صفحات الحوار

ستيفان دي ميستورا: هزيمة «داعش» تتطلب حلاً سياسياً … ومشاركة الغالبية السُنّية

 

 

ابراهيم حميدي

نفى المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا في حديث لـ «الحياة» نيته الاستقالة من منصبه، متوقعاً أن يواصل الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس فلاديمير بوتين الجهود لخفض مستوى العنف وزيادة المساعدات الإنسانية إلى حين تسلم الرئيس المنتحب دونالد ترامب منصبه بداية العام. وقال إن محاربة «داعش» سوية مع روسيا أو أي طرف آخر منخرط ضد «داعش» صحيح ومفهوم، لأن الجميع ضحايا محتملون للتنظيم «لكن في الواقع هزيمة «داعش» تتطلب ليس فقط تحالفاً عسكرياً، بل حلاً سياسياً شاملاً وتمثيلياً، لأن «داعش» يستغل عدم السعادة والخيبة والغضب والتهميش لدى بعض المجموعات، بمن فيهم السنة، الذي يشعرون بأنهم غير منخرطين في العراق، بل أكثر في سورية، حيث هم الأغلبية».

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي مستعدان لدعم إعادة الإعمار في سورية إذا انطلقت عملية سياسية ذات صدقية تؤدي إلى مشاركة سياسية وحكومة موسعة وتمثيلية. وهنا نص الحديث الذي أجرته «الحياة» عبر الهاتف:

> هل صحيح أنك طلبت من الأمين العام للأمم المتحدة إعفاءك من مهماتك؟

– أصدرنا بياناً رسمياً بأنني لم أستقل، والمعلومات ليست صحيحة. ثانياً، إنني مستمر في مهمتي بشكل كامل، لأن الوضع جدي جداً في سورية.

> ماذا تتوقع من الرئيس باراك أوباما في نهاية ولايته؟ وماذا تتوقع من الرئيس المنتخب دونالد ترامب؟

– دعني أبدأ بالرئيس أوباما، أتوقع أن يستمر حتى اليوم الأخير من ولايته في محاولة تحقيق ما سعى إلى تحقيقه حتى الآن: أولاً محاربة «داعش» في الرقة وأي مكان آخر. وثانياً السعي عبر المبادرات الديبلوماسية التي قام بها (وزير الخارجية جون) كيري، إلى إيجاد أي فرصة للاتفاق مع روسيا واللاعبين الإقليميين لخفض العنف وزيادة المساعدات الإنسانية. إرث أوباما يقوم أولاً على محاربة جدية لـ «داعش»، وهذا صحيح. وثانياً العمل لخفض العنف وزيادة المساعدات.

بالنسبة إلى الرئيس المنتخب ترامب، لا أستطيع الحكم مسبقاً على موقفه. فقط سمعنا تصريحات ومواقف ولا نعرف من هو وزير الخارجية. لكن إذا كان لي أن أحكم على ما قيل في التصريحات، فإنه من الواضح أن أولويته القصوى هي محاربة «داعش». في هذا الصدد أشار إلى أنه سيبحث عن تعاون إضافي وشراكة مع روسيا التي تحارب أيضاً «داعش»، وقال الرئيس بوتين إنها أولوية.

القول إن محاربة «داعش» سوية، مع روسيا أو أي طرف آخر منخرط ضد «داعش»، صحيح ومفهوم، لأن الجميع ضحايا هذا التنظيم، لكن هزيمته في الواقع تتطلب ليس فقط تحالفاً عسكرياً، بل حلاً سياسياً شاملاً وتمثيلياً، لأن «داعش» يستغل عدم السعادة الخيبة والغضب والتهميش لدى بعض المجموعات، بمن فيهم السنة الذي يشعرون بأنهم غير منخرطين في العراق، بل أكثر في سورية، حيث هم الأغلبية.

إذاً هذه المقاربة لم تنفذ، وجرى التعامل مع «داعش» فقط عسكرياً، وفي هذا مخاطرة بأن ينمو «داعش» آخر وآخر كالفطر، على أساس غضب هؤلاء الذين لا يُشمَلون في الإطار السياسي العام.

> إلى أن يتسلم ترامب مهماته، سعيت إلى ملء الفراغ عبر زيارات إقليمية وإلى دمشق وطرحت خطة من أربع نقاط. ماهي النتيجة؟

– الخلاصة، يجب الاعتراف بأنه عندما تنظر إلى سورية فإن الأولوية هي للحل العسكري. هذا ما نراه على الأرض. لا نرى نقاشات سياسية، بل هجوم وهجوم مضاد من الحكومة أو المعارضة في حلب. حلب أصبحت رمزية للمعركة الأخيرة في سورية. في هذا السياق، فإن التركيز في الخطة ذات النقاط الأربع مبني على أنه عندما تأتي الإدارة الأميركية الجديدة الأمل هو أن تحصل مناقشات جدية مع الروس والدول الإقليمية، ويجب ألا يكون وقتذاك مأساة إنسانية في حلب. لذلك، فإن المقترح من منطلق إنساني تضمن إخلاء الجرحى ومساعدة الذين لا يستطيعون المغادرة ومساعدة الأطفال من أصل 275 ألف مدني ووجود الأطباء بحيث لا يكون المدنيون ضحايا ما يبدو أنه إنهاء الهجوم على شرق حلب المحاصر.

> هل أنت قلق من أن القوات الحكومية السورية تريد السيطرة على شرق حلب؟ هل أنت قلق من تكرار نموذج غروزني؟

– أنا قلق جداً من احتمال استئناف القصف إلى مستوى قبل قرار روسيا وقف القصف لـ24 يومياً، ويجب أن نسجل تقديراً لروسيا في هذا المجال. إذا استمر القصف (من القوات النظامية السورية) فإنه لن يبقى شيء شرق حلب في بداية العام، وسيكون هناك 200 ألف نازح على حدود تركيا ومأساة إنسانية وفزع دولي. خوفي أن هذا ما سيحصل إذا كان القرار هو الهجوم الكامل على شرق حلب. آمل في ألا يحصل ذلك.

> التقيت الرئيس بوتين، هل تظن أنه لا يريد تكرار نموذج غروزني؟

– نعم التقيته مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وتلقيت رسالة واضحة، وتأكد ذلك من لقاءات كيري ونظيره (الروسي سيرغي) لافروف من أن الرئيس بوتين ليست لديه نية تدمير كامل لأي مدينة في سورية. هذا لا يعني أن الرئيس (بشار) الأسد لا يريد تصعيد الهجوم على شرق حلب. بالنسبة إلى الروسي، لدي شعور بأنه ليست لديه النية ولا الرغبة في ذلك. هذا قد يحصل إذا قررت الحكومة القيام بذلك.

> هل هذا يعني أن هناك فرقاً بين مقاربة موسكو ومقاربة دمشق لشرق حلب؟

– نعم. هذا هو شعوري فعلاً. الدليل أنه عندما قدمت خطة للوصول إلى حل موقت لشرق حلب تم تجميدها وتدمير كامل. قام الاقتراح أولاً على وقف قصف شرق حلب. وثانياً مغادرة عناصر «جبهة النصرة» شرق حلب مع أسلحتهم. وثالثاً، بقاء المجلس المحلي. ورابعاً تمرير مساعدات إنسانية. الروس وافقوا، لكن الحكومة السورية شعرت بعدم الراحة إزاء ذلك.

> اقترحت بقاء المجلس الإداري المحلي شرق حلب ودمشق رفضت، لأنه كما قالت ينتهك وحدة سورية؟

– دعني أوضح. عندما قلت ببقاء مجلس مدني لم يكن الأمر كما فسرت الحكومة في شكل خاطئ بأنني اقترحت تأسيس إدارة ذاتية مثل الإدارات الكردية أو حكم ذاتي أو انفصالي. أنا لم أقترح ذلك، بل نحن جميعاً متمسكون بوحدة الأراضي السورية. الاقتراح هو بقاء المجلس المحلي المدني وليس تغييره، وفي ذلك مصلحة للأهالي، بحيث يقوم بدوره عندما يغادر عناصر «النصرة»، وهو إجراء موقت وليس انفصالاً أو حكما ذاتياً، بل ترك للمجلس المحلي ذاته. رفضوا ذلك في دمشق، لكن آمل في أن يصلوا إلى فهم أنه أولاً ليس كما قالوا. وأن يصلوا ثانياً إلى قناعة بأن هناك ضرورة لنوع من الإجراء المحلي الخاص شرق حلب. وثالثاً، آمل في أن يدرك الروس الأهمية البالغة لعدم تدمير شرق حلب وأن هناك ضرورة لإجراء خاص.

> هل طلبت مساعدة الروس لإقناع دمشق؟

– نعم. وتبلغت رداً بأنهم مستمرون في النقاش مع الأميركيين واللاعبين الإقليميين الرئيسيين، أقصد تركيا والسعودية وقطر لتنفيذ ذلك.

> هل لديك ضمانات بأنه لو غادر عناصر «النصرة» سيتوقف قصف شرق حلب؟

– لذلك أنا مهتم بنتائج عملية لوزان، التي تضم أميركا وروسيا والسعودية وقطر وتركيا، التي لها دور في استمرار المناقشات للوصول إلى إجراءات، لأنهم هم مَن سيكون الضامن.

> حلب رمز للأزمة السورية، هل أنت راض شخصياً عن الجهود لوقف معاناة أهالي حلب في جميع أحيائها؟

– لست راضياً بالنتائج. عندما ترى استئنافاً للقصف والقتال، فإن الأمر يقود للعنف أكثر. لست راضياً لأنه منذ تموز (يوليو) لم تدخل قافلة مساعدة واحدة إلى شرق حلب. لست راضياً، بل إنني قلق، لكن سنقوم بكل ما نستطيع ونقدم مقترحات ونطرح الموضوع على جميع المستويات.

* هناك قلق من حصول مجاعة شرق حلب؟

– هناك في حلب 250 ألف شخص بينهم 80 أو 100 ألف طفل لم يحصلوا على مساعدات منذ تموز، وهناك استئناف للقصف على مناطق محاصرة وجوارها. يجب ألا يفاجأ أحد إذا حصل جوع عام.

> الأمم المتحدة قالت إن عدد المحاصرين أصبح مليوناً بدلاً من نصف مليون قبل سنة؟

– هذا ليس محبطاً، بل صادماً. في مرحلة عندما كانت تعمل آليات «المجموعة الدولية لدعم سورية» وصلنا إلى 18 منطقة محاصرة، أي 1.8 مليون شخص في هذا العام. لكن الآن تعسكر كل شيء، فزاد عدد المحاصرين، ثم نتحدث عن مقاربة العصور الوسطى، وهي ضد كل معايير القانون الدولي.

> من المسؤول عن حصار هذه المناطق، الحكومة أو المعارضة؟

– باعتباري ممثلاً للأمم المتحدة يجب أن نكون صريحين وشفافين. هناك 18 منطقة، وبعد حصار شرق حلب باتت 19 منطقة محاصرة. هناك منطقتان كفريا والفوعة محاصرتان من المعارضة بأسلوب العصور الوسطى. وهناك 220 ألف محاصر من «داعش» في دير الزور. والمتبقي محاصر من الحكومة. عندما تقوم منظمة إرهابية أو المعارضة بالحصار أمر، لكن عندما تقوم حكومتك بالحصار فإن مستوى الصدمة يزيد.

 

المسار السياسي

*مفاوضات جنيف مجمدة منذ أشهر، ما هي مقاربتك لاستئناف المفاوضات؟ ماهو تعليقك على انتقاد الوزير لافروف لك لأنك لم تدع لاستئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة؟

– أولاً، أفهم موقف لافروف وأشاركه الرأي في أن عملية السلام يجب ألا تتوقف وأنت في منتصف القتال، وهذا ما حصل في حرب فيتنام. وفي الوقت ذاته، ما كنت أقوله هو أننا نحتاج إلى رغبة الحكومة والمعارضة واستعدادهما للمشاركة سياسياً وتنفيذ القرار 2254. بعد سلسلة من المفاوضات، فإن الطرفين كانا متشددين ويراهنان على الانتصار العسكري. الحكومة تراهن حالياً، وهذا ما لاحظته خلال زيارتي إلى دمشق، على أن الرياح تهب لمصلحتها لذلك تتصلب في مواقفها. الفكرة ليست شروطاً مسبقة، بل إشارات من الحكومة للمجيء إلى جنيف والقول إننا مستعدون للبقاء، بل الجهوزية لنوع من المشاركة السياسية من أي نوع. هذه بداية جيدة لاستئناف المفاوضات.

أوافق رأي لافروف ويجب أن ندفع باتجاه المفاوضات، وسأشرح لمجلس الأمن في الشهر المقبل ذلك، وكيفية ألا تكون عملية السلام رهينة للعملية العسكرية.

> تذكر مشاركة سياسية، ما هو الفرق عن الانتقال السياسي؟

– الكلمة المفتاحية هي الانتقال السياسي، وهذا ماجاء في بيان جنيف والتعليمات الإرشادية لنا من مجلس الأمن في القرار 2254 لإطلاق عملية سياسية للوصول إلى مشاركة سياسية تسميها منح الصلاحيات، لأنه عندما تقوم مشاركة سياسية، فإنك تعطي صلاحيات إلى رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان، وهذا أمر عائد إلى العملية السياسية، وإلا تكون الأمور شكلية.

> تقترح أن يشارك الأسد السلطة مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان؟

– أنت على صواب، لأن هناك خيارات عدة بينها الذي ذكرت، وهذا بداية للمشاركة السياسية والمفاوضات، لكن لا أسمع أي شيء عن هذا من الحكومة السورية وبالعكس، وهذا ما يقلقني عندما يتحدثون عن استئناف المفاوضات. المفاوضات السياسية يجب أن تكون مبنية على حد أدنى من الاستعداد للمشاركة السياسية.

> مع بقاء الأسد؟

– لم أتناول مسالة الأسد أو الرئاسة. هذه جزء من المفاوضات للسوريين وليس لأجانب مثلي القول إذا كان الأسد يجب أن يبقى أو لا يبقى.

> تركيا تدخلت شمال سورية وروسيا وأميركا وإيران ودول عربية تتدخل في سورية، هل باتت سورية مناطق نفوذ؟

– هذا الصراع الأكثر تعقيداً وعنفاً الذي رأيته في 46 سنة، حيث هناك 12 دولة منخرطة أو فاعلة بمعنى أو آخر في شكل مباشر أو غير مباشر، يتراوح ذلك بين تقديم مساعدات إنسانية وحرب بالوكالة إلى دعم جماعات مسلحة مثل «حزب الله» وإيران. وهناك 98 مجموعة مقاتلة منخرطة صغيرة وكبيرة، إضافة إلى «داعش» و «النصرة» ونشاطات لحكومة منخرطة وميليشيات وجماعات. كل هذا يجعلها معقدة، لكن ليست مناطق نفوذ. الأرض مرنة ومتحركة، بعض المناطق تكون تحت سيطرة «النصرة» ثم لا تصبح تحت سيطرة «النصرة»، وبعض المناطق تكون تحت سيطرة القوات الحكومة ثم المعارضة والعكس. كما أن مناطق كانت تحت سيطرة الأكراد تأثرت بانخراط تركيا. من السابق لأوانه الحديث عن مناطق نفوذ، وأمل في ألا يحصل تقسيم سورية. كلنا، بما في ذلك السوريون، نريد دولة موحدة ذات سيادة تحت سلطة حكومة شاملة ذات تمثيل، آخذين في الاعتبار أن الناس لا يريدون العودة إلى الوضع السابق، وأن هناك حاجة لعملية سياسية ومشاركة سياسية. كأمر واقع آخذ بالاعتبار ما حصل.

> هل سورية ماتت؟ هل ستقسم سورية؟

– لا أظن أن سورية ستقسم. لا أريد ذلك، والأمم المتحدة لا تريد ذلك، لأن السيادة والوحدة لهذا البلد العظيم يجب الحفاظ عليهما. ثانياً، هذه ستكون سابقة خطرة لبقية دول المنطقة يجب ألا تحصل.

بالنسبة إلى القول إن سورية تموت. إنني أتحدث إلى سوري فخور مثلك، أقول إن سورية لن تموت. السوريون يحبون بلدهم وفخورون به ولن يسمحوا لبلدهم أن يموت. ما يحصل هو تدمير البنية التحتية. صحيح. هناك الكثير يموتون ويعانون والكثير لن ينسوا. لذلك، يجب إطلاق عملية سياسية ذات صدقية. وأنا في بروكسيل ستكون هناك عملية إعادة إعمار لسورية كي تكون كما كانت، إذا لم يكن أفضل.

هناك اهتمام في أوروبا كي يتوقف قدوم السوريين لاجئين، لان السوريين لا يريدون ذلك. هذا سيحصل فقط إذا بدأت عملية سياسية ذات صدقية. لكن الاستمرار في الحل العسكري يعني أنه لن تكون هناك إعادة إعمار، وحتى إذا حصل ذلك سورية لن تموت بل ستعاني، والسوريون لا يستأهلون ذلك.

> ماهو تقديرك لكلفة إعادة الإعمار؟

– لن اعطي رقماً، لان الرقم يتغير كل يوم مع استمرار القصف والمعارك و «البراميل». لكن المبلغ كبير. ما أقوله هو أنني مقتنع بأننا إذا أطلقنا عملية سياسية ذات صدقية فإن أوروبا والبنك الدولي ودولاً أخرى لا تريد سورية مصدراً للاجئين والمعاناة ومكاناً للإرهابيين.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى