صفحات العالم

سؤال البديل تواطؤاً


زياد ماجد

يستمرّ مراقبون وسياسيون عرب وغربيّون في التساؤل عن البديل من سلطة الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه. وتساؤلهم الذي عدّه البعض مشروعاً في آذار الفائت (عند اندلاع الانتفاضة) من وجهة نظر بحثية أو ديبلوماسية تخوض في السيناريوهات المختلفة لأي تغيير، لم يعُد اليوم (بعد مضي 5 أشهر وتحوّل الانتفاضة الى ثورة) سوى دعم صريح للنظام، أو “في أحسن الأحوال” استسلاماً له بحجة انتفاء البدائل “المقنعة” إن هو ترنّح وسقط.

أكثر من ذلك، لا يعكس التساؤل هذا غير مفارقتين متهالكتين.

الأولى، مفادها القبول بوضع شاذ يقوم على القتل والتعذيب والقصف والخطف والتسبب بفوضى عارمة والابتزاز تهديداً بنشر المزيد منها، بحجة الخشية من البدائل.

والثانية، مؤدّاها الدعوة الى القضاء على الثورة و”إعادة الاستقرار”، وكأن المزيد من الدماء ستُتيح للقتلة استقراراً متجدداً في “بلادهم”.

في المفارقة الأولى، يعني الأمر أن الجرائم وعمليات الابادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وللقانون الدولي وظروف الإرهاب التي تعيش في ظلها سوريا اليوم مقبولة طالما أن البديل منها غير معروف. وفي هذا عجيبة في المنطق وفي السياسة ذاتها حتى مفصولة عن المعايير القانونية – الأخلاقية.

وفي المفارقة الثانية، ثمة فهم متردّ لواقع سوريا والمنطقة في هذا الربيع العربي يظنّ أن إراقة الدماء وقتل الناس وقصف المدن والقرى وحصارها يمكن أن تعيد بناء هيبة الاستبداد التي حطّمها الناس في الشوارع والساحات، كما في الشعارات والكتابات والرسوم الساخرة. وفيه أيضاً اعتقاد أن البديل من الواقع الدموي هو واقع أكثر دموية يسمح بالعودة الى حقبة ما قبل الدماء الغزيرة.

بهذا، يقدّم المتسائلون عن “البديل” بوصفه شرط تعديل مواقفهم دلائل إضافية على تواطئهم مع الاستبداد. فبعد أن كانوا يثيرون مسألة خروج المتظاهرين من المساجد (متناسين منع التجمّع واللقاءات في الساحات العامة)، وبعد أن كانوا يركّزون على مخاوف الأقليات (ليصبح بعرفهم قمع الأكثرية وقهرها والتنكيل بها شروط طمأنة تلك الأقليات)، ها هم يؤكّدون من جديد أنهم عراة من كل نزاهة أو “موضوعية علمية” يدّعونها عند الاختباء خلف تساؤلاتهم المتناسلة جميعها من رحم دعمهم لنظامٍ لن تنفع كل محاولاتهم وبلادتهم في غير تأخير سقوطه، بعض الوقت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى