مراجعات كتب

سكوت أندرسون في «الأراضي المكسرة ـ كيف تم انقسام العالم العربي»: استنتاجات مقبولة في منهجية غير مقبولة/ سمير ناصيف

 

 

صدرت مؤخرا النسخة الورقية لكتاب المؤلف الأمريكي سكوت اندرسون بعنوان «الأراضي المكسرة- كيف تم انقسام العالم العربي» الذي صدر الكترونيا العام الماضي.

بالرغم من ان الكاتب معروف وذا نوايا مقبولة وهو مؤلف كتب تاريخية قصصية مثل كتابي «لورانس في العالم العربي» و»الرجل الذي حاول انقاذ العالم»، فان هذا الكتاب الذي قد يبدو من القراءة الأولى انه يسعى إلى التعاطف مع العالم العربي من خلال مقابلة الكاتب مع شخصيات نموذجية ومحورية من بلدان عربية مختلفة عانت في السنوات والعقود الأخيرة، فان اعتماد هذه المنهجية المحدودة القيمة علمياً وبحثياً يطرح الأسئلة حول استنتاجاته التي يقول أنه استند إليها من خلال رحلة استغرقت 16 شهراً (فقط) في الشرق ومقابلة شخصيات اختارها بنفسه وليس عبر أي منهج علمي مقبول أكاديمياً.

يقول الكاتب انه يشعر بالفخر لأن رئيس تحرير مجلة «نيويورك تايمز» الأمريكية جايك سيلفرمان عرض عليه (في عام 2014) نشر استنتاجاته النابعة من مقابلاته في مقالات متسلسلة في المجلة التابعة لتلك الصحيفة الشهيرة.

والسؤال الذي يجب طرحه هنا ليس حول نيات اندرسون أو الصحيفة التي شجعته على نشر مقالاته، فقد يكون بالفعل حَسَنْ النية، ولكن إلى أي مدى سيستمر كتّاب ومثقفون من أمريكا والعالم الغربي في التوصل إلى استنتاجات شمولية حول العالم العربي مبنية على منهجية استشراقية انتقائية، كما تفعل المؤسسات الإعلامية الأامريكية بحيث تتم مقابلة حفنة من الشخصيات ثم إصدار الاستنتاجات الواسعة النطاق حول مستقبل الشرق الأوسط والعالم العربي استنادا إلى هذه المقابلات؟

لو كان اندرسون كتبَ رواية حول مقابلاته مع الشخصيات التي التقاها، فالوضع قد يكون مختلفا. أما أن يطرح نظريات حول مستقبل الشرق الأوسط والعالم العربي من خلال هذه الحفنة التي لا تتجاوز أصابع اليد التي اختارها لتكون الأساس لكتابه واستخدامها لنظريات «كبيرة» فهذا الأمر حان ضبطه في وسائل الإعلام والفكر والبحث الاجتماعي أمريكيا وعالمياً.

وفي محاولة لإظهار إلمام الكاتب بقضايا الشرق الأوسط يورد في مقدمة الكتاب مقابلة أجراها مع القائد الليبي السابق معمر القذافي في عام 2002 علما ان القذافي، شأنه شأن قادة عرب آخرين، كان يسعى لاستقطاب الرأي العام الغربي والعالمي تجاهه وتجاه نظامه.

وفي التمهيد لمقدمة الكتاب يقول ان زياراته المتكررة إلى الشرق الأوسط في السنوات الماضية دفعته إلى الترحيب بانتفاضات الربيع العربي التي تأخرت في الحدوث ولكن كان من المتوجب حدوثها لأن العالم العربي كان في حالة جمود سياسي واجتماعي ولأن القذافي كان مثلاً واضحا على هذا الجمود نظرا إلى استمرار حكمه لمدة طويلة جداً.

ولا يسأل اندرسون عن الجهات التي دعمت استمرار نظام القذافي وأمثاله في العالم العربي.

وفي التمهيد يقول ان «الشعوب العربية كانت ضد الصهيونية والغرب والامبريالية، وان قادة هذه الشعوب الديكتاتوريين وجهوا هذه المشاعر الناقمة للأعداء الخارجيين لكي يمنعوا ان تتوجه ضدهم وضد حكامهم غير الشرعيين. ولكن، ربما صحح «الربيع العربي» هذا التوجه ودفعه نحو مواجهة القادة العرب أنفسهم». ولعل هذا المنطق يبدو مقبولاً من نظريا، ولكنه يبرئ إسرائيل وأمريكا وحلفاؤهما في الغرب من أي مآسي يعاني منها الشعب الفلسطيني وأي إجحاف وتنكيل تتعرض لها الشعوب العربية بسبب سياسات هذه البلدان الغربية والإقليمية تجاهها. وهذا منهج يعتمده كثير من المفكرين الليبراليين الغربيين، أكان في الحيز السياسي أو الثقافي في العالم الغربي، الذي يروج لأي فوضى في العالم العربي معتبراً انها إذا كانت ضد الأنظمة، فهذا أمر مستحسن، أما إذا كانت ضد أمريكا وإسرائيل والاستيطان في فلسطين وفرض قيادة نتنياهو وليبرمان في إسرائيل سياسات شارون على الشعوب العربية، فهذا أمر مرّ عليه الزمن ويجب وضعه جانبا.

ويتساءل اندرسون في التمهيد لماذا تحولت انتفاضات «الربيع العربي» إلى حركات مؤيدة لمنظمة «القاعدة»؟ ويجيب: «من الصعب الحصول على جواب واحد حول هذا الموضوع». ثم يضيف مستشهداً بإجابة لأحد أفراد العينة التي اختارها واستند إليها في كتابه، كما يفعل مراسلو محطة «CNN» الأمريكية عندما يطرحون الأسئلة الكبيرة على شخصيات هامشية يختارونها في أوروبا وأمريكا ويعتبرون إجاباتهم كافية لحسم هذه الأمور الخطيرة.

الخطورة، ليست في هذه الأسئلة وفي الإجابة عليها، ولكن في اعتماد هذا المنهج المبسط والمنحاز في تناول قضايا سياسية كبرى من المطلوب معالجتها بعمق وموضوعية وتوازن أكبر وبمعرفة تاريخية.

والمؤسف ان اندرسون لا يتورع عن القيام باستنتاجات كبيرة جدا عن العالم العربي من خلال مقابلاته فإذا به ينتقل من مقابلته مع شخص أردني استخدمه كسائق في جولاته في الأردن ليتوصل إلى استنتاجات «درامية مسرحية» بان العالم العربي ما زال يعيش استناداً إلى منطق القبيلة والعشيرة وأفضلية دم العائلة، وان «الربيع العربي» نجح في الدول الست التي لا تعتمد النظام الملكي العشائري (مصر، العراق، ليبيا، سوريا، تونس واليمن) ويتساءل هل هذا الخطأ يعود إلى ان الجمهوريات العربية المذكورة أعلاه لم تكتف باعتماد الفساد والقمع ولكنها لم تكن ذكية بما يكفي للاعتماد على دعم النظام القبلي العشائري كما في الممالك العربية؟

ويشير في هذا المجال (ربما بسبب رغبة دفينة لديه) إلى ان العراق وسوريا وليبيا لن تعود أبداً إلى دول موثوقة تتوافر فيها إمكانية تصديق توجهاتها.

ويضيف ان هذه الدول أنشئت بشكل اصطناعي من قبل الاستعمار الغربي في مطلع القرن العشرين، حيث لم يؤخذ في الاعتبار الانقسام القبلي فيها وحيث لا تمتلك هوية قومية. ثم يعود إلى الاستشهاد بنظام القذافي قائلا ان الزعيم الليبي لم يدرك ان دولته كانت مصطنعة وان «الربيع العربي» سيعيد ليبيا إلى حقيقتها (ربما يقصد القبلية).

والمؤسف في منهجية المؤلف كونه يعتمد التناقض في مقاربته للغزو الأمريكي للعراق عام 2003 حيث يقول ان قيادات عربية كصدام حسين في العراق حاولت رأب الصدع الاجتماعي والسياسي في البلد باعتماد قومية وطنية وعربية لتحقيق لحمة فيه ولكن كان من الضروري أيضاً الاستفادة من الانتماءات القبلية والمذهبية والاثنية وعدم تجاوزها، وهذا لم يتم فعله.

من الواضح ان المؤلف يطرح منهجية متناقضة ومشوشة، ولا يكفيه ان يقابل من يعتبرهم شخصيات نموذجية في المنطقة لكي يعتبر نفسه مرجعاً حول مستقبلها (مهما كانت مؤهلاته) وبصرف النظر عمن قابلهم من قيادات وشخصيات عربية ليتوصل إلى نظريات حول «داعش» وانفصال بريطانيا عن المجموعة الأوروبية وقضايا أخرى أساسية.

ولعل الفصل الأخير من الكتاب يشكل برهانا آخر على طموح الكاتب حيث يقول في الصفحة (205): «أجد من الصعب ان أتوقع ماذا سيحدث في المستقبل في الشرق الأوسط. الوضع الحالي إلى أسوأ مما كان عليه (في مصر وسوريا وليبيا). والأمل الوحيد هو بوادر خسارة «داعش» في العراق، وعندما تسقط مدينة الموصل فهذا يؤشر على نهاية «داعش» والخلافة الإسلامية في العراق». ولكنه يستدرك قائلاً ان أحد الأشخاص الذين قابلهم أبلغه ان العوامل التي أدت إلى نشوء «داعش» ما زالت موجودة. ويضيف: «ان الأمل بالنسبة للمنطقة برمتها هو ان التحالف الدولي فيها سيتوسع وسيتخذ خيارات سياسية وإنسانية أكبر مما يتيح له المجال لمواجهة أي أزمات قد تنشأ بشكل أكثر فعالية وبسرعة أكبر». (ص 206) أي انه محافظ في قالب ليبرالي.

وبالنسبة إلى موقف المؤلف إزاء سياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فانه يقول: «ان سياسات ترامب غير مشجعة ومقلقة. ومواقفه إزاء ما يسميه الإرهاب الإسلامي حادة وجارحة. وأنه وبعد مقابلته مع دزينتين من مقاتلي «داعش» السابقين تبين له ان واحداً منهم فقط انتسب إلى هذه المنظمة لأسباب دينية. الأسباب للانتساب في معظم الأحيان كانت في رأيه للحصول على المال والسلطة وللتلاحم مع الأصدقاء والمقربين. وهذه الأسباب هي نفسها التي تدفع الشباب الأمريكي للانتساب للعصابات في أمريكا أو إلى مجموعات تروج المخدرات في المكسيك. «ان إدارة ترامب استخدمت المنهج الفكري نفسه الذي استخدمته داعش والذي سيؤدي إلى المزيد من المواجهة مع هذه المنظمة، والذي ستوفره داعش لها». (ص 206 ـ 207).

المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً هما منطقتان معقدتان، والمطلوب فهم تاريخهما، وتاريخ الاستعمار الأجنبي فيهما، قبل طرح النظريات «الكبيرة» حجماً والقصيرة في حيز صحة فحواها من أجل استقطاب الرواج الإعلامي، وخصوصاً في هذه المرحلة من التاريخ، وبشكل خاص إذا طرحت العودة إلى القبلية والعشائرية.

 

Scott Anderson : Fractured Lands – How the Arab World Came Apart

Picador, London 2017

214 p.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى