سمير العيطةصفحات سورية

سؤالان مصيريّان.. عن الثراء والثورات/ سمير العيطة

 

ما هي حصّة الـ10 في المئة الأكثر ثراءً في البلدان العربيّة من الدخل الوطني؟ بل كم يحصد الـ1 في المئة أو الـ1 في الألف منهم، مقارنة مع نصف المجتمع الأكثر فقراً؟ وكيف يستثمر الأثرياء ثروتهم ولمصلحة من؟

ثمّ ما هو حجم القطاع غير النظاميّ في الاقتصادات العربيّة؟ وما حجم التشغيل غير النظامي في البلدان العربيّة؟

سؤالان لا بدّ من طرحهما، اليوم قبل الغد. والسؤالان ليسا لعلماء الاقتصاد وحدهم، فالاقتصاد ليس علماً منفصلاً عن المجتمع والسياسة والفكر. ولا تصدّقوا كلّ من يقول خلاف ذلك ويغرقكم بالأرقام والتركيبات الرياضيّة. ليس هنالك شيء غير الاقتصاد السياسي، وفي بلادنا خاصّة، وليس هناك أمر لا يجب إخضاعه للمساءلة العامّة، عبر الصحافة والإعلام ومنظّمات المجتمع المدنيّ.

ستكون الإجابات عن السؤالين المطروحين في منتهى الإحراج بالنسبـة للكـثير من الدول العربيّة، إذا ما قورنت حتّى بالـدول المسمّاة ناميـة. ذلـك ابتداءً من دول الخليج، خاصّة منذ الفورة النفطيّة، لكن أيضاً في معظم الدول الأخرى غير النفطيّة، التي تخلّت عن نموذج العدالة الاجتماعيّة لفترة ما بعد الاستقلال، وأضحت تسابق دول الخليج في تركيز الثروة.

تدلّ الإحصائيّات مثلاً، أن واحداً في المئة من السكّان الأثرياء يحصلون على حصّة من الدخل الوطني تعادل ما يناله الخمسون في المئة الأكثر فقراً، بل تزداد وتتعاظم حصّة الأثرياء إلى أن تبلغ حدوداً لا يُمكن احتمالها. هذا على مستوى كلّ بلدٍ على حدة، نفطياً كان أم صوماليّاً. فما بالكم لو تمّت المقارنة على مستوى الوطن العربي كمجموعة، أي أن تتمّ مقارنة أثرى الخليجيين مع أفقر الصوماليين واليمنيين والمصريين والمغاربة… والسوريين اليوم. وهذا أيضاً بعد احتساب كلّ المعونات والأعمال الخيريّة وتحويلات المغتربين.

مثل هذا التوزيع أثار الكثير من الثورات والأزمات والحروب عبر التاريخ، أهليّة ودوليّة، كما عرف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وحدها فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية كان فيها شيء من العدالة الاجتماعية، عالميّاً… وعربيّاً كذلك، في فترة الاستقلال الأوّل، برغم ما حملته هذه الفترة من انقلابات وتأميمات وغيرها، أو حتّى بسبب ذلك. لكن منذ ثمانينيات القرن الماضي، يعود العالم كلّه إلى تمركز شديد للثروة، وتالياً إلى زمن الأزمات. ويتميّز بذلك العالم العربي، والخليجيّ خاصّة، بكونه سبّاقاً في تسارع تمركز الثروة وإمكانيّة استمرار الأزمات طويلاً.

ثمّ هل يمكـن أن يـصل حـجم القطـاع غير النظـامي في الاقتـصاد إلى الثـلث أو النـصف؟ ولـيس المقصـود هنا تجارة الممنوعات الكبرى فحسب، بل نشاطات اقتـصاديّة واسعـة وكلّ ما يـتمّ تهريبه بين دولتين، من المواد النفطيّة إلى السلع إلى البشر. وهل يُمكن لحجم التشغيل غير النظامي، أي بعيداً عن أيّ ضمان لحقوق عمل، أن يصل لأكثر من نصف المشتغلين الشباب؟ هذا عدا العاطلين عن العمل الذين تتزايد أعدادهم بين الشباب والنساء.

كيف يُمكن أن تكون الدولة دولة بالمعنى الحقيقي بوجود ثلث أو نصف البلاد بوضع غير نظاميّ؟ وكيف يمكن الضبط بطريقة تعسفيّة واعتباطيّة عبر أجهزة وزارة داخليّة أو أمن، هي أيضاً تعتاش من القطاعات غير النظاميّة؟

الحديث عن الفساد، عندما يكون القطاع غير النظامي بهذا الحجم، مثير للضحك… وللقلق معاً. الفساد تعبير أخلاقي عن ممارسات تبتعد عن النظام العام. فأين النظام العام في الواقع العربيّ حتّى يتمّ الحديث عن فساد؟ ربّما باستثناء بعض فئات الطبقة الوسطى التي تتلاشى يوماً بعد يوم.

وكيف يُمكن الحديث عن حلّ أجهزة أمنيّة تعتاش من الفساد والقطاع غير النظامي، بدل التأكيد بالتحديد على ضبطها ضمن أسس القانون والمساءلة. وكيف تتمكّن التنظيمات المتطرّفة والإرهابيّة من تمويل نشاطاتها، سوى من الأرض الخصبة للقطاع غير النظامي؟ المال، قبل الفكر، أساس يساعد هذه التنظيمات لنشر حبالها بهذه الطريقة.

الإجابة عن السؤالين المطروحين ستحدّد، ليس مصير مؤسسات الدولة في البلدان العربيّة فحسب، بل استمراريّتها كدول. «يولد الناس أحراراً متساوين في الحقوق، ويبقون كذلك. والاختلافات الاجتماعية لا يمكن أن تقوم إلاّ على أساس المنفعة العامّة» (المادّة الأولى من إعلام حقوق الإنسان والمواطن).

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى