صفحات سورية

رد على ياسين الحاج صالح

 


باسم خزام

أستاذ ياسين

لم أستغرب ردك اللطيف الهادئ لأنني أعرف تماما لمن أتوجه.. وأشكرك على ردك المفعم بالتواضع والصدق..

أنا أتوجه بساطة إلى كاتب له تأثير على الآخرين.. في وقت أعرف فيه أنه من المستحيل أن تسمع السلطة كلامي خصوصا في هذا الوقت المجنون لأسباب نعرفها جميعا.. لقد خاطبت من قد يستمع لمواطنٍ ما في هذه الظروف العصيبة..

وكما سألتك وأجبتني .. سأبادلك الصدق بالصدق وأجيب على أسئلتك بشكل محدد.. قدر استطاعتي

أنا تعرفت على ياسين الحاج صالح مؤخرا . أي منذ أشهر واستطعت خلال هذه الفترة أن أتعرف بشكل مقبول على كتاباتك.. ولا أدعي قراءتي لها كلها فهي كثيرة.. ولكن من خلالها أدركت أنك الكاتب الوطني القريب من الشعب.. تعاطفت مع تجربتك الشخصية.. لا أعرف أسبابها تفاصيلها تماما.. لكنني أدين اعتقال السلطة للمثقفين على مجرد رأيهم .. وأومن بحرية الكلمة..

أنا يا سيدي لا أعتبر نفسي أنني أمثل موالي النظام ولا المعارضة بالطبع.. بل أمثل صوت كثيرين كما أعتقد ، ممن لا يوافقون على ممارسات النظام القمعية ولا يصدقون الطابع السلمي المبالغ في تسويقه للمظاهرات .. ورغم أن كفة العنف تنحاز بوضوع لصالح النظام.. وهو اختار الطريقة الأسوأ في الحل.. إلا أنني أدعو المتظاهرين للهدوء أكثر مما أدعو النظام.. لأنه مع النظام.. أنا أرى.. لا حول ولا قوه.. ولا يمكنني التأثير عليه مطلقا.

معاذ الله يا سيدي الكريم أن أشكك في وطنيتك.. ومن أنا؟ ليس الأمر كذلك.. لكنني طلبت منك توضيح جزء من موقفك لم يكن واضحا لي.. ليكون الجميع على بينة من موقفك ككاتب مهم على الخارطة السورية.. ملتمسا في ذلك رؤيتك للحل.. حل لا نرى الآن بوادر له للأسف من أي من الأطراف.. في حين أن الامور تذهب باتجاه مزيد من العنف ومزيد من انشقاق لا تحمد عقباه في الشارع السوري

أما سبب عدم توازني في انتقاد النظام والمتظاهرين فهو بالإضافة لما أسلفت ذكره يعود لأسباب أرجو أن تكون معلومة دون أن أضطر لقولها. وهنا أعترف لك بصحة ما سقته تجاهي في هذه النقطة.. وأنا في ذلك مثلي مثل كثيرين..

أنا لست ناشطا سياسيا.. ولا كاتبا.. لكني مثلك لا أستطيع أن أنأى بنفسي عما يحدث في بلدي.. في حين لا أعدو أن أكون مواطنا عاديا رأيت من واجبي جر من أستطيع جره إلى التعبير عن رؤيته للحل.. وإلزامه بتوضيح موقفه.. وأعترف أن توجهي لطرف واحد ليس عادلا.. لكنه أكثر ما يمكنني فعله من موقعي المتواضع..

سأجيب فيما يلي عن أسئلتك لي:

لا ليس كثيرا أن تدعو للخروج من دائرة العنف والتفرقة إلى دائرة السياسة والمواطنة المتساوية..بل أضم صوتي إلى صوتك وأؤكد أيضا أن ذلك يجب أن يتم في إطار حل توافقي تفاوضي…. وإن لم يكن صوتي مسموعا كما صوتك..

بالطبع لست موافقا على كل ما أورته عن نظام الحزب الواحد وسلطان الأجهزة الامنية كلية الحصانة والحكم الأبدي وإهانة السوريين واحتقارهم .. وأقول أن هذا غير مقبول إنسانيا ووطنيا وينبغي أن يتغير.. لكن في إطار سلمي تفاوضي يجنبنا الدم والانشقاق طويل الأمد..هذا الإطار غائب كليا عن الساحة في هذه الأيام.. لكني أرى أنه حتى وإن كان النظام غير مستعد للتفاوض في هذه النقطة .. فلا حل غير مزيد من التفاوض السلمي.. لا حل غير هذا. فما نراه من قتل ونزعات طائفية بدت واضحة يجعل الوضع مخيفا.. ولا أتفق مع من يقول أن النظام هو من بث عن عمد هذه النزعات .. فهذا النظام وعلى الرغم من كثير من الممارسات الخاطئة إلا أنه امتاز بحد أدنى من البعد الوطني ينكره جميع المعارضين عندما يتناولونه، ذلك في إطار حالة تهميش الآخر التي يتبناها جميع السوريين بما فيهم موقف الموالين من المعارضين وطريقتهم في تفنيد حججهم وتجاهل المنطقي والحقيقي منها..

أنا أعتقد أنه إذا رأى المعارضون والمتظاهرون الصورة الكلية للنظام بكل ما تحويه من سلبيات لكن مع رؤية الإيجابيات أيضا.. فإنهم سيجنحون لحل بالتوافق والحوار .. وأعتقد أن النظام مستعد له فعلا لكن عند توقف الاحتجاجات.. فهو لا يستجيب تحت الضغط حتى لو ذهب موقفه في ذلك أبعد مذهب..

هنا يتضح أنني أتبنى دعوة السيد بسام القاضي.. في طلب التهدئة من المتظاهرين وإفساح المجال للنظام ليرد دون ضغط.. ونرى.. بل أكثر من ذلك.. أعتقد أن مهلة شهرين هي المهلة المنطقية بدل عن أسبوعين.. كل هذا شرط إطلاق الموقوفين في الأحداث الاخيرة.. ودون اعتقال أحد من المتظاهرين السلميين خلال هذه الفترة

أوافقك تماما في أن العنف والطائفيان محرمان وطنيا دون التمييز بين الأطراف… العنف محرم من الجميع ضد الجميع كذلك كل النزعات الطائفية..

لست ممن لم ينتقدوا النظام يوما. ولست ممن لم يتعاطف مع المعارضة المسحوقة يوما.. على العكس.. لكن للأسف ليس لي كتابات ومقالات لأستشهد بها الآن.. فأنا كما أسلفت مواطن عادي ولست كاتبا .. لكن معك حق.. فأنا وإن كان موقفي عادلا من وجهة نظري فإن صوتي ليس عادلا تماما..لأسباب أنا متأكد أنك تعرفها..

أعتذر فعلا.. فقد كان كلامي قاسيا بشهادة أصدقائي .. لكن تأكد سيدي بأني لست في وارد امتحان وطنيتك مطلقا ولست أعطي نفسي هذا الحق.. وأشهد أنك أرفع بكثير ممن يحتاج لإثبات وطنيته .. على العكس أعتبرك رمزا وطنيا يستحق الإعجاب والتقدير.. ويؤسفني ويحزنني حقا أن تضطر لمغادرة منزلك بسبب كتاباتك.. وأنا واثق أن سوريا كلها ستعوضك عن ذلك يوما ما.. وستفخر لنفسها بك .. فأنت صوت حق حر .. وأتمنى أن تعني لك شهادتي شيئا ما

أعتقد أنك ظلمتني في دعوتك لي لتصفية قلبي تجاه مواطني.. ووضع نفسي مكان الآخر.. فقد صورتني بصورة لست عليها.. أنا يا سيدي ككثير من السوريين.. أنزف من جراح أهلي في درعا ودوما واللاذقية وبانياس وفي كل الاماكن.. ومن جراح عناصر الامن والجيش أيضا.. سوريا طائفتي ولا طائفة لي غيرها.. ومن يطلق النار ومن يقتل ومن ويجرح ومن يعتقل ومن يتألم هم أخوتي.. وكل ما أريده أن يتوقف كل هذا..

ختاما .. حسبي أنني جعلتك تكتب ما تكتب ليكون رسالة تعبر عن موقفك ليس لي فقط بل للجميع .. وأعتقد فعلا أني فعلت خيرا بطلب هذا منك.. فالجميع بحاجة لتبيان موقفك من هذه الاحداث الاخيرة.. باعتبارك من أنت.. وكنت صاحب الفضل الكبير في ردك الصادق والمتواضع.. فشكرا لك..

وجهة نظر إلى السيد ياسين الحاج صالح

تعليق على رسالة باسم خزام

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى