صفحات سورية

“النصرة” تخدم منظومة الاستبداد/ يحيى العريضي

 

 

 

بنى نظام الأسد سلطته في حكم سورية على استراتيجية المواجهة القمعية التي لا تحتمل حواراً، أو تعاقداً طبيعياً مع المحكوم، إلا على أساس علاقة السيد بالرعية المطيعة المسبّحة بنعمة وفضل وتنزّه وتميّز حاكمها الذي يقترب من الألوهية، بما أُسبغَ عليه من قوة وجبروت. كان خروج المحكوم على الحاكم احتمالا معدوما؛ وكان ضرباً من الكفر، وربما أقسى. جاءت 2011، ولم تستقم مع النظام أن يقف وجهاً لوجه مع “مخاليق” ما اعترف يوماً بوجودها إلا لفظياً. كان لا بد من إيجاد الذرائع لسحق هذا اللامتوقع؛ فكانت فبركة ” الإرهاب” و “المؤامرة” و”اليد الخارجية”، ومخططها في استهداف “قلعة الصمود والتصدي للعدو الأمرو – إسرائيلي”.

على الرغم من مساهمات النظام في تكوين “داعش” وجبهة النصرة، كونهما شركتي قتل مساهمة، لم تبق قوة عالمية إلا ولها فيهما حصة؛ وعلى الرغم من وضوح العلاقة بينهما وبين النظام في أكثر من موقع وحادثة، ابتداءً من استخدامهما في إرهاب الأقليات؛ (حادثة احتجاز الراهبات في معلولا وبيعهن الذي لم يخف على أحد)؛ ونقل عناصرهم من غرب سورية إلى شرقها (وحجزهم جنودا لبنانيين والمصافقات التي تمت، والتي تسببت باعتقال مدنيين سوريين أبرياء)؛ واستخدامهما في فتح ثغرات لمليشيات إيران والنظام في مواقع مواجهة عديدة؛ وعلى الرغم من عمليات الاستلام والتسليم في مناطق أخرى، مثل تدمر ودير الزور والرقة، إلا أن الجهة التي كانت أكثر خطراً على الثورة السورية هي جبهة النصرة، ولأسباب عديدة:

ـ إذا كان هناك إجماع عالمي على محاربة “داعش”، حيث تشكّل تحالف دولي للقيام بالمهمة، إلا أن جبهة النصرة اعتُبرت مفرزاً سورياً داخلياً/ تحمل بنيته البشرية الهوية السورية،

“الجهة التي كانت أكثر خطراً على الثورة السورية هي جبهة النصرة”

وتركيز خطابها المُعلَن “محاربة منظومة الأسد”، أما المُضمٓر فكان تثبيت خطاب منظومة الأسد بأنها (النصرة) الإرهاب بعينه/ وما يفعله نظام الأسد هو فقط محاربة إرهابها الذي يستهدفه. وقد تجلى خطاب النصرة في مطابقته سردية النظام في مقابلتين أجراهما قائدها، أبو محمد الجولاني، مع “الجزيرة”، واحدة محجباً والثانية سفوراً، وردد في كليهما تماماً ما يريد النظام إسماعه للعالم بأنه “يحارب الإرهاب”.

ـ الخدمة الجليلة الكبرى التي أسدتها جبهة النصرة للنظام كانت بتسلطها على فصائل الثورة السورية عبر اغتيال قادتها أو اعتقالهم، ومحاربتها، والاستيلاء على مقدراتها البشرية بالقوة العسكرية الغاشمة، وعبر الإغراءات المادية التي كانت تُضخ لها من مصادر خارجية.

ـ وثالثة الأثافي كانت التنسيق مع حلفاء النظام؛ إيران  وروسيا؛ فبخصوص اتفاق خفض التصعيد في إدلب، وهي إمارتها الموعودة، وهي المتصرف والآمر والناهي في منطقةٍ، يزيد سكانها عن ثلاثة ملايين أصيلين ومرحلين من مختلف المناطق السورية بعد اتفاقات “المصالحات” المهينة التي كانت تجريها السلطة وحُماتها الروس والإيرانيون؛ شعرت “النصرة” بأنها خارج كل الترتيبات، تلاحقها صفة الإرهاب التي أُسبغت عليها لحظة ولادتها لأغراضٍ تخدم سردية النظام. عندها، وبالاتفاق مع إيران، وبحكم تنصيب إيران نفسها ولية أمر كفريا والفوعا، ضمنت جبهة النصرة لإيران تخريب اتفاقية إدلب. وهنا، وقبل أن يجف حبر الاتفاق، هيأت الذريعة للنظام وإيران بافتعالها هجوماً على قواتهما؛ فكان القصف والتدمير لما يزيد عن الأسبوعين؛ وليتبع ذلك هجوم على إدلب جنوباً وشرقاً من مليشيات إيران والنظام، وبتغطية جوية روسية كادت أن تأتي على اتفاق خفض التصعيد في إدلب، وتتسبب بنزوح ما لا يقل عن ربع مليون سوري، وتدمير قراهم.

وهكذا تثبت جبهة النصرة للنظام ذريعته وسرديته الأساسية بأنه “يقاتل الإرهاب” الذي

“على السوريين لفظ هذا الوباء الذي لطخ ثورتهم ومقاوميهم”

يستهدف سورية، وتبرر لروسيا وإيران بأنهما يدعمان نظاماً يستهدف الإرهاب “شرعيته”؛ وبوجودها تلغي أية شرعية شعبية سورية بمقاومة إجرام النظام واستبداده وغزو المحتلين الإيراني والروسي لسورية. كما أنها تشكل الشريك الأساس في تشريد السوريين ودمار بلدهم، وإضعاف التعاطف الدولي معهم؛ فيتساوى إجرامها وإجرام الاستبداد والاحتلال، وبذا تكون العامل الأساسي في إجهاض ثورة شعبٍ، وخسارة حياته ووطنه أمام الاستبداد والاحتلال.

ومن نشاطات هذا السرطان الذي حُقن في جسد الثورة السورية الانسحابات وترك الطريق فارغة أمام مليشيات النظام وإيران، لتستبيح عشرات القرى والبلدات في جنوب حلب وشرق إدلب، تاركة مقاومتهم لفصائل الجيش الحر، بعد أن كانت قد تفرغت، خلال العام الماضي، لمحاربته والتآمر عليه.

والآن وفِي غوطة دمشق الشرقية، تهيئ جبهة النصرة، التي لا يزيد عدد أفرادها عن عشرات، الذريعة لوحوش الأرض والفضاء الأسدي والايراني والروسي، للقتل والتدمير ولذبح أربعمائة ألف سوري.

يبقى أن يلفظ السوريون هذا الوباء الذي لطخ ثورتهم ومقاوميهم، وتسبب بتشويه صورتهم، ومكّن مليشيات الاستبداد والاحتلال من تشريدهم والسيطرة على بعض ما حرّروه. ولكن يبقى الجانب الإيجابي فيما حدث أخيرا انكشاف تلك الحالة التشويهية للثورة السورية ضحية الإرهاب وأذرعه.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى