صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

رجال دين أم رجال مخابرات ؟.


مصطفى اسماعيل

اختارَ وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد تحويلَ وزارته إلى جهازٍ أمني, والتحوَّل شخصياً إلى جنرال أمني قمعي ضارب, وإذا كنا نعلمُ سابقاً أن الجملوكية السورية قامتْ بتأميم جميع مرافق الحياة ومؤسسات البلاد باسم المخابرات والبعث والقائد الضرورة و( بسْ ), فإن تصريحات ( السِتار سيد ) هيَ مجرَّد دليلٍ تأكيدي على معلوماتنا السابقة ومعرفتنا السابقة بالمصادرة الأمنية البعثية الممنهجة للمجتمعات السورية من الجوانب والمستويات كافة, فتصريحاتُ ( الستار سيد ) التي بثتها قناة ” الإخبارية ” السورية قبلَ آونة هيَ دلالة فاضحة على نوم وزير الأوقاف ورجال دينه في سرير الدولة الأمنية, والتحول إلى عصا إضافية فوق رؤوس السوريين الذين ينزفون منذ انطلاقِ ربيعهم في منتصف مارس/ آذار المنصرم.

يقولُ الوزيرُ أنَّ ” الفتوى الشرعية الوحيدة لعلماء سوريا هي وأد الفتنة ومنع التخريب وتحريم التظاهر وسفك الدماء “. للوهلة الأولى تبدو العبارةُ جميلةً ومتفقاً عليها فيما بين السوريين خلا ( تحريم التظاهر ), فهلْ من سوري وطني غيور على بلده يُرَّحبُ بالفتنة والتخريب وسفك الدماء, ولكن باكتشاف أن العبارة تدورُ في حلقة السلطة الراعية له تنكشف مآرب ( السيد ) الخدمية لأولي الأمر, إذ يستعيرُ مفرداتها في لبوسٍ إسلامي ( الفتنة ), ويعتمدُ كلمةَ ( التخريب ) لنعت الحراك السوري ( يُقدَّمْ هذا الحراكُ في مفهوم السلطة بمثابته فعلَ إرهابيين ومخربين ), ولا يكتفي بذلك, بل يذهبُ إلى أبعدَ من ذلك عبرَ ( تحريم التظاهر ), فيطرح نفسه بذا تلميذاً نجيباً وصالحاً ومطيعاً أمام السلطة, وسلطوياً أكثر من أهل السلطة, متناسياً أنها أصدرت مرسوماً يكفل الحق في التظاهر نظرياً في شهر مايو/ أيار, أي قبل شهرين ونيف من تصريحاته.

ويمضي ( السيد ) أبعدَ من تلك المقولة التعميمية ليضعَ العمامات على الحروف قائلاً : ” من يقومون بالتظاهر انطلاقا من المساجد ليس لهم علاقة بالمساجد ولا بالمصلين، وهم يخرجون من أمام المساجد بناء على دعوات على شبكة الإنترنت لرفع الشعارات الدينية أثناء المظاهرات كالتكبير بهدف التحريض ليس إلا، وهم ينفذون مؤامرة خارجية “. فالمتظاهرونَ السوريونَ في عُرف الوزير حفنة زنادقةٍ ومُحرضينَ ومُتآمرينَ على أمن البلاد, وهيَ أحكامٌ إطلاقيةٌ غيرُ قابلةٍ للصمود عيانياً, فالوزيرُ كونهُ مواطناً سورياً يعلمُ أنَّ غالبية التظاهرات انطلقت في البدء, وفي زمن تصريحه, وبشكل متفاوت في هذه الآونة من المساجد وبعد انتهاء صلاة الجمعة تحديداً, وكان واجباً على الوزير أن يحترم قليلاً عقولنا ومدراكنا, فأن يرمي بملايين السوريين في سلة المؤامرة الخارجية, فهذا يعني أنه متلبس شيطان مفاهيم السلطة, وتوجهه بارانويا رتيبة وسمجة, وينطبقُ عليه قولُ أحد الحكماء العرب : ” إنْ شاءَ ربك أن يُهْلكَ عبده، أفقدهُ أولاً عقله “. إذْ يمكن أن تكون مجموعات من السوريين أو حزب ما أو تيار سياسي ما جزءاً من مؤامرة خارجية, أما أن يتحول السوريون جميعاً من أصغر منطقة في الجنوب السوري إلى أبعد ركن من سوريا إلى متآمرين فهذا درب من التخوينِ, وقدْ نهى رئيسهُ عن ثقافة التخوين في أكثر من مناسبة ولقاء, فالذين يتحدثُ الوزير عن تآمرهم يُقدرون بالملايين, فأية جهةٍ استخباراتية هذه التي تسنى لها تجنيدُ كلِّ هؤلاء المتآمرين, وأين كانت الأجهزة الأمنية السورية حين كانَ يجري تجنيدهم ؟!!!. ومتى كانَ استخدامُ المسجد لدى المسلمين حراماً ومحظوراً ومرفوضاً, فالمسجدُ رأسمالٌ رمزي بالنسبة للمسلمين, وكانت قرارات المسلمين المتعلقة بالسلم والحرب في عهد الإسلام الأوَّل تُتخذُ في المسجد الذي كان يعد بمثابة برلمان أو غرفة عمليات, إلى درجة أن الباحث الليبي ( الصادق النيهوم ) كان يعد استغناء المسلمين عن كلمة ( الجامع ) واستبدالها في الاستخدام بـ ( المسجد ) دلالةٌ على إفراغ الجامع من محتواه, وتحويله إلى مجرَّد مكانٍ لأداء الطقوس الدينية.

أمَّا أمُّ النِكات والطرف فهيَ استنكاره ” زج الدين بما ليس له علاقة به والإساءة للمساجد ودور العبادة “, مُتناسياً في ذلكَ أنَّه يُسَخِّرُ وزارته وعلماء وزارته لخدمة السلطة, ويقتاتُ على مائدة السلطان, ويُحوِّلُ الشريعة إلى ( شبيحةٍ ) إضافي مُسلَّطٍ فوقَ رؤوس الشباب السوري ونفيرهم الجميل في شوارع وساحات سوريا, هذا الشبابُ الرافضُ للانمساخ إلى حشراتٍ وجراثيم وهوام في مهب السلطة.

طيلةَ عقودٍ من عمر هيمنة البعث والمخابرات على مفاصل سوريا تم ترويض رجال الدين وتحويلهم إلى حفنة ( فقهاء ظلام ), وعُقِدَ قِرانُ المساجد والكنائس على فروع حزب البعث والفروع الأمنية, وأصبحَ مُمثلو الديانات والطرق والمذاهب والطوائف الدينية في سوريا مُجرَّدَ جزء من آلة دعائية هائلة تخديرية ملحقة بالسلطة, لهذا لنْ نستغربَ اختزالهُ دورَ رجال الدين في ” الدعوة الطيبة والموعظة الحسنة والحفاظ على المساجد والهدف الذي أسست له بعيدا عن استغلالها لأي هدف دنيوي “, ولكنه بطبيعة الحال لنْ يتطرقَ إلى استخدام السلطة للمساجد لأهداف دنيوية, بلْ يغضُّ النظرَ عن ذلكَ حفاظاً على منصبه / الأداة, وإذا كانَ وزيرُ أوقافُ السلطة يأبى تجنيد الدين الإسلامي ومنابره وعلماءه لخدمة أجندة السلطات الزمنية, فما رأيهُ بفتاوى عالمه الديني الملحق بوزارته ” محمد رمضان سعيد البوطي ” إذْ تحوَّل إلى مُهرجٍ ديني, بإطلاقه فتاوى متهافتة لا تمت للدين بصلة, وفيها ما فيها من التنصل من قيم الديانات السماوية, بإجازته الصلاةَ على صورةِ بشار الأسد, وإجازته تأليه الحاكم وإطلاق النار على المتظاهرين. وما رأي وزير أوقاف السلطة بمواقف رجل الدين المصري المقيم في قطر يوسف القرضاوي من ثورات الشعوب العربية ومنها ثورة الشعب السوري. وما رأيه ببيان الأزهر الداعي إلى ” ضرورة احترام حقوق الشعب السوري وحرياته وصيانة دمائه “, والمُطالبِ من السلطة السورية ” بأن تعمل فوراً على وقف إراقة الدماء وعلى الاستجابة للمطالب المشروعة للجماهير السورية “, وقدْ عدَّ أحدُ الدعاة في الأزهر ممارسات السلطات السورية القمعية تجاه المتظاهرين إثماً كبيراً وتحريضاً على الفوضى. وما رأي وزير أوقاف السلطة بمواقف علماء الدين المسلمين السوريين. من المؤكد أن كل تلكم المواقف لنْ تُسرَّ أو تُعجبَ الوزيرَ, فهي في عرفه وعرف سادته ( مؤامرة خارجية ) !!!.

لا يُحاولُ وزيرُ الأوقاف السوري ولا غالبية علماء وزارته وغالبية من رجال الدين في سوريا اليوم الفكاكَ من حالة الرهائن والأسرى في كنف السلطة, بلْ يتمادونَ أكثر في حالة القطيعة مع إخوتهم/ أخواتهم السوريين باعتمادهم مبدأ التبرير الشرعي لتغوُّل السلطة, فيما هم مطالبون بالعكس, توجههم في إدارتهم الظهرَ لمواطنيهم ثقافةٌ محنطة وولاءات زائلة عابرة ومطامح رخيصة, إنهم عبيدٌ مأمورونَ لدى سادتهم, يحملونَ الناسَ على طاعة الشر المطلق, والطاعة العمياء للظلم والظالمين, ويمثلونَ القدوةَ في الإنقياد لأوامر ونواهي السلطة, إنهم مُجرَّدُ أبواقٍ للحاكم يُزينونَ أفعاله وأقواله, كان من الأولى لهم ( الوزير ورجال الدين ) الإنحيازُ إلى معسكر الشعب ومحاربة الولاء الأعمى للحكام والسلطة, فإن لمْ يكُ ذلكَ فإن الموقف الإنساني في حده الأدنى يقتضي منهم ممارسة دورٍ حيادي ووسيط بين الحاكم والشعب.

التحول في خطاب الوزير ورجال دينه الموالين للسلطة مُستبعدٌ في ضوء الوقائع الحالية في سوريا, فالوزيرُ والذينَ معه تخلوا عن سلطتهم الروحية, وأصبحوا سدنة بارعين لعتبات السلطة, ودعاة بررة لممارساتها القمعية, فلا يزال المشايخُ والأئمةُ وخُطباءُ المساجد يتقاضونَ رواتبهم الشهرية من مسؤول بعثي مكلّفٍ بشؤون الأوقاف في شعب حزب البعث المنتشرة في سوريا, ولا يختلفُ عنهم في شيء رجالُ الدين المسيحي الذينَ تحولوا بتفويض من السلطة إلى أوصياء مفروضين فوق رأس الأقلية المسيحية في سوريا, على اختلاف طوائفها.

لكي لا تتكرر تراجيديا تماهي رجل الدين برجل المخابرات في الموقفِ من قضايا البلد في سوريا المستقبل, ينبغي إبعادُ الدينِ عن الحياة السياسية وفاقاً للقاعدة الشهيرة ” ما لله لله وما لقيصر لقيصر “, وكذلك التأسيسُ لمبدأ فصل الدين عن الدولة, وبالتالي عَلمنة الدولة, فما تحتاجه سوريا الغد من هذا الجانب هوَ إعمالُ قانون النفي الهيغلي, ضمانة لعدم تكرار التجربة القاسية الحالية المتمثلة بإنحياز وانحراف رجال الدين عن الأدوار المنتظرةِ منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى