صفحات سورية

رهانات النظام السوري الخاطئة


علي الأمين السويد

بعد ستة أشهر من استفراد النظام الديكتاتوري “التاريخي” بالشعب السوري الأعزل وولوغه في دماء أبرياءه حملة الياسمين و حملة لواء الحرية، توجهتُ إلى مناضلٍ من أصحاب القلم و الحنجرة و قائد يحمل الياسمين سلاحاً، الياسمين الذي أغرقه بشار الأسد و عصابته بدماء الشباب السوري الزكية، توجهت له بالسؤال الذي لا بدَّ و أن يُطرح في لحظةٍ ما، سؤالٌ مفصلي يدور في خَلَدِ أي سوري تذوق طعم الحرية، سؤالٌ بات يقضُّ مضجع كل سوري صرخ بــ”بالموت ولا المذلة”، سؤال يقول:”إذا وصلت الأمور بك مع النظام المجرم في سورية والمحتل لها إلى حتمية أن تختار بين أن يحكمنا بشار أو أن نطلب تدخلاً أجنبياً، فماذا تختار؟”

صمت طويلاً، ثم احمرَّت عيناه و لمعت، وقال:”إذا وصلت الأمور لهذا الحد، فسنطلب تدخل إسرائيل لحمايتنا ولن ندع بشار يحكمنا ليقتلنا وليبصق على جثثنا كوننا حفنة من الجراثيم كما فعل أبوه من قبله.”

حقاً، فالإنسان يعيش مرةً واحدةً و يموت مرةً واحدةً، فلماذا لا يعيش حياته حراً قبل مماته؟ وبشار يقتل بدم بارد كأنه يقتل جرذاناً و لا يعتذر عن قتل الأبرياء، و الأجنبي يقتل كتائب رعاع الطغاة، ويقتل الأبرياء ولكنهم يعتذرون عن قتلهم الأبرياء و يقرون بخطئهم، فلماذا لا أفضِّل الطرف المتواضع الذي إن لم يقتلني، خدمني ونصرني على متكبر يخطط لقتلي عاجلاً أم آجلاً، ولن يعتذر؟

سيقول المنحبكجية متفذلكين بالقول أن الأجنبي إذا دخل البلاد، سيسرق ثرواتها. والجواب على هذه المعضلة السخيفة بأن الثروات التي يتحدثون عنها غير موجودة على أرض الواقع لأنها في جيوب آل الأسد، فما مبعث القلق على كنوز مسروقة وميئوس من رجوعها للشعب أصلاً؟

سيقول المنحبكجية أن الأجنبي إذا دخل سورية سيذل شعبها! ولكن هل ذل بشار للشعب السوري أكرم عليه من ذل الأجنبي؟ وهل للذل أنواع، أصلي أو تقليدي، صيني أو أمريكي، قليل أو كثير؟ الذل ذل أيها المصابون بـ “لازمة ستوكهولم”، ولعلمكم فقد قالت العرب:” وظلم ذوي القربى اشد …. على المرء من وقع الحسام المهند”، فالميتة ظلماً بسيف أجنبي أهون على المرء من الموت ظلماً برصاصٍ يدفع ثمنه هو.

لقد حشر النظام أحرار سورية في الزاوية، على حدِّ فهمه المتواضع، ولكن ليس بذكائه و شرفه، و إنما بإخلاص و شفافية أحرار سورية أنفسهم، فهم الذين ساعدوا النظام على الإستفراس و التوحش والاستئساد عليهم بالرغم من أنهم رفضوا الطائفية حقيقةً في حين أن النظام يختبئ خلف الطائفية و يتستر بها، و بالرغم من أنهم رفضوا التدخل الأجنبي بكافة أشكاله في حين أن الأسد لم يوجد و لم يستمر لولا التدخل الأجنبي، و الشواهد كثيرة.

ففي الفترة التي سبقت موت الأسد الأب و الفترة بعدها أقرت أمريكا تشجيعها لانتقال سلمي للسلطة من الأب إلى الابن. و ها هي إيران أعلنتها صريحة غير ذي مرة بأن الشأن السوري هو شأن إيراني داخلي و قد ترجمت أقوالها إلى أفعال بإرسال أسلحة للنظام السوري لقتل الشعب و أرسلت الأموال لإنقاذ ربيبهم.

و ها هي تركيا تعلن أن الشأن السوري شأنٌ تركي داخلي وقد ترجمت هذه المقولة باحتجاز المهجَّرين السوريين على أراضيها بأيد ظاهرها الحنان و باطنها سم الزعاف، و الدليل عدم السماح للمُهجَّرين بالتواصل إعلامياً مع العالم، وعدم السماح للمنظمات الإنسانية بالتدخل لمساعدتهم بشكل أوسع، و أخيراً عدم السماح لأهالي المخيمات بالتواصل مع بعضهم البعض. هلّا أخبرنا أحدٌ عن الفرق بين وضع المهجرين السوريين و الأسرى؟

لقد فُجع الشعب السوري المسكين و الذي إلى أمدٍ قريب كان يظن أن بشاراً بشارٌ بالتحديث و التغيير و الازدهار، فصدم به صدمة العاشق بخيانة محبوبته له، فظهر “بشارٌ هذا” على حقيقته مجرد عباسٌ و همام بالقتل و الاغتصاب و التدمير والسلب و النهب و بغض التغيير.

و كل ذلك الإجرام يُمارس عليهم فقط لأنهم جعلوا من ثورتهم سلمية، و لا يريدون تدخلاً أجنبياً و مع ذلك فالأسد يتهمهم بأنهم مسلحين بدليل أنهم يستخدمون هواتف محمولة و يركبون حافلات ويشاهدون قناة الجزيرة، و يقول عنهم أنهم طائفيون و تقسيميون، و شيطانيون وهو الطائفي و التقسيمي و الشيطاني و نسي أن الشعب يعرف مقولة:”كل إناء مما فيه ينضح.”

على ما يبدو أن بشار الأسد يعيش أحلام يقظة القذافي الآن، و ربما يعتقد أنه سيستطيع يوماً ما أن يضع قدمه في حلوق الشعب السوري و أنه سيجعلهم يوحدونه بدل الله. ومن المؤكد أنه قرر قتل الشعب السوري خوفاً من المذلة، فهو قد استوعب الدرس، و عرف أنه إلى المزبلة سائرٌ بفعله لا محالة وقد انغمس بمذلة الكذب و تورط بالقتل مثل أبيه فقرر هو الآخر الموت ولا المذلة . غير أنه لا يعلم أن الشعب هو المنتصر في النهاية، ألم يقل أبوه الخالد بجرائمه” قوتان لا تقهران: قوة الله وقوة الشعب”؟ فكيف لهذا الضلِّيل أن يحارب هاتين القوتين، و أن يحلم بالنصر؟ فقد حارب الله بتسفيه الإسلام و المسلمين حين طلب من معارضيه أن ينطقوا بتوحيده بدل توحيد الله، وهو يحارب الشعب ويقتله بدمٍ بارد. علماً أنني شخصياً أظن أن الأب البائد كان يقصد نفسه حين ذكر الله.

إن هذا الشعب يأبى إلا أن يكون القوة التي لا تقهر ولو كلّف الأمر استشهاد الملايين، و لو كلف الأمر طلب حماية المجتمع الدولي، ولو كلف الأمر التعامل مع الشيطان من أجل تحقيق الحرية، فالحرية تساوي الحياة والعبودية تساوي الموت، فلا يظنن بشار أنه سيقتل الشعب أو أنه سيستعبده، فالشعب لم يكن يوما ساذجاً ولكن “كان” صبورا و ما زال حكيماً و إنما للصبر حدود و قد شارف الصبر على تخطي كل الحدود.

ولم يكن الشعب يوماً عبداً وقد ولد حراً يتغنى بعزيمته الأحرار.

وإن كانت مليشيات بشار الأسد قد كتبت على جدران المحال التي نهبوها:” الأسد أو لا أحد” فالشعب السوري الأبي كتب بدمه” سورية بلا بشار الأسد أو لا أحد” و “الموت ولا المذلة” و “الشعب يريد إعدام الرئيس”. فإن كانت رهانات بشار على صبر الشعب السوري على الذبح و المذلة، فلا بد أن يكتشف سريعاً أنه مقامرٌ فاشلٌ، و لا بد له أن يصحو من غفلته ولكن لحسن الحظ أنها ستكون صحوة الموت ليس إلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى