زين الشاميصفحات سورية

رياض سيف … انتبهوا إلى هذا «الزعيم» السوري القادم

زين الشامي

وجهت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون انتقادات لاذعة إلى المعارضة السورية ومنها المجلس الوطني، وتحدثت عن دعمها لإطار وهيئة جديدة تضم طيفا اوسع واشمل من المعارضين السوريين، وهي المهمة التي لم يستطع المجلس الوطني انجازها مرة واحدة رغم أنه تحدث عنها عشرات المرات. ويبدو ان الإدارة الاميركية رأت في رياض سيف، عضو مجلس الشعب السابق عن دمشق، وأحد أبرز منتقدي النظام، الشخصية الجامعة التي تتمتع بالمصداقية والتي يمكن الاتكال عليها في توحيد المعارضة السورية اليوم كخطوة ضرورية لسد أي فراغ سياسي قد ينشأ في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو الامر الذي تعتبره الإدارة الاميركية مجرد مسألة وقت.

لا ينتمي رياض سيف، أو حتى هو ذاته يدعي ذلك، إلى طبقة المثقفين السوريين وغالبيتهم من اصول يسارية وعرفوا انتماءات حزبية موزعة بين الاحزاب الشيوعية والناصرية والقومية وما إلى ذلك. هو رجل مختلف تماما عن هذه الشريحة، ليست له القدرة على مجاراتها في التنظير السياسي والفلسفي ولا يحمل أيضا امراضها وعلاتها وهي علات وامراض مجمل الاحزاب القومية واليسارية العربية.

لقد دخل رياض سيف معترك الحياة السياسية منتصف التسعينات حين قرر خوض انتخابات مجلس الشعب عن مدينة دمشق عن فئة المستقلين، ووقت ذاك كانت سورية تحت حكم حزب البعث والرئيس حافظ الاسد قد افسحت هامشا ضيقا لرجال الاعمال والقطاع الخاص بحكم المتغيرات الدولية والاقليمية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنه الهامش الذي سيبقى تحت مراقبة واشراف المؤسسات الامنية بحيث لا يسمح بالترشح لشخص معارض للنظام او له سجل بمعاداة النظام. في ذلك الوقت لم يكن رياض سيف رجلا سياسيا معارضا بل صناعيا معروفا في دمشق وعلى المستوى الوطني، وهو ينتمي لعائلة دمشقية «ميدانية» محافظة ومعروفة بنجاحاتها التجارية وتميزها في مجال صناعة المنسوجات.

عندما قرر رياض سيف خوض تلك الانتخابات كان يستند على شعبية هائلة بحكم ملكيته لعدد من المصانع ولعل ابرزها مصانع شركة «اديداس» للمنتجات الرياضية في سورية.

في ذلك الوقت تسنى لي ان أكون قريبا من هذه التجربة حيث عملت في ذلك المصنع عندما كنت طالبا في جامعة دمشق ولم ابدأ بعد حياتي المهنية كصحافي. هذه التجربة جعلتني اعرف رياض سيف عن قرب.

كان المصنع في ذلك الوقت من اوائل التسعينات تجربة نادرة ومميزة مقارنة بالواقع القائم في كل المصانع والشركات سواء منها التابعة للقطاع الخاص او التي تملكها الدولة.

كان مصنع «اديداس» الكائن في منطقة «صحنايا» جنوب دمشق، بمثابة حديقة كبيرة وعصرية الطراز تجمع كل الزهور السورية. هناك ترى كل السوريين بمختلف طوائفهم واديانهم واثنياتهم ومناطقهم، ويعاملون بمساواة كاملة ودون اي تمييز. في ذلك المصنع رأيت الدمشقيين والدمشقيات و«الحوارنة» والاكراد والفلسطينيين وابناء الساحل وابناء الطائفتين الاسماعيلية والدرزية وكذلك المسيحيين بكل طوائفهم يعملون هناك. فوق ذلك كانت الرواتب التي يتلقونها مجزية للغاية وكانوا يحصلون على امتيازات ومساعدات مالية في المناسبات الخاصة، كالزواج وحالات الوفاة او حتى من كان يرغب بشراء منزل. كذلك كان يتلقى العمال وجبات طعام مجانية وتتوفر لهم عيادات طبية داخل المصنع.

عندما بدأت العمل لم اكن اصدق اني في سورية، كنت اعتقد مثل غيري اننا في جزيرة اوروبية منعزلة عن محيطها السوري. وحين سمعت عن قرب رياض سيف يتكلم مخاطبا العمال والموظفين لديه، كنت للمرة الاولى في حياتي استمع للغة لم اكن معتادا عليها من قبل الصناعيين او رجال الاعمال او حتى السياسيين او مسؤولين حزب البعث الحاكم، كان هذا الرجل يتمتع بشخصية كارزمية جذابة.

عندما خاض رياض سيف انتخابات مجلس الشعب في ذلك الوقت، حصل على المركز الاول في دمشق عن فئة المستقلين، ويبدو ان اهل دمشق ومن يعيشون فيها ارادوا منح اصواتهم لرجل ناجح يثقون به ويعتقدون انه سيمثل حقوقهم ومصالحهم اليومية.

حين صار في مجلس الشعب، بدأ سيف ينغمس اكثر في الحياة السياسية على حساب شؤونه ومصالحه الاقتصادية، ويبدو ان احلامه وتصوراته عن سورية المستقبل وما يريدها ان تكون عليه قد اصطدمت بالواقع السياسي القائم، ويبدو انه ادرك بعد اعادة انتخابه لدورة ثانية عام 1998 وبعد العديد من «المعارك» في مجلس الشعب المتعلقة بالفساد وهيمنة الدولة على كل تفاصيل حياة السوريين انه كما الجميع محكوم لواقع لا يمكن القفز عليه او تجاوزه بسهولة، انه واقع سورية الدولة البوليسية ونظام حكم الفرد.

لكن ما كان لافتاً في هذه الفترة ان خطاب سيف اصطبغ بمزيد من الجرأة والنقد للاقتصاد والسياسة الاقتصادية. هنا يمكن القول انه دخل عالم السياسة وغادر مرة واحدة عالم الصناعة والاعمال. ولعل معركته التي فتحها عام 2001 ضد رامي مخلوف رجل الاعمال و قريب الرئيس السوري والتي عرفت لاحقا بمعركة «صفقة عقود الهاتف الخليوي»، والتي ادت لاحقا إلى سجنه بسبب ما كشفه من فساد، جعلته بنظر الكثيرين من السوريين بطلاً حقيقياً. خلال هذه الفترة كانت سورية تعيش في فترة ما عرف بربيع دمشق وكان سيف احد ابرز واهم نشطاء المنتديات السياسية والفكرية ولجان إحياء المجتمع المدني، تلك المنتديات التي نشطت في الفترة التي تلت وصول بشار الاسد إلى الرئاسة.

لقد طالب رياض سيف خلال تلك المنتديات بإعادة الاعتبار للوطن والمواطن، وإطلاق العنان لكل طاقات الشعب الإنتاجية والإبداعية والاستثمار الأمثل لكل الموارد والثروات وصون الحريات العامة ومحاربة الفساد وأخذ يزور الأحياء والمدن ويحضر الندوات والمنتديات ويجتمع بالمثقفين والناس موضحا أراءه ومدللا على مواطن الخلل والفساد والشراكة المعلنة والخفية بين بعض التجار والصناعيين وبعض كبار المسؤولين وأبنائهم ومحاسيبهم.

خلال تلك الفترة كان يوجه انتقاداته تلك في عز ضوء النهار وكان ما يقوله في النهار يقوله ذاته في المساء، وهو ذاته ما كان يقوله في مجلس الشعب وفي لقاءاته الصحافية. ويبدو ان هذه الشجاعة والوضوح في الرؤية وهذا النموذج من السياسيين، جعل السلطات السورية تخاف من انتشاره بين الناس فقامت باعتقاله عام 2001 وسجنه خمسة أعوام بعد ان وجهت اليه تهما غريبة مثل «اثارة النعرات الطائفية» و«إضعاف الشعور القومي»؟

كانت فترة السجن فترة مهمة في حياة رجل دمشقي وبرجوازي مثل رياض سيف، ويبدو انه كما اي رجل ناجح ومتفائل في المستقبل، عمل على الاستفادة منها إلى اقصاها بحيث يحقق هدفين، قتل الزمن والوقت الذي يمشي ببطء في السجون، وثانيا، اعداد نفسه للمرحلة المقبلة. خلال سجنه تسنى لي زيارته برفقة ابنته السيدة جمانة سيف، هناك سألته عن برنامجه اليومي في السجن وماذا يفعل، وقد لفت نظري وقتها تقبله للامر وارادته الفولاذية في تجاوز هذه المرحلة وتحديها والاستفادة منها بنفس الوقت. أخبرني انه يستيقظ باكراً ثم يقوم بممارسة رياضة الجري والمشي منفردا لمدة 40 دقيقة، وكان مصرا على تناول طعام السجن مثل بقية السجناء رغم انه بامكانه بحكم وضعه المالي والاجتماعي تأمين طعام خاص من خارج السجن، كذلك اخبرني انه يقرأ عددا من الصحف العربية وانه قرأ حوالي 150 كتابا، غالبيتها لها علاقة بسورية، بتاريخها السياسي، ومنها كتب عن الاقتصاد السوري، وكتب لها علاقة بالسياسة بشكل عام وبحقوق الإنسان. كذلك قرأ في السجن مذكرات أكرم الحوراني وجميل مردم وخالد العظم ولطفي الحفار. وقرأ روايات لجورج أوريل ورواية لباولو كويلو وكتاب مجتمع الرفاه لإيرهارت وكتاب تفسير القرآن لوهبي الزحيلي وغيرها.

ورغم ان السلطات السورية اطلقت سراحه في 2006 الا انها عادت واعتقلته في عام 2008 بسبب توقيع اعلان دمشق وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة. بعد نحو أشهر قليلة من خروجه من السجن، اندلعت الانتفاضة في سورية، وما كان منه الا ان شارك في التظاهرات المناهضة للنظام وألقى كلمات في الناس يؤكد فيها على السلمية، لكن ذلك لم يشفع له حيث ارسلت القوى الامنية «الشبيحة» ليضربوه ويعتدوا عليه ما تسبب له في كسور وجروح.

ان ميزة رياض سيف هذه الأيام، وبعد ما طرح في الإعلام من خطة ورؤية لتوحيد المعارضة السورية وما يمكن عمله لأجل وفي معركة اسقاط النظام السوري، تكمن في انه قد يشكل جسرا جامعا بين غالبية من الطيف السوري الاجتماعي والسياسي المتنوع وبين عموم حركات وتجمعات المعارضة نظرا لما يتمتع به من مصداقية وشجاعة ووضوح في الرؤية بعكس الكثير من المعارضين الذين تورطوا في معارك جانبية وصراعات صغيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى