بكر صدقيصفحات سورية

روسيا لا تعرف كيف ستتطور الأمور في سوريا!/ بكر صدقي

 

 

نعم، هي روسيا نفسها التي عرفت، بعد دقائق من المجزرة الكيميائية في دوما، أن النظام لم يفعلها.. وأن الإرهابيين يملكون مستودعات مملوءة بالغازات السامة في دوما، عثرت عليها الشرطة العسكرية الروسية فور انسحاب جيش الإسلام منها.

روسيا تعرف أن السلاح الكيماوي لم يستخدم على الإطلاق في دوما، لذلك فقد استخدمت، في مجلس الأمن، حق النقض لإفشال مشروع قرار يقضي بتشكيل لجنة تحقيق بشأن ضرب دوما بالسلاح الكيماوي. وبدلاً من ذلك فقد دعت موسكو، الواثقة من براءة النظام الكيماوي، مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لزيارة دوما فوراً والتأكد من أن السلاح الكيماوي لم يستخدم في دوما.

وبالفعل أرسلت المنظمة الدولية مفتشيها للتحقق مما إذا كان هناك في دوما آثار وأدلة على استخدام السلاح الكيماوي، بصرف النظر عمن يكون الفاعل (فهذا ليس من صلاحياتها). لكن وفد المنظمة لم يتمكن من الوصول إلى دوما طوال أسبوعين. وفي أكثر من محاولة للتقدم إلى هناك، تم إطلاق النار على موكبهم، أو تم تفجير سيارات مفخخة، أجبرتهم على العودة إلى الفندق الذي يقيمون فيه.

وفي الفندق، عرض عليهم النظام أن يأتيهم بشهود يؤكدون لهم عدم استخدام السلاح الكيماوي في دوما. وما الداعي لتنكب مشقات الطريق ومخاطره؟ نحن نأتيكم بما تطلبون إلى غرفكم المكيفة. نشتغل من أجلكم “خدمة غرف”. واجبنا أن نسهر على راحتكم.

وإذ رفض المفتشون هذا العرض السخي، تطوع التلفزيون الروسي بعرض شهادات شهود أكدت الرواية الروسية التي تنكر أي استخدام للسلاح الكيماوي في دوما.

كل العملية كانت مفبركة أصلاً من الدول الغربية التي قامت بضربتها الثلاثية لمواقع تابعة للنظام عقاباً له على جريمة لم يرتكبها قط. كيف تمت فبركة هذه القصة لتبرير ضرب النظام البريء؟ كما يلي:

زودت بريطانيا الخوذ البيضاء بالمواد والمعدات اللازمة لتصوير فيلم من نوع “الخيال العلمي” يصور آثار قصف النظام لدوما بالسلاح الكيماوي، أطفال يموتون أمام الكاميرات الاحترافية وعلى وجوههم وأجسادهم الآثار المعروفة للإصابة بالغازات السامة، الكلورين والسارين. لماذا بريطانيا؟ لأنها صاحبة سوابق: فهي التي سممت الجاسوس الروسي المزدوج في سالزبوري، واتهمت روسيا بالجريمة! إذن هي التي دفعت مبالغ طائلة لإرهابيي “لواء الخوذ البيضاء” لقاء فبركة الفيلم. روسيا تعرف جيداً تفاصيل هذه المؤامرة الخبيثة.

روسيا تعرف كل شيء. تعرف ما هي مصلحة السوريين أكثر من السوريين أنفسهم، وخلاصتها أن الحل في سوريا لن يكون إلا سلمياً. لذلك فإن طائراتها الحربية لم تعرف الراحة في سوريا، منذ أيلول 2015، ولذلك جرب فلاديمير بوتين كل أنواع أسلحته، بما في ذلك “القوات الجوية والفضائية”! ليجمع في سوتشي مؤتمر أمم سوريا وشعوبها وفنانيها ورجال دينها ودنياها، ليضعوا دستوراً لسوريا الغد التي ستنعم بالسلام الأبدي كصحراء الربع الخالي.

كان الأمر على وشك أن يتم. كان السوريون قد توصلوا إلى الحل السلمي المنشود تحت المظلة الحانية لروسيا، حين خرج عليهم ثالوث الشر، واشنطن ولندن وباريس، بأكذوبة استخدام النظام للسلاح الكيماوي في دوما. وقد أصدروا حكمهم قبل إجراء تحقيق يؤكد أو ينفي ما حدث، واعتدوا على سوريا الآمنة، في خرق فاضح للأعراف والقوانين الدولية. مع أن روسيا أبلغتهم بالحقيقة التي تعرفها معرفة اليقين: لم يستخدم الكيماوي قط في دوما!

روسيا تعرف كل شيء. لكنها لا تعرف ما الذي سيحل بسوريا. هذا ما قاله، أخيراً، سيرغي رياباكوف، نائب وزير الخارجية الروسي. كأنه يتحدث عن الأرجنتين، لا عن سوريا التي تقاتل فيها القوات الروسية منذ سنتين ونصف. وكأن روسيا لا تقود تحالفاً ثلاثياً، يضم إليها كلاً من إيران وتركيا، يعمل بصورة منفردة على تقرير مصير سوريا، فيقسم أراضيها إلى مناطق خفض تصعيد، راحت تفرغ من سكانها تباعاً لشدة التصعيد من جانب واحد. كأنها ليست هي من يفاوض الفصائل المسلحة لتسليم سلاحها والانسحاب إلى الشمال، وليست هي من يسمح لتركيا باجتياح منطقة عفرين وإدارة منطقة درع الفرات، ولإسرائيل بضرب مواقع الحرس الثوري وحزب الله ومختلف تشكيلات المقاتلين الشيعة، والمطارات العسكرية والدفاعات الجوية كلما ارتأى الإسرائيلي ضرورة لذلك.

رياباكوف لا يعرف، إذن، كيف ستتطور الأمور في سوريا، وهل سيبقى هذا البلد موحداً أم لا. مع أن روسيا تعرف كل شيء.

أراد بوتين، من تدخله العسكري في سوريا، أن تعود روسيا تحت حكمه دولة عظمى يحسب لها العالم حساباً. لكنها تثبت بأداء سياسييها ودبلوماسييها، كل يوم، أنها دولة صغرى شديدة الصغار. تتصرف كبلطجي كذاب، وتتوقع من الآخرين أن يصدقوها ويحملوها على محمل الجد.

ولكن ما الذي يشجع روسيا بوتين على التصرف والكلام على هذا النحو البعثي؟

حين يكون على رأس الولايات المتحدة شخص كدونالد ترامب، فما المانع من التصرف مثل بشار الكيماوي؟ إذا كان رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم يمارس “دبلوماسية التغريدات” على ما قال لافروف بحق، فلا شيء يمنع دبلوماسيي روسيا من الكذب مثل وليد المعلم وبثينة شعبان.

تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى