صفحات سورية

رسالة من مواطن عادي إلى الرئيس بشار الأسد

 


أحمد بسمار

يا سيادة الرئيس

استمعت إلى خطابك بكامله هذا اليوم من التلفزيون السوري, والذي تترأس وتوجه فيه مجلس الوزراء الجديد, وفي نفس الوقت إلى الشعب السوري, المعارض منه والمـؤيـد.

استمعت إليك لا كسوري المولد فقط, إنما كإنسان عادي, فولتيري المبدأ والمعتقد السياسي. يعني يجب الاستماع إليك واحترام ما تقول وما تريد إيصاله مما تعتقد وتؤمن. ومما لا شك فيه أنك تعتقد وتؤمن بما تقول, وتريد إيصاله إلى الشعب السوري, وخاصة إلى الجزء الكبير منه, وإلى القسم الكبير الصامت, والذي عادة لم يكن له أي رأي. وخاصة أن مجمل هذا الشعب بكامله, وحتى من يطالبون بالحرية والديمقراطية, لا يعرفون أي معنى حقيقي لهذين المطلبين. لأن هذا الشعب الطيب الأمين لم يمارس في أي يوم أية ديمقراطية أو أية حرية. وأكثر هذا الشعب يصدق ما تقول, ما عدا آلاف القابعين في السجون ومئات آلاف المهجرين لأسباب معيشية أو هربا من تعسف قواتك الأمنية وأجهزة المخابرات المختلفة, والتي لا مثيل لها لا في العالم العربي, ولا في أي عالم آخر, في مجالات البطش والترهيب والتنكيل…

أنا لا أشك برغبتك الصادقة بالإصلاح. إذن لماذا لا تبدأ من هذه الخطوة الطبيعية, بما تملك من سلطة. لماذا لا تلغي ـ نهائيا ـ جميع هذه الأجهزة المخابراتية التي لم تستعمل أبدا لحماية سوريا من أعدائها؟.. ومن هم أعداؤها اليوم؟؟؟ هل الشعب السوري هو عدو وطنه, حتى تنكل بـه هذه الأجهزة المتعددة من عشرات الستين حتى اليوم.. وخاصة من يوم وصول والدك إلى السلطة, وتتابعت بعد وصولك أنت, بعلمك أو غير علمك بالتنكيل والبطش بدءا من المواطن العادي وانتهاء بغالب أفراد الأنتليجنسيا السورية وكل من يبدو منه أية بادرة تفكير أو رأي حـر أو اعتراض بسيط على وجود حـزب البعث أو ما تبقت من هياكله المهترئة للرقابة والنفوذ, غالبا عائليا وعشائريا, في غالب سراديب السلطة وما أنتجته من مافيات فساد اخطبوطية.

تحدثت يا سيادة الرئيس عن الفساد الروتيني العادي لدى الموظفيين العاديين أصحاب الرواتب الهزيلة, والذين تركت لهم أساليب الفساد الهرمي الاستفادة من فضلات المائدة. ولكنك تجنبت عن قصد أو لسبب آخر أن تحدثنا عن الحيتان الكبار الذين يشفطون الأخضر واليابس ودماء هذا البلد. لم تحدثنا عنهم وبينهم أقرب المقربين لك عشائريا وعائليا ووراثيا وحماية مقربة…

مع كل هذا أؤمن أنك ترغب بالإصلاح نظرا لثقافتك الأنكلوسكسونية, ولسنين الدراسة واحتكاكك بالمجتمع الديمقراطي البريطاني. ولكن بعد وجودك إحدى عشر سنة على رأس أتــخ سلطة بيروقراطية متعبة, لا ارى ولم أر أيـة بادرة تغيير إيجابية أو سلطوية, ما عدا بعض الظواهر الشعبية المحببة لدى الشعب البسيط, كظهورك في المطاعم مع زوجتك وأولادك متقربا من الشعب.

ولكن كل هذا لم يقربك إلى قلب الحقائق, ولم يغير أي شيء من الفساد الكبير الإداري والمؤسساتي الرهيب الذي يسبي هذا البلد بشكل منظم محمي من أكبر جنرالاتك ووزرائك وكبار السؤولين البعثيين. لم يغير أي شيء من وضع المساجين الساسيين الذين يتخون في السجون بلا أية محاكمة عادلة من عشرات السنين, وبينهم مفكرون شرفاء يحبون هذا البلد مثلك ومثلي. ووجودهم خارج السجون وصدق كلامهم لا يشكل أي خطر حقيقي سوى على الحيتان والقراصنة التي تسبي البلد وحرياته الطبيعية الإنسانية. لماذا لا تحيط نفسك بشرفاء حقيقيين أنقياء, لا شائبة في تاريخهم سوى حب البلد. مفكرون علمانيون, بلا تعصب طائفي أو عرقي أو سياسي. لأن البلد بحاجة إلى إصلاح تنظيفي شامل من قاعدة الهرم حتى قمته. تنظيف كـارشـر إداري اجتماعي تنظيمي.. وخاصة دستوري وسياسي… وأنت وحدك بشجاعتك الفردية وبأسرع ما يمكن, باستطاعتك أن تجلب مما تبقى من حماية الشعب لك من الحيتان التي يفكر البعض أنها تعرقل عمدا ومن يوم وصولك إلى السلطة أية محاولة إصلاح حقيقية, ترغب فعلها بكل نية طيبة منك.

لقد قبلت السلطة من إحدى عشر سنة وتعهدت أن تكون وفيا لهذا الشعب الذي أحبك ومنحك أكبر طاقة من الثقة. ولكن هذا الشعب تعب من الوعود العرقوبية ومن الخطابات الخشبيةالتي تتردد يوميا في إعلامك الرسمي, وتحولت إلى تـأليه غير معقول في أي بلد متحضر.

الشعب السوري يريد اليوم أن يعيش كما تعيش جميع الشعوب المتحضرة, في ظل حكومة دستورية آمنة, برقابة برلمان حـر منتخب, وإعلام حـر حقيقي متعدد, يشكل قوة التعادل الثالثة, لنشر وتعليم ديمقراطية وحرية حقيقية, بدون وزارة إعلام لا شغل لها سوى تقييد حرية الثقافة الإعلامية, والقيام بدور بوق السلطة البيروقراطية.

هذا دورك اليوم يا سيادة رئيس الجمهورية. ليس الشعب السوري وحده الذي يتطلع إليك منتظرا الحلول الحقيقية الصادقة. إنما العالم كله.. وغالبا عيون متربصة.. تأمل تفجير الفتنة الطائفية.. مما يعني خراب البلد وتصحيره..آمل منك كل الحكمة والذكاء والقوة, حتى يتجنب هذا البلد الحضاري, والذي لا يشبه أي بلد آخر, الخلافات الطائفية التي يرغب تجار الفتنة والفتاوى العجيبة أن نقع فيها.. حيث لا رجعة…

وأنا واثق أنك أسمى من كل هذا…

متمنيا لك كل الحكمة الضرورية والشجاعة.. بالانـتـظـار…

أقدم لك يا سيادة الرئيس أطيب تحياتي المهذبة.

أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الواسعة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى