقد أن الشعب التونسي يملك من الوعي السياسي والثقافة النقدية، مما يحول دون وقوعه مجدداً في أحابيل الساسة واستبدادهم أو أن يصبح محلّ خداعهم وشعوذاتهم.

هل أتطرّف في نقدي؟ إن النقد الفعّال لا يلتفّ على المشكلات أو يتغاضى عن الاخطاء، وإنما يحاول تقصّي جذورها وأسبابها، وذلك بالكشف عمّا تنطوي عليه الدعوات والمشاريع من أشكال الحجب والزيف أو الاحتكار والمصادرة أو الخلل والقصور. من غير ذلك لا صدقية في الدعوة إلى التغيير، لأنه من غير مراجعة نقدية أو محاسبة ذاتية، لا تستقيم محاولات النهوض والبناء والعمل المشترك.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى