صفحات العالم

روسيا وأميركا على خط المواجهة/ مكسيم سوتشكوف

 

 

 

تدرج حوادث ريف دير الزور خلال الأسبوع الأول من شباط (فبراير) في سياق تفاقم الصراع السوري، على رغم أنها فصل جديد من المواجهة بين القوى الإقليمية والعالمية في سورية. طال أمد العملية التركية- وكان يفترض أن تكون خاطفة- ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين.

وضربت إسرائيل أهدافاً عسكرية في سورية تعود، وفق استخباراتها، إلى إيران. ويقول البنتاغون أن 500 من أنصار الأسد، هاجموا، في 7 شباط (فبراير) بدعم المدفعية والدبابات وقذائف الهاون، مقر «قوات سورية الديموقراطية» التي تدعمها أميركا في دير الزور».

أما الجانب السوري النظامي فيقول إنه في ذاك اليوم كانت قوات موالية للأسد تقوم بتطهير أحد المواقع من خلايا «داعش» النائمة. وتذهب رواية أخرى إلى أن القوات الموالية للحكومة حاولت الاستيلاء على مصفاة النفط في إقليم يسيطر عليه حلفاء أميركا.

ودار كلام كثير من الخبراء، ومنهم روس وأميركيون، على احتمال وجود روس في صفوف القوات الموالية للأسد التي هاجمتها القوات الأميركية. ويشير تحقيق أجراه «كونفليكت إنتليجنس تيم» إلى وجود 4 قتلى روس من مقاتلي الشركة العسكرية الخاصة، «فاغنر». ويؤكد العسكريون الأميركيون أنّ بلادهم أبلغت مسبقاً روسيا «قلقها من حركة قوات النظام في المنطقة» بواسطة قناة الاتصال الحالية بين القاعدة الجوية الروسية في حميميم وقاعدة العمليات الجوية الأميركية في قطر. وتصر موسكو على أن الرسالة الأميركية وردت بعد هجمات التحالف، ولكنها تقر بأن هجوم القوات الموالية للأسد لم يُنسق مع القيادة الروسية. ويرى الجانب الأميركي أن السبب الرئيسي وراء الحادث هو عدم سيطرة القيادة الروسية على بعض المجموعات الموالية للحكومة السورية، ويقول إن الحادث لم ينجم عن خلل تواصل في الخط الساخن بين البلدين. وشح المعلومات الموثوقة يولد افتراضات جريئة. ولكن من العسير تحديد ما وراء الضربة نفسها، في وقت تستسيغ موسكو وواشنطن عدم مناقشة تفاصيلها في العلن. ولكن أية محاولة للفهم متعذرة من دون فهم التناقضات الحالية بين البلدين.

وتواجه الولايات المتحدة حالياً ثلاثة تحديات رئيسة على الأقل: تسويغ وجودها العسكري في سورية وتوطيده؛ منع انتشار نفوذ إيران في المنطقة؛ وضمان استحالة «نصر الأسد الكامل»، مع تقليص مصادر الدخل إلى أدنى حد يضمن بقاءه في السلطة. وبلوغ هذه الأهداف هو جسر أميركا إلى نفوذ راجح في مفاوضات السلام وفي مرحلة ما بعد الحرب السورية، وإلى الإعداد لاحتواء إيران. وليس الهدفان موجهين ضد روسيا مباشرة، ولكن من المؤكد أنهما يخالفان المصالح الإقليمية الروسية في سورية.

وتتبع إدارة ترامب «سياسة في اتجاهين»: لا تكف، من جهة، عن الحديث عن المصالح المشتركة بين البلدين في استقرار سورية وإدراك الطرفين طبيعة التحديات الأمنية التي تواجه موسكو وواشنطن معاً. ومن ناحية أخرى، تحاول إرساء مسارها الخاص. والحق يقال ليس للوجود العسكري الأميركي في سورية شرعية دولية أو حتى داخلية. ولكن أميركا لا تواجه أخطاراً دولية يعتد بها تثنيها عما تفعل. ولا يجرؤ أحد على الوقوف في وجه الجبروت الأميركي.

ولا شك في أن إستراتيجية احتواء إيران هي مشروع طويل الأمد، وستتعامل معه الإدارة الأميركية لسنوات مقبلة. ومع ذلك، لا تتراجع واشنطن عن توجيه فكرتين إلى موسكو – من طريق حلفاء إقليميين وغيرهم. ومفاد الرسالة الأميركية أن التأثير الإيراني في الشرق الأوسط يسمم الأمن الإقليمي- وموسكو تسعى إلى دعم استقراره-؛ وأن تعزيز قبضة طهران، ولو على الأمد المتوسط، يهدد المصالح الروسية في المنطقة.

لكن المسألة الأكثر أهمية هي السيطرة على البنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد السوري – في شكل مباشر أو من خلال تشكيلات عربية- كردية منضوية في «قوات سورية الديموقراطية». وهذا قد يكون سبباً فعلياً للصراع العسكري. وأبرز أسباب الصراع في دير الزور هو السعي إلى السيطرة على حقل نفطي. حادثة السابع من شباط- قضية استئنائية، ولكن ذات دلالات. ويبدو أن الجيش الأميركي كان على قناعة بأنه يرسم «خطه الأحمر» (المحظور) من دون أي عواقب عسكرية أو سياسية خطيرة. فضربته لا تؤثر تأثيراً مباشراً في روسيا. ومع ذلك، حادثة دير الزرو تقربنا خطوة إضافية من صراع بين القوى العظمى لا تحمد عقباه. وتريد موسكو وواشنطن تجنب مثل هذا الاشتباك.

وربما، لهذا السبب تحديداً، تنتشر الأنباء عن هذه الحوادث بسرعة في دوائر العلن، على رغم أن في الأمر مفارقة: الجمع بين كتم التفاصيل والإعلان عن الحادثة في آن معاً. والإعلان عنها يرمي إلى تفادي تكرارها قدر الإمكان، والحد من مستوى خطر تصرفات الخصم.

وتفتقر موسكو إلى دالة أو تأثير في سياسات واشنطن. والافتقار إلى الدالة هذه متبادل. فواشنطن لا يسعها التأثير الفعال في سياسات الكرملين. وشارف الطرفان فعلاً على الانزلاق إلى الخطر. واليوم، بعدما سُحق «داعش»، يبرز الشقاق في مصالح القوى الكبرى. وروسيا والولايات المتحدة أمام مفترق طرق: إما التصعيد المستمر إلى ما بعد «الخط الأحمر» وإما البدء في البحث عن الحلول المشتركة.

* خبير في العلاقات الدولية، عن موقع «أر به كا» الروسي، 13/2/2018، إعداد علي شرف الدين

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى