شيرين الحايكصفحات المستقبل

زياد حمصي.. مصوّر كل سوريا/ شيرين حايك

في طريق عودته من تركيا باتجاه الغوطة انقطع التواصل مع زياد الحمصي. آخر تواصل شخصيّ لي معهُ كان في خمسة أكتوبر\تشرين الأوّل. انتشر خبر إعتقال زياد لدى “داعش” في ٢٩ اكتوبر\تشرين الأوّل، لم أكن أتخيّل أن مزحةً بيننا ستأخذ طريقها بإتجاه أن تصبح حقيقة. كنّا نتحدّث عن شيء عبثي عندما حضرَ موضوع “داعش” وقال بلهجتهِ الحرّة والمعتادة “لا تخافي دقني أطول من شعراتك!”

لكنّ تلك الذقن المشاغبة  لم تشفع لهُ أيضاً.

مع “داعش” على المرء أن ينسى المنطق تماماً، لكن لا أستطيع، رغم ذلك، أن أمنع عقلي الباطن من أن يسأل: لماذا؟ لماذا تعتقل “داعش” مصوّراً مثل زياد؟ يصوّر في الريف الدمشقي بعيداً من “داعش” وسيطرتها ولم يشن أيّ هجومٍ علنيّ عليها؟ بل وذقنهُ “أطول من شعراتي” ووالده معتقل في أقبية النظام ووالدتهُ محاصرة في الغوطة؟

يعود إلى ذاكرتي الحديث الأوّل مع زياد عندما قلتُ له إنهُ “جامع المجد من أطرافه”: حمصي ودوماني معاً. اليوم زياد سوريّ بامتياز،

يعبر سوريا شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، يدخلُ كلّ بيتٍ زارهُ ليصوّر فيه. تزور صورهُ الشوارع والجدران التي كان يتجوّل بكاميرته بينها، الأحجار الدمشقيّة، بقايا ذكريات من رحلوا، و ذلك “المكروباص” الوحيد بين جموع الدبابات. يخرجُ من زقاقٍ ضيّقٍ إلى آخر أوسع محمولاً على الأكتاف والشفاه ترددُ منادية بحريته. تخرجُ مظاهرة في دوما مطالبةً بالحريّة لزياد رافعةً كلمتها بوجه “داعش” كما رفعتها بوجه الأسد سابقاً. دوما التي لا تخافُ إلّا على أبنائها.

أمـّا عن زياد فلا حديث يكفي لإيصال زياد إلى القلوب، وحدها الصور التي كان يخرجُ بعيداً كي يلتقطها تحمل بساطة روحه وإصراره المستمر على السير بإتجاه الحرية يداً بيد، يتعب معها ويصاب لمصابها. أصيب زياد أثناء إجتياح دوما الدموي بينما كان يحاول أن ينقل الصورة ليرى العالم ويسمع صوت أنين الموت وهو يدخل دوما على ظهر دبابةٍ عسكريّة ٍ يقودها الأسد. رصاصتان لم تكونا أقوى من عشق زياد للتصوير والحياة. رصاصتا قناص، واحدةٍ في الورك والأخرى في العنق، و يعود زياد ليمسك البحر بصورةٍ ويقبض على السماء بعدسة.

 اعتقل زياد مرتين من قبل نظام الأسد وها هي اليوم داعش تسير على خطى الأسد و تعتقل الشاب السوري الجميل، المصوّر الذي لا يكتفي بالتقاط الصور بل يذهب بعيداً معها لتصبح امتداداً لأصابعه نحو الأفق ويصبح هو وعدستهُ الإمتداد الآخر للأماكن نحونا فيصلنا بالأماكن وكأننا نعرفها جميعاً. يكفي النظر إلى الصور نفسها لنعرف طبيعة الحياة التي كانت فيه و كميّة الدمار الذي حلّ به.

أمـّا “داعش” فيزعجها الجمال، هذا التفسير الوحيد الذي يمكن الأخذ به لخطفها زياد الحمصي. لكن زياد مثل الشمس، لا يمكن حرقه، يغيب خلف الأفق تارةً و خلف الغيوم تارةً ويعود لأنّه يشبهنا جميعاً، ولأنهُ يحملُ معهُ بقايا ما يترك لدينا من ذلك الشيء الذي يجعل الإصرار على الحياة جزء لا ينفصل عن الحرية. لا يمكن إعتقال زياد لأنّ الجمال والحرية لا يعتقلان.

الحرية لزياد الحمصي، الحرية للصورة الفوتوغرافيّة الأصدق.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى