صفحات العالم

سقوط بابا عمرو يفرض تحديات أساسية على الثورة السورية


وسام سعادة

ليس هناك ادنى شك في أنه كان افضل رمزيا للثورة السورية الا يسقط حي بابا عمرو ولو بعد شهر كامل من الدك المتواصل بالمدفعية الثقيلة على مرأى ومسمع من كل كوكب الأرض. لكنه الواقع. هناك حدود بشرية قصوى لصمود اي مجموعة من المسلحين المحاصرين في حي معين امام سلاح المدفعية. واكثر من ذلك، هناك صمود ضروري، يتناسق مع الاطار العام للمواجهة، وصمود يغدو بلا طائل منه. بابا عمرو نجح في تأمين الصمود الضروري. جعل من الحسم البشّاري أضحوكة العصر. وأكثر من ذلك سمح من خلال تركيز مدفعية الطاغية عليه بأن تتمدد الثورة الشعبية المسلحة الى مناطق اخرى من سوريا. كان افضل طبعا ان لا يسقط الحي ابدا، وان يسقط قبله الطاغية، لكنه ليس الواقع، ولا هو من الاساس بالترجيح الواقعي. ما هو واقعي في المقابل هو طرح السؤال، اذا كان سقوط بابا عمرو يسرّع او يؤخّر سقوط الطاغية؟.

ميدانيا، ادى حي بابا عمرو وظيفة تاريخية. الشعلة المضاءة ثورة سلمية في ساحة العاصي، حملت البندقية في بابا عمرو للدفاع عن النفس أولاً، ثم لتمكين الثورة بشكلها الشعبي والمسلح من ان تمتد الى مناطق كثيرة جديدة، وان تحافظ في الوقت نفسه على وتيرة “الجُمَع”، التي كانت ولا تزال، الوسيلة المركزية للاطاحة بنظام البعث الفئوي المجرم.

ما كان صمود ثوار حمص منقطعاً عن الاطار العام للثورة: مكّنوا بصمودهم الاسطوري الثورة، وجيشها الحر، من ان تفرض حضورها، وأحياناً “سيادتها” فوق مناطق واسعة من سوريا. مكّنوا أيضاً الأسرة العربية من تحقيق اجماع نادر في تاريخها. وفي المقابل، لم يتمكن الطاغية الأرعن من اقتحام الحي المذكور إلا بعد ان افتضحت مهزلة الاستفتاء، فأي استفتاء ومدينة بحجم حمص تقصف على طريقة… ارييل شارون وحافظ الاسد؟ “البعث” يتخلى عن “قيادته” للمجتمع والدولة، “اكرامية” للشعب السوري المذبوح؟ في الحد الأدنى تحتاج سوريا الى حظر هذا الحزب، بكل الصيغ التي انوجد فيها من آذار لغاية اليوم.

في المقابل، واذا كانت الاستفادة الأسدية من هذا الإنجاز القومي العرمرمي، الموازي لاقتحام ساحة ديزنكوف وسط تل أبيب، هي استفادة محدودة جداً، فهذا لا يعفي الثورة وأصدقاءها من التحديات الاضافية. يفترض بالدرجة الأولى التحرر من الخرافة الستالينغرادية. هذه الخرافة كبّدت مثلا الشعب الفلسطيني الكثير، منذ أيلول الاسود الى تل الزعتر الى بيروت الغربية الى حرب المخيمات الى جنين وغزة. ينبغي إذاً تفادي الوقوع في منزلق الخرافة الستالينغرادية. للصمود في اي مدينة او حي او مخيم حدوده البشرية، وينبغي ان يتكامل مع مسار عام لادارة العمليات. ستالينغراد التي يُضرب بها المثل، ما كانت مدينة تقاتل لوحدها، وتُستفرد لوحدها. وإذا كانت الأوضاع الميدانية للثورة الفلسطينية معقدة للغاية، فليست هذه حال الثورة السورية: بعد سقوط بابا عمرو ينبغي ان تكون للجيش السوري الحر استراتيجية واضحة، وكذلك للتنسيقيات. العمل الجماهيري السلمي في المدن، وفرض السيطرة الثورية المسلحة على كل المناطق الممكنة خارج المدن. هذا الكلام كان إنشائياً محضاً قبل ملحمتي ساحة العاصي وبابا عمرو. انه الان كلام سياسي وواقعي. وطبعا بشرط تحسين خطاب الثورة السورية نفسها بما يشجع التكامل بين العمل الشعبي الجماهيري في المدن، وبين العمل الكفاحي المسلح الذي ينبغي ان تتركز قواعده خارج المدن.

نحن امام ثورة نموذجية في الحالة السورية، لجهة إمكانية تكامل البُعدين العسكري والسلمي. هذا التكامل ما كان ممكنا لولا بابا عمرو، لكنه ليس تلقائياًً بعدها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى