صفحات الناس

أحلام شباب سوريين مُختصرة بورقة تأجيل الخدمة الإلزامية/ حسن عارفه

 

 

يعرج رامي في مشيته، ساقه اليمنى لا تساعده على السير كثيراً، فهي مُصابة برضوض قوية بسبب الطريق الذي قطعه من حلب إلى مدينة غازي عنتاب التركية واستغرق أياماً، عاش خلالها أخطاراً كثيرة، لكنها تهون كلها أمام خطر سحبه إلى الخدمة في الجيش السوري!

رامي وغيره كثيرون من الشبان السوريين الذين تم طلبهم للخدمة الإلزامية في جيش النظام، استطاعوا الهروب والنجاة بطرق شتى، فيما آخرون لا حول لهم ولا قوة.

كان الشاب يعمل في مجال تبديل قطع السيارات في مناطق سيطرة النظام، غرب حلب. أموره كانت مستقرة حتى بدايات العام الجاري، وكان متمسكاً بالبقاء في مدينته ولا يفكر بالرحيل خارج بلده، لكن ساعات قليلة باتت تُغير مصير شخص وعائلات برمتها في سورية. ويقول رامي: «في أحد الأيام ذهبت إلى دمشق للعمل، هناك سمعت أن أحد أصدقائي في حلب تم سحبه للخدمة الاحتياطية، حاولت الاستفسار عن وضعه ووضعي أيضاً، فاكتشفت أن اسمي مطلوب للخدمة وقد يتم طلبي في أي وقت».

تخفّى الشاب عند أصدقائه ليومين في العاصمة، ولم يجرؤ على العودة إلى حلب، حيث يمكن أن يمسك به أي حاجز تابع لقوات النظام على الطريق بين المدينتين. استطاع الاتفاق مع أحد الأشخاص لتهريبه بشاحنة نقل بضائع من دمشق إلى طرطوس على الساحل السوري، ومن هناك ذهب بسيارة أخرى هربه سائقها من كل الحواجز من دون تعريضه للمساءلة، وذلك مقابل مبلغ يقارب 400 دولار. ووفق القوانين السورية، يحق للدولة استدعاء قوات الاحتياط للخدمة في الجيش، في حالات الطوارئ والحرب، ومن يكون مطلوباً للاحتياط هو أي شاب أدى خدمته الإلزامية كاملةً في السابق. وبالتالي الهروب من طلب الاحتياط أصعب من الهروب لمن جاء طلبه لخدمة الجيش للمرة الأولى، فلا مجال للمناورة عبر طلب الإعفاء لأسباب صحية وما شابه، فالمطلوب للاحتياط هو شخص سليم وقام بالخدمة الإلزامية سابقاً وبالتالي تصبح تكلفة التهرب من الاحتياط خيالية. رامي على سبيل المثال، يقول إنه وجد طريقةً لإزالة اسمه من لوائح الطلب للخدمة، بأمر مباشر من وزير الدفاع السوري ولكن بكلفة تقارب 30 ألف دولار، وهو مبلغ لا يستطيع تحمله، فقرر الهرب.

وسائل كثيرة يعتمدها الشباب السوريون لتفادي الخدمة الإلزامية أو ما يسمى أيضاً خدمة العلم، كسعد مثلاً الذي أخر تخرجه في الجامعة 3 سنوات كاملة!

يقول سعد:» كانت مسيرتي الجامعية على الشكل التالي، سنة أولى سنة ثانية سنة ثالثة، ثم سنة رابعة ورابعة ورابعة»، موضحاً أنه استنفد وسائل التأجيل في عام 2014، حتى استطاع بعد ذلك الحصول على فرصة دراسة ديبلوم التأهيل التربوي في جامعة دمشق، وهو ديبلوم أنقذ الكثير من الطلاب من مختلف الاختصاصات متيحاً لهم تأجيل سحبهم إلى الخدمة في الجيش لمدة سنتين.

ولكن حدث الشهر الماضي ما لم يكن في الحسبان، إذ عممت مديرية التجنيد السورية العامة، قراراً بإبطال تأجيل كل الطلاب الذين يتابعون دراستهم ما بعد الجامعية في ديبلوم «التأهيل التربوي» من الاختصاصات كافة، ما عدا حملة «الإجازة التخصصية التربوية»، وسوقهم إلى الخدمة.

استطاع سعد التأجيل للمرة الثانية فشهادته متخصصة بالتدريس، لكنه عاش أياماً صعبة حتى تأكيد تأجيله متبعاً تكتيكات عدة: «الطريقة الأكثر أماناً للتنقل هي السير على الأقدام من الأزقة، ويتوجب أن تمتلك معرفة مسبقة في دمشق لمعرفة أماكن الحواجز والأزقة الخالية من الحواجز، وكان الأصدقاء يتصلون لإبلاغي عن الحواجز الطيارة». ولعل أخطر ما في الأمر، أن أحلام الكثير من الشباب السوريين حالياً تتلخص بتأجيل السحب لخدمة العلم، لا سيما بعد التضييق في شُعب التجنيد في المحافظات السورية التي ما زالت تحت سيطرة النظام.

عماد درس الهندسة في أحد فروع جامعة حلب، ولم يستطع النجاح في سنته الأولى، فطلب نقله في الفصل الثاني إلى جامعة تشرين في اللاذقية حيث تعيش عائلته. ولكن تأخر نقل أوراقه وخسر فرصة التقدم للامتحان، ثم أوقف تسجيله في اللاذقية العام الماضي، وسعى للانتقال إلى فرعٍ آخر في جامعة دمشق، مستفيداً في كل مرة من تأجيل جديد إلا في المرة الأخيرة لم ينجح المخطط. فوفق القوانين السورية، لا يحق لطالب الجامعة تأجيل خدمته العسكرية لأكثر من مرتين في السنة الدراسية الواحدة. لكنه في الأثناء استطاع الحصول على قبول جامعي في إحدى جامعات ألمانيا، لتبقى المشكلة هي الحصول على إذن سفر من إحدى شعب التجنيد. ولا يزال مصير الشاب معلقاً الآن إذ ينتظر الحصول على استثناء من أحد المسؤولين، سيكلفه وفق تعبيره بحدود ألفي دولار. ويقول واصفاً شعب التجنيد في سورية: «هم يتصرفون كالمافيات ويروننا زبائن».

هكذا باتت تُختصر أحلام الكثير من الشباب السوريين، بين متمسك بالبقاء في بلده غير آبه بالمستقبل، وآخر ينتظر واسطة شبه مستحيلة تُبعده خارج حدود بلده راهناً مستقبله بموافقة شعبة التجنيد، وثالث هرب فكاد يخسر رجله. وصل الآن إلى إسطنبول بعد رحلة طويلة وشاقة ويقول: «أخطر ما في الأمر حواجز النظام، فصحيح أنني كنتُ هارباً بسيارة أمنية، لكنني كنتُ أتوقع أن يبيعوا ويشتروا بي. فأنت عملياً هارب من الأمن ومن يقوم بتهريبك هو الأمن ذاته».

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى