صفحات العالم

زيارة وفد ‘اهل الكهف’ إلى دمشق


خضير بوقايلة

لماذا تصر الجامعة العربية على إتمام هذه الزيارة إلى دمشق؟ وهل من بين السوريين نظاما ومعارضة من يؤمن أن وساطة الجامعة العربية أو أية وساطة في الدنيا من شأنها أن تعيد الأمن والطمأنينة إلى مراتع سورية؟ بل هل لا يزال هناك أمل في أن تهدأ النفوس ويعود الوئام بين السلطة الحاكمة وشعب سورية؟

الجامعة العربية بات حالها كحال أهل الكهف الذين أرسلوا مبعوثا عنهم يشتري لهم طعاما من المدينة بنقود مضت على إصدارها ثلاثة قرون، ولنا أن نتصور بقية القصة وحال المرسول وهو ينزل مدينة لا يعرف عنها شيئا وأهل المدينة الذين يشاهدون آدميا يبعث إليهم من قرون خلت. وفد الجامعة العربية يحمل معه مبادرة للم شمل السوريين نظاما ومعارضة وكأنه نسي أن عصر المعجزات لم يعد له ذكر، بل حتى لو كانت هناك معجزة مرتقبة فإنها لن تأتي على يد جهة اسمها الجامعة العربية، والمعجزة هي أن يلتقي الأسد والغزال تحت سقف واحد ويعيشان متاحبين على قلب رجل واحد، أم لعل أهل الجامعة يريدون أن يحولوا الأسد إلى حمل وديع رغما عنه لكي يتمكن من إراقة دم الغزال؟

الشعب السوري يصرخ ويهز الأرض على وقع مطلب واحد ووحيد هو إسقاط النظام إلى غير رجعة ولن يوقفوا مسعاهم حتى تحقيق مطلبهم كاملا أو يفنون دون ذلك، ورجال الحكم في دمشق يؤكدون من جهتهم أنهم في مواجهة حازمة مع جماعات إرهابية ولن يضعوا السلاح حتى تصفية آخر رضيع يحمل رشاشا في وجه الدولة ويعبث بأمن بلد الصمود والتصدي. ولنا أن نتصور حال وفد الجامعة وهو يحاول أن يقنع الرئيس الأسد أو من ينوب عنه بضرورة التفاوض مع الإرهابيين والاستماع إلى انشغالاتهم وإشراكهم في الحكم، وبعد ذلك يتحول إلى المعارضة ليقول لها إن الأسد تاب وهو جدير بالاستمرار في حكم البلد وعلى الجميع أن يهبوا لنصرته والاستمرار في الخضوع له، لأن ذلك كله يصب في خانة المصلحة العليا لسورية ومستقبلها المشرق.

لماذا رفضت دمشق المبادرة العربية عند الإعلان عنها ولم تعد إلى القبول بها إلا بعد الإعلان عن فناء القذافي؟ هل لأنها تفطنت إلى أنها قد تحمل فعلا حلا للأزمة، أم لأنها انتبهت إلى أن الجموع التي تخرج إلى الشوارع صباحا ومساء منددة بالنظام ومناضلة من أجل الإطاحة به هي جموع مخلصة وينفع أن تشرك في الحكم؟ وفرضا أن النظام جاد في التوجه نحو الاستماع إلى المعارضة والتعامل إيجابيا مع المبادرة العربية فلماذا لم يلجم زبانيته ويحقن دماء المدنيين الأبرياء في انتظار نزول الطائرة العربية؟

لا أحد يجهل أن رحلة وفد الجامعة العربية عديمة الفائدة ولعل جميع أعضائه مقتنعون هم أيضا أنها مهمة فاشلة لإصلاح حال ميؤوس منه، لكن مع ذلك تغلبت الدبلوماسية على ما هو واقع، والعرب لا يزالون لحد الآن يرفضون الاعتراف أن الواقع العربي تغير أو هو ماض في ذلك الطريق، وقد تحدثت في مقال سابق إلى أنه إذا لم يكن هناك بد من هدم صرح هذا الهيكل نهائيا وإقامة بناء جديد وفق متطلبات المرحلة الراهنة فإن هناك حلا بديلا وهو أن يصطف العرب وراء فسطاطين، الأول يضم الأنظمة أو الدول التي جرت عليها سنة التغيير وتلك التي تؤمن بضرورة ذلك وتعمل من أجله، والثاني يلم الأنظمة التي لا تزال مصرة على أن الدكتاتورية هي الوصفة الرئيسية للحكم في المنطقة، على أن يصير الأمر حتميا إلى تلاقي الجمعين تحت سقف واحد بعد أن تنقرض الديكتاتوريات وتتولى الشعوب مصيرها بنفسها. قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكن في انتظار ذلك يبقى مهما أن لا يستمر اللبن مخلوطا بالمازوت وأن تنتهي حالة النفاق التي تطبع مسيرة الجامعة العربية منذ نشأتها.

لا شك أن ضمن قيادات أعضاء الجامعة الآن من هم متحمسون لتبني قرار ضد نظام الأسد لا يختلف عن ذلك الصادر قبل أشهر في حق نظام القذافي، كما أن هناك من بين القادة العرب متحمسون لاستعادة مجد التعاون الأمني العربي من أجل كتم كل نفس يبغي الحرية وتغيير الوضع الراهن، إلا أن حالة النفاق جعلت هؤلاء وهؤلاء يلتقون في طريق وسط لكنه للأسف من دون مخرج وليس بإمكانه تحقيق أي هدف من أهداف المجموعتين، أي أن الحالة الزئبقية التي تطبع تعامل الجامعة العربية مع الوضع الراهن في المنطقة لن يفيد لا في إكمال مسيرة التغيير والتحرر ولا في إطالة عمر الأنظمة الطاغية. والواضح من خلال منح مزيد من السعة لنظام دمشق للمناورة والتلاعب بالرأي العام دون التوقف عن ارتكاب جرائمه ضد أبناء الشعب أن الغلبة في حظيرة الجامعة العربية لا تزال في صالح قوى الاستبداد والطغيان التي لا تزال تسعى بكل ما أوتيت من حيل إلى إعادة الحياة إلى أجساد تحتضر رغم أن الواقع أمامها يبين لها أن الغلبة لن تكون هذه المرة إلا للشعب بمشيئة الله.

النظام الحاكم في سورية قد يعلن صاغرا أنه مستعد للتعامل إيجابا مع خطة الجامعة العربية وأنه سيقبل مبدئيا بفتح باب الحوار مع المعارضة، لكن الأكيد هو أنه لن يتخذ أي قرار من شأنه أن يحقق للشعب رغبته في الانعتاق، وكل ما يمكنه أن يقدم من تنازلات هو مزيد من المماطلة والخداع لعل الوقت يتكفل بإخفات شعلة الثورة الشعبية ثم إطفاء وهجها نهائيا بعد ذلك. النظام سيطلب مزيدا من الوقت، وكمبادرة حسن نية سيعلن عن تأسيس لجان من أجل التكفل بمختلف الإصلاحات، ولأن الرئيس بشار الأسد لا يكره التسرع ولا يقبل العمل تحت الضغط فإنه سيحدد وفق مزاجه المواعيد المناسبة لبداية عمل كل لجنة ونهايته على أن يكون للحديث عن تطبيق النصوص الإصلاحية شأن آخر، وسيجد شعب سورية نفسه مجبرا على انتظار شهور أخرى مترقبا إصلاحات لن تأتي وقائمة مفتوحة من الضحايا وأنهرا أخرى من الدماء. هذه هي النهاية المحتومة لأي حل يخالف ما يطالب به الشعب الآن، فهل هذا هو أيضا ما تريده الجامعة العربية؟

‘ كاتب وصحافي جزائري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى