صفحات العالم

رداً على الإتهام الموجه ضدي كعميل للنظام السوري

Nir Rosen
خلال فترة عملي كصحفي على امتداد تسعة أعوام، اتُهمتُ بالعمالة للأمريكيين والإيرانيين والإسرائيليين والقطريين وحكومة أفغانستان وغيرهم. نحن معشر الصحفيين معتادون على اتهامات التشهيرية السخيفة. في إحدى المرات حكم علي الطالبان بالإعدام لأنهم ظنوا بأنني جاسوس. اعتقدت بأنهم أقل فطنة من غيرهم. الآن أجد أنه من الحري بي أن أرد على اتهامات المغرضين الدنيئة بالرغم من كونها دون مستواي الأخلاقي.
التهم الموجهة إلي تشمل “الاتصال” بالنظام السوري. وهذا صحيح فعلا وليس في ذلك ما يدعو للخجل منه. أنا صحفي وهذا عملي. نعاني الأمرّين للحصول على المعلومة وإيجاد طرق الوصول إليها. هذا هو لب مهنة المتاعب. قضيت قرابة أربعة أشهر في سوريا خلال الثورة أصور وأكتب لقناة الجزيرة الإنجليزية. مقالتي الأخيرة نشرت في “فورين بولسي”.
خلال أربعة أشهر قضيتها في سوريا سافرت إلى درعا ودمشق وريفها وحمص وحماة وإدلب واللاذقية وحلب. وفي كل هذه المناطق قابلت قادة للثورة بما فيهم قادة العديد من كتائب الجيش الحر. نمت في بيوتهم و قابلتهم في قواعدهم السرية. لو كنت جاسوساً لكان بمقدوري إلحاق ضرر جسيم بالثورة ولكن لم يتضرر أي من الذين قابلتهم بسببي. كما أنني قابلت العديد من ضباط الأمن و المخابرات وشخصيات في الحكومة ومناصرين عاديين للنظام. وهؤلاء أيضاً دعوني إلى بيوتهم. وأيضاً لم يتضرر أحد منهم. مهمتي هي في الأساس أن أكتب وأصف الأحداث والأشخاص والقاعدة الأولى هي ألّا تُلحق أي ضرر. أتحدى أولئك الذين يتهمونني بتلك الاتهامات الهستيرية بأن يقدموا أي دليل على أنني تسببت بالضرر لأي إنسان.
في مرتين تقدمت بطلب للحصول على “فيزا” لدخول سوريا وحصلت عليها في المرتين وهكذا دخلت إلى سوريا. لم توضع علي أي قيود. كما أنني حاولت مساعدة صحفيين آخرين في الدخول إلى سوريا بطريقة أو بأخرى. في شهر كانون الثاني “يناير” الماضي كنت على اتصال بصديقي المرحوم “أنثوني شديد” الذي كان مستاءاً جداً من عدم حصوله على فيزا وكان يسألني النصيحة عن إمكانية الحصول على فيزا أو كيفية الدخول إلى سوريا.
في ماضيّ المهني تقدمت بطلب لضباط مكتب العلاقات العامة في الجيش الأمريكي لمرافقة الجيش في أفغانستان والعراق كما تقدمت بطلبات مشابهة من جيش المهدي في مدينة الصدر وقادة “الشباب” في الصومال وقادة كارتلات المخدرات في المكسيك وقادة المجاهدين في الفلوجة ووزير الدفاع في حكومة الطالبان المُلا بردر وحتى في أسوأ الأحوال من مكتب الصحفيين في الحكومة الإسرائيلية لأتمكن من العمل في فلسطين المحتلة. بعض الصحفيين يساومون في عملهم من أجل الحصول على فرص الوصول للمعلومة وما قد يدره ذلك من مكانة مرموقة لأسمائهم في المهنة أو عند ذوي الحظوة. لم يكن هذا نهجي أبداً وكتاباتي تشهد بذلك. ولعل ذلك هو السبب وراء أنني لا ألبث أحصل على فيزا أو تصريح إلّا وأخسره أويسحب مني أو لا يُعاد تجديده. إتمام العمل على الوجه الصحيح غالباً ما يعني نسف تلك الجسور التي مكنتك من رؤية الأمور على حقيقتها ولكن هذا جزء أساس من عملية كشف ما يريد البعض ستره وإخفاءه من حقائق. لطالما كان الطائل والهدف من وراء عملي هو تحدي وإحباط السلطة، أي سلطة. وجهة نظري عن العمل الصحفي وما يعنيه موجودة هنا بإسهاب.
أعتقد جازماً أن مجموعة الرسائل الإلكترونية المسربة من الحكومة السورية كلها حقيقية فعلاً. ليس عندي مانع من كشف أن الرسائل التي احتوت على اسمي هي رسائل حقيقية. هي كلها رسائل من أناس قُدِّموا لي ولصحفيين غربيين آخرين على أنهم مستشارون إعلاميون للحكومة السورية أو الرئيس نفسه. هم المستشارون أنفسهم الذين رتبوا لمقابلة باربرة والترز من وكالة “أي بي سي” الأمريكية مع بشار الأسد كما رتبوا لدخول وكالة الصحافة الفرنسية وآخرين إلى سوريا. هذا إجراء جد عادي وإلّا كيف لصحفي أن يدخل بلداً كسوريا!
في شهر تشرين الثاني ٢٠١١ أجرت قناة الجزيرة لقاءً مع الرئيس الإيراني أحمدينجاد و حاولت إقناع المستشارين الإعلاميين لدى بشار الأسد انهم يجب أن يمنحوا الجزيرة الإنجليزية مقابلة على غرارها أرسلت لهم عدة رسائل إلكترونية لإقناعهم ومن ضمنها رسالة تتضمن سيرتي المهنية CV ونبذة عن حياتي. كما أنني إلتقيت بهم لنفس الغرض ولأقول لهم بأن الوكالات الصحفية الكبرى قد عثرت على طرق لإرسال صحفييها إلى داخل سوريا بموافقة الحكومة أو بدونها، فلماذا لا يمنحوننا الفرصة للدخول بشكل رسمي. وهو ما يظهر في هذه الرسالة التي أرفقت بها وصلة لبرنامج لهيئة الإذاعة البريطانية قام به الصحفي الجريء “بول وود” عن سوريا حيث قلت لهم بأن الصحفيين لن يعدموا وسيلة للدخول وأنه من الأحرى بهم أن يسمحوا للجزيرة بالدخول بشكل رسمي.
من الجدير بالاهتمام هنا أن ضرورة إرسالي لسيرتي المهنية ولنبذة عن حياتي في سبيل الحصول على مقابلة مع بشار الأسد يظهر بما لا يدع مجالاً للشك بأنني لم أكن عميلاً لدى النظام. كما أنني لم أرسل إلى أي أحد من أركان النظام أي معلومات لم تكن في النطاق العلني سلفاً. لقد كان الاتصال بالنظام للحصول على “فيزا” من الإجراءات الاعتيادية في شهر تشرين الثاني نوفمبر ولم أكن الوحيد في ذلك. في ذلك الوقت كان من المعتاد أن يتقدم الصحفيون بطلبات “فيزا” لدخول سوريا. اليوم الأمور تغيرت وأصبح التسلل إلى البلد هو الأكثر شيوعاً.
كان افتراض الحكومة قائماً على أنهم بمنع دخول الوكالات الصحفية “المعادية” يستطيعون التحكم بتغطية البلد. أنا أرسلت لهم وصلات عن برامج وتقارير كانت ممتازة بتقديري قام بها صحفيون ممتازون من الـ BBC و SkyNews و غيرها من المحطات الأوروبية كانوا قد تسللوا إلى داخل سوريا تسللاً. في الواقع لم ألتقِ بأي صحفي تسلل إلى داخل سوريا خلال أربعة أشهر قضيتها هناك. وهم كبقية زملائي في المهنة أبقوا وجودهم في سوريا طي الكتمان إلى أن غادروا البلد ونشروا تقاريرهم و قصصهم. هؤلاء الصحفيون هم من قبيل بول وود وغيث عبد الواحد والمرحومين أنثوني شديد وماري كولفن وهم أدوا عملهم على أكمل وجه. ولكن يجب القول بأن مرافقتهم ووجودهم مع الثوار والمعارضة بشكل رئيسي وغالباً في مكان واحد قد حد من وجهة نظرهم إلى درجة معينة. حصولي على الفيزا أتاح لي التنقل داخل البلد بشكل كبير ومكنني من تتبع مجريات الأمور بشكل أشمل. كتاباتي شاهدة على أنه لا يوجد في تغطية الوضع السوري ما هو أشمل مما قدمته في تقاريري للجزيرة الإنجليزية. استطعت توفير هذه التغطية بفضل الفيزا وسعة حيلتي التي مكنتني من السفر من درعا إلى إدلب بدون أن يتم توقيفي أو اعتراضي.
بالطبع عند التعامل مع موظفين في أنظمة شمولية أو مع موظفين في مكتب العلاقات العامة في الجيش الأمريكي أفترض أن لديهم مهام أخرى. ولكن لم يكن لأي من تلك المهام أي علاقة بطبيعة اتصالي بهم فضلا أنني لم أكن أعلم عنهم غير أنهم موكلون بالجانب الإعلامي. يجب إجلاء حقيقة أن معارفي المختلفي المشارب والتوجهات ساعدوني على فهم الوضع السوري المعقد بما يكتنفه من توجهات مناصري النظام والمسؤولين فيه. وأنا كصحفي قمت بتقديم هذه المعرفة والمعلومات للقراء على اختلاف وجهات نظرهم. لم أكن مصدراً للمعلومات لأي طرف غير أولئك الذين قرؤوا مقالاتي أو شاهدوا برامجي. لم أشِ بأي معلومات عن شحنات سلاح مرسلة للمعارضة وبطبيعة الحال لم أكن لأعرف بها. كان هناك تقارير علنية عن أن الحكومة الليبية الجديدة قد مدت المعارضة السورية بالأسلحة و المقاتلين (على الرغم من اعتقادي بأن أياً من ذلك لم يصل إلى سوريا أبداً).
من المثير للانتباه أن أولئك الذين كنت على اتصال بهم من النظام لم يكونوا قد شاهدوا تقارير الـ BBC و SkyNews عما يجري في حمص والتي أذيعت في نهاية العام ٢٠١١ عندما كنت على اتصال بهم بخصوص طلب المقابلة. يبدو أنهم كانوا يعيشون في غرفة موصدة على صداهم يصدقون ما تبثه وسائل إعلامهم من مواد تحريضية. لم أساوم على مهنيتي أو على التزامي بكشف الحقيقة أبداً. كل ما حدث هو أنني زودت مستشارين إعلاميين صغار لدى النظام بمعلومات كانت متاحة للعامة وهذا لا ينال بشكل من الأشكال مني أو من مهنيتي وهو بالطبع لا يجعل مني جاسوساً خارقاً تحت تصرف النظام.
بينما يعتبر تسريب المراسلات الشخصية سبقاً صحفياً للجاريان والعربية فإنه لايجوز تضخيم أهمية هذه القناة من المراسلات على حساب قنوات أخرى أو تحليلات أخرى لم يتم الكشف عنها أو لايتم تداولها عبر حسابات بريد إلكتروني عام. من المجحف والسخيف القول أن بشار الأسد قد اعتمد وبشكل متعاظم على هذه المجموعة من المستشارين، الذين لا يعدون حلقة من المشجعين، لمجرد أنهم تواصلوا معه على بريده الإلكتروني الخاص. بما يتعلق بي، أؤكّد على أنني لم أكشف مكان أي صحفي، كما أنني لم أعرف مكان أي صحفي آخر في سوريا. لم ولن أخونَ أي زميل صحفي في حياتي.
رتب المستشارون الإعلاميون عملية الحصول على “فيًز” للعديد من الصحفيين الغربيين. رأيتهم يقومون بذلك لصحفيين فرنسيين وألمان وبلجيكيين وإنجليز يعملون في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية. ولايشوب ذلك من عيب. بعض أولئك الصحفيين تمت مرافقتهم إلى أجزاء متعددة من سوريا من قبل أفراد الأمن ومستشارين إعلاميين كما لو أن قصصهم كانت مرتبة مهيأة لهم. لقد شاهدت ذلك بنفسي وأرى أنه تصرف إشكالي من الناحية المهنية. لم يتعرض أي أحد ممن كتبت عنهم من أي طرف لأي مضايقة أو نتائج سلبية للقائي به.
مقالاتي عن سوريا لم تكن مؤيدة أو معارضة للنظام. منذ البداية اتهمني معارضو النظام بأنني عميل له كما اتهمني المؤيدون بأنني أخدم مصالح قطر والسعودية وأمريكا. هذه الاتهامات هي محض افتراء ولطالما ترفعت عن الإجابة عليها. كان هدفي هو تقديم وصف أنثربولوجي لانحدار سوريا باتجاه الحرب الأهلية لكي يفهم الناس ما يحدث على الأرض هناك. كلي فخر بما أنجزته من عمل في تغطيتي لسوريا واعتقادي الشخصي أنه يفوق أي شيء كتبته من قبل. ما قدمته هو توصيف منصف بعيون مفتوحة خالٍ من أي تمجيد أو تضخيم لأي جهة كانت؛ هو في الوقت ذاته توصيف عاقل موضوعي وإنساني متعاطف مع محنة الذين قابلتهم.
هناك من تفضل علي بافتراض حسن النية أو البراءة. لأولئك أقول لست بحاجة هكذا موقف. عملي الصحفي في فلسطين والعراق واليمن وسوريا وأفغانستان وغيرها يشهد علي كما يشهد علي عملي لدى منظمة Human Rights Watch و Refugee International و الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات. أما بالنسبة لأولئك الذين كالوا لي هذه الاتهامات المغرضة فلن أفترض حسن نيتهم أبداً بمن فيهم من اتهمني حديثاً بالعمالة للطالبان. هذه الاتهامات فضلاً عن كونها غير مسؤولة هي اتهامات مدفوعة سياسياً ويقف وراءها أعدائي في الأيديولوجيا والتفكير. قد بدأت الاتصال بمحامي لتحري إمكانية مقاضاتهم بتهمة التشهير. أما المتابعون الآخرون فعليهم أن يحمدوا الله على وجود أناس مستعدين للتضحية بحياتهم لنقل الحقيقة وواقع ما يحدث في مشارق ومغارب المعمورة وفي ظل ظروف غاية في الخطر وأن يدعو الله أن يحمينا أثناء القيام بهذا العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى