صفحات سورية

رامي مخلوف يعري النظام السوري ويسقط آخر الأقنعة عن وجهه

 


محمد فاروق الإمام

يوم الثلاثاء العاشر من أيار الحالي نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية المقابلة التي أجرتها مع السيد رامي مخلوف أكبر حيتان الجاه والمال في سورية وابن خال السيد الرئيس بشار الأسد، تحدث فيها عن السياسة والأحداث التي تجري في سورية ومستقبل النظام السوري والمنطقة، دون أن تكون له أية صفة رسمية.. اللهم إلا أنه أحد التوليفة الأسرية التي تحكم سورية منذ أكثر من أربعين سنة (1970-2011).

كان حديث السيد رامي مخلوف مع الصحيفة الأمريكية آخر قناع يسقط عن وجه هذا النظام الذي حكم لأكثر من أربعة عقود تحت يافطة (قيادة الصمود والتصدي والممانعة وتبني القضية الفلسطينية واحتضان المقاومة ودعمها).. رامي مخلوف لم يكن حديثه مع الصحيفة الأمريكية الذي دام نحو ثلاث ساعات حديثاً عن المال والتجارة والثروة، بل كان حديثاً يعالج الأحداث الجارية في سورية من وجهة نظر الأسرة الحاكمة كونه أحد رموزها الأساسيين، فهو يقول (إن النخبة الحاكمة في سورية “تكاتفت أكثر بعد الأزمة”، مشيراً إلى أنه “على الرغم من إن الكلمة الأخيرة هي للأسد إلاّ انه يتم وضع السياسات بقرار مشترك” فيما بين أطراف هذه النخبة). وعن الأسرة الحاكمة يقول مخلوف: (نؤمن بأنه لا استمرار من دون وحدة. وكل شخص منا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر دون أن نكون موحدين. ولن نخرج ونترك مركبنا “يغرق”. سنجلس هنا.. إنها معركتنا حتى النهاية.. ويجب أن يعلموا أننا حين نعاني لن نعاني وحدنا).

وبذلك يؤكد مخلوف أن الحكم في سورية هو حكم عائلي وأن القرارات لا تخرج إلى العلن وتصبح نافذة إلا بعد تداول رموز العائلة لها بشكل جماعي قبل إقرارها.

من هنا يؤكد لنا هذا الرجل أن القرارات وتفعيلها لا يكون من غرفة عمليات القيادة القطرية لحزب البعث – كما يظن الناس – وأنً المادة الثامنة من الدستور التي تقول (حزب البعث هو القائد والموجه للدولة والمجتمع) كليشيه لا قيمة لها، وأن القرارات لا تصدر عن مكتب الجبهة الوطنية التقدمية، أو من مبنى مجلس الشعب، أو من قاعة مجلس الوزراء.. فكل هذه المؤسسات الرسمية المكونة للدولة السورية قد أسقطها رامي مخلوف من ميزان القوى الفاعلة في سورية، ليؤكد أنها هيئات هلامية لا وزن لها ولا قيمة، وما هي إلا دكاكين أراجوزية تقوم بدور مسرحي باهت لإيهام المتفرجين أن هناك في المسرح (كراكوز وعواظ) يقومان بدور البطولة دون أن تلحظ عيونهم أن هناك خيوطاً متصلة بهذه الهياكل تحركها من الخلف أصابع الأسرة الحاكمة.

رامي مخلوف يعلن صراحة وبكل وضوح في حديثه أن لا استقرار لإسرائيل إلا إذا كان هناك استقرار في سورية (وهو يقصد طبعاً استقرار النظام) فيقول: (ما لم يكن هنا “في سورية” استقرار، فمن المستحيل أن يكون استقرار في إسرائيل، ولا يوجد طريقة ولا أحد يستطيع أن يضمن ما الذي يمكن أن يحصل فيما بعد إذا حصل أي شيء لهذا النظام لا سمح الله). وهذا يؤكد ما كنا نذهب إليه دائماً بأن النظام السوري وجد لحماية إسرائيل وتأمين الاستقرار فيها ودليلنا داماً الهدوء وصمت جبهة الجولان كصمت أهل القبور منذ العام 1974 عندما وقع النظام السوري اتفاقية فك الاشتباك عند الكيلو 54 مع العدو الصهيوني وتضمنت الاتفاقية – فيما تضمنت – بنوداً سرية، كان من أهمها: التخلي عن الجولان، وتأمين سلامة الحدود الشمالية لإسرائيل، في مقابل تأمين بقاء النظام، من خلال دعم اللوبي الصهيوني القوي الذي يتحكم بالكونغرس الأمريكي الذي بيده كل المفاتيح في الشرق الأوسط.

وردا على سؤال يتعلق بما إذا كان هذا تهديدا بالحرب، قال رامي مخلوف (لم أقل حربا. ولكن ما أقوله هو: لا تدعونا نعاني، ولا تضعوا الكثير من الضغوط على الرئيس “الأسد”، ولا تدفعوا سورية إلى فعل شيء لن تكون سعيدة بالإقدام على فعله).

أما عن مواجهة النظام السوري لوتيرة تصاعد الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة فيقول رامي مخلوف بحسب ما جاء في الصحيفة الأمريكية: إن (النظام قرر مواجهة الاحتجاجات الشعبية حتى النهاية).

وعن غضب الشارع السوري عليه يقول (الغضب الشعبي منه “سببه الغيرة” والشبهات بأنه يقوم بدور “مصرفيّ العائلة”. وأضاف “ربما هم قلقون من استخدام هذه الأموال لدعم النظام. لا أعلم. ربما. ولكن النظام لديه الحكومة بكاملها وهم لا يحتاجون إليّ”. واعترف بأنه مثير للغضب في الشارع السوري، وأن هذا هو “الثمن” الذي عليّ أن أدفعه).

وحذر مخلوف في حديثه من أن “البديل عن النظام الحالي”، هم “السلفيون والمتطرفون” ولن نقبل به لأنه يعني بالنسبة لنا الكارثة، ولدينا الكثير من المقاتلين لمواجهتهم).

كلمات مخلوف ألقت الضوء بأوضح العبارات على مشاعر لطالما حاول النظام زرعها بين الناس – إما نحن أو الفوضى – وتوضح التكتيكات التي اتبعتها الطبقة الحاكمة لتناور في ظل التغيرات التي تعصف بمنطقة مضطربة للحفاظ على هدفها الأكثر أهمية: “بقاء النظام”.

لقد وضع حديث رامي مخلوف لصحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية النقاط على الحروف، وأسقط آخر أقنعة النظام التي كان يتاجر فيها لسنين طويلة ويضحك فيها على ذقون الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، وآن لكل هؤلاء أن يتخذوا المواقف الصحيحة من هذا النظام الذي خدر عقولهم كل هذه السنين الطويلة، وأن عليهم أن يديروا ظهرهم له ويتوجهوا إلى الثورة التي تحدت جبروت هذا النظام وآلة قمعه، وواجهت رصاصه بصدور شبابها العارية ودفعت الثمن غالياً ولا تزال تدفع لانتزاع الحرية التي صادرها والكرامة التي داسها لأكثر من أربعة عقود.

وآن لأبناء شعبنا السوري المغررين الذين فتنوا بهذا النظام وخدعوا به، أن ينضموا لإخوانهم شباب الثورة السورية.. وآن لأبناء حزب البعث الذي جعلته هذه الأسرة مطية لتنفيذ مآربها وعباءة لستر جرائمها أن يتحللوا من هذا النظام الفاشي، الذي ظل لسنين طويلة يتاجر بمبادئ الحزب وشعاراته.. وآن لكل أبواق النظام المنافحين عنه والمدافعين عن قراراته والمسوقين لجرائمه أن يثوبوا إلى رشدهم بعد كل الذي أبان اللثام عنه السيد رامي مخلوف.. وآن لضباط جيشنا الوطني أن ينحازوا إلى صف الجماهير المنتفضة الثائرة وأن لا يكونوا أداة بيد هذه الأسرة الباغية وينفذوا أجندتها الشريرة في حماية الحدود الشمالية لإسرائيل وقمع الانتفاضة الشعبية، وأن عليهم وضع حد لطغيان هذه الأسرة وبغي أجهزتها الأمنية وفرق موتها (الشبيحة) وميليشيات لجانها الشعبية التي تذبح وتقتل وتستبيح وتدمر وتسرق وتنتهك المحرمات، والرجال مواقف.. ففوزوا بهذا الشرف الذي لا يعلوه شرف، والذي سبقكم إليه جيش تونس وجيش مصر.. وسيذكر التاريخ موقفكم الوطني ويسجله بحروف من نور.

كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى