صفحات العالم

سايكس – بيكو… البغدادي – الجولاني (١٩١٦-٢٠١٣)

عبدالله ناصر العتيبي

«القاعدة» موجود الآن في سورية. الكل بات يعــــرف هذا الأمر، لكن السؤال هو: هل كان من مصلحة هذا التنظيم الإرهابي الإعلان عن وجوده في هذا الوقت؟ أم كان يُفترض به العـــمل بصمت حتى يتمكن من مفاصل الحياة هناك؟ ثم هل يعتبر هذا التطور المفاجئ في الأحداث من مصلحة النظام الأسدي، أم أن الأمــور في طريقها إلى التسوية، والجميع يتسابق فقط لتسجيل حضوره، ومحاولة إيهام المجتمع المحلي والإقليمي بقوته على الأرض؟!

في الثورتين التونسية والمصرية لم يظهر «القاعدة» كلاعب كبير في الميدان. يمكنني القول بصيغة أكثر وضوحاً إن ثورة الشعوب السلمية في البلدين ألغت تماماً مبرر وجود مثل هذا النوع من التنظيمات ذات الأهداف القائمة على استمالة عطف الجماهير واللعب على حاجاتهم وعواطفهم.

وفي ليبيا، عندما بدأت عجلة الحرب في الدوران، ظهر بعض الإشارات عن وجود بذور صالحة لتشكل «القاعدة»، لكن التدخل العسكري السريع لفرنسا وبريطانيا قضى على فرصة ترعرع «التنظيم» واشتداد عوده، ما أجبر بعض المؤمنين به من الليبيين والمنتمين له واقعاً أو فكراً على الرضوخ للنتائج النهائية، والدخول في لعبة تقاسم المكاسب.

في سورية، تأخر المجتمع الدولي في مساعدة الشعب السوري. تُرك «الجيش الحر» لفترة طويلة في مواجهة آلة عسكرية متطورة لا تتورع عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ.

طالت المعركة وتشعبت طرقها وفتحت ذراعيها لكل الراغبين، فجاء الغيفاريون والمجاهدون من كل مكان. بعضهم جاء ليموت في سورية بحثاً عن الجنة المنتظرة، وجاء آخرون لينفوا من عقولهم فكرة الموت على شعبة من نفاق.

وجاء قسم ليمارس بطولته وشجاعته وأنانيته على أرض بلا قوانين. أما القسم الأكبر من المجاهدين فجاء تلبية لنداء «الظواهري» بالتجمع في بلد جديد يحمل ميزة كبيرة للمواطنين «القاعديين»، وهي فشل المؤسسات المدنية والحكومية وتعطل مركبة الحياة العامة.

هذا الوجود الجديد لـ «القاعدة» تلحف في البدء بغطاء الثوار السوريين، وصار يقدم نفسه للمجتمع المحلي والدولي باعتباره «نصرة» لأحرار الشام، الذين يحاربون الكتائب الأسدية من أجل خلاصهم وحرياتهم وسعيهم نحو المدنية. تدثر برداء الشرعية الثورية حتى يستعيد توازنه بعد أن فقد خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من أسباب الوجود بفقده الأعماق الجغرافية المناسبة.

عمل على أن تبقى مرجعيته في الظلام حتى يستطيع الوقوف على قدميه من جديد بمعزل عن الملاحقة الدولية، لكن ثلاثة تطورات مهمة دعته إلى الكشف عن وجهه والزج بوجوده في مخاطرة حياة أو موت. أول هذه الأسباب إدراج الولايات المتحدة تنظيم «جبهة النصرة» في قائمة الإرهاب في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وثانيها تراجع فرنسا وبريطانيا عن تسليح الثوار، واضطرارهما للخضوع للرغبة الأميركية المتشككة في انفصال «الجيش الحر» عن تنظيم «جبهة النصرة»، أما ثالثها فبدء الإجراءات على الأرض لفصل «الجيش الحر» عن التنظيمات الإرهابية بسعي من «الجيش الحر» نفسه، وبمساعدة من قوى استخبارية غربية تمهيداً لبسط يد الثوار على المشهد السوري، وبالتالي ضمان وصولهم إلى الحكم حال سقوط نظام بشار الأسد.

هذه الأسباب الثلاثة هي التي دعت أبا محمد الجولاني، ممثل «القاعدة» في سورية، الى تجديد البيعة لقائد التنظيم أيمن الظواهري، إضافة إلى سبب رابع يقل أهمية عن سابقيه، وهو نفي الاندماج مع تنظيم أبي بكر البغدادي في العراق، لتكوين ما قيل إنه الدولة الإسلامية في العراق والشام».

دمج البلاد الإسلامية الذي تحدث عنه البغدادي «أمير دولة العراق الإسلامية»، وتخطيط خريطة المنطقة العربية من جديد على غرار مشروع سايكس – بيكو، أمرٌ غير متحقق الحدوث، ولا يتناسب مع الشكل العصابي لتنظيم «القاعدة» في العراق، والضعف الواضح لفرعه في سورية، وما كشف البغدادي لهذا الاندماج المزعوم إلا محاولة فاشلة منه للالتفاف على قرار قيادة «الجيش الحر» أخيراً التخلص من كل الصلات الإرهابية وما يتعلق بها داخلياً وخارجياً. بادر البغدادي الى الخروج بجيش النصرة من المأزق الذي وجد نفسه فيه، لكن مبادرته هذه لم تجد استحساناً عند صديق الجهاد ومنافس القيادة أبي محمد الجولاني، الذي سارع إلى وضع نفسه تحت القيادة المباشرة لأيمن الظواهري.

الغرب الذي ساهم في إيجاد «القاعدة» في أفغانستان ليس على استعداد الآن لمساعدة العدو الأكبر لهزيمة العدو الأصغر، لكنه في الوقت نفسه عندما يجد نفسه محاصراً بين سؤالين: بشار أم «القاعدة»؟ يهرب الى الحل السلمي: لا بد من رحيل بشار، لكن بأقل الخسائر!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى