صفحات العالم

مناف طلاس هل سيكون فرس الرهان في سورية؟


أنس محمود الشيخ مظهر

عندما قامت الثورة الليبية قلنا إنها مثال سيئ للثورات العربية، وهوجمنا حينها من قبل الكثيرين الذين اعتقدوا أننا نطعن بالثورة الليبية، ونتسبب في تراجع معنويات الثوار الليبيين بينما كان القصد هو التحذير من جر الثورة الليبية إلى الفوضى التي لازمتها لفترة طويلة، وكادت تطيح بها لولا وقوف الدول الغربية معها ومدها بأسباب النجاح. ورأينا كيف أن القوى الدولية “تناخت” لنصرة الشعب الليبي حفاظا على مصالحها، وعدم وجود تحالف قوي بين نظام القذافي وأي من الدول الكبرى في العالم كما هو موجود بين نظام بشار الأسد وروسيا والصين اللتين تدعمانه دوليا، وتمنعان التوصل إلى أي قرار دولي ضده لحد الآن، مما أضاف أعباء كثيرة على عاتق الثورة السورية، وإن كان الغرب قد جر الثورة الليبية إلى بر الأمان بمشاركة قوات الناتو فيها فقد بقي متردداً لغاية الآن في التدخل بشكل مباشر لنصرة الثورة السورية. فالتخوف الغربي من قيادة الإسلاميين للثورة تخوف مشروع “من وجهة النظر الغربية”، والتخوف الأميركي من أن يتكرر سيناريو أفغانستان في سورية المجاورة لإسرائيل احتمال قائم استنادا للتقارير التي تفيد بمشاركة الكثير من الإسلاميين الجهاديين في هذه الثورة، وسيطرتهم على ساحة العمليات في الكثير من المناطق، وكذلك المؤشرات التي تدل على احتدام الشعور الطائفي في الشارع السوري، الأمر الذي قد يؤدي إلى وقوع الثورة في أيدي القاعدة أو المجاميع التي تتبنى تفكيرها. وهذا آخر ما تتمناه أميركا في دولة تعتبر من دول الطوق مع إسرائيل، أما بالنسبة إلى تركيا فإن سيطرة الأحزاب الكردية السورية على المناطق التي تضم أغلبية كردية تشكل تهديدا مباشرا لأمنها، وما غلق المنافذ الحدودية بين تركيا وسورية في الآونة الأخيرة إلا تعبير عن هذا التخوف من قبلها بعدما سيطر مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي السوري على المنافذ الحدودية تلك. بالإضافة إلى عدم وجود تنسيق مشترك بين أقطاب الثورة السورية كمكونات، وحتى بين الجيش الحر والمجلس الوطني السوري وغياب مرجعية سياسية تلتف حولها القوى المشاركة في الثورة. كل هذه الأسباب دعت الغرب يتخوف من مسار التطورات في سورية والعمل على إيجاد بديل مناسب للأسد يكون مقبولا له وللدول المؤيدة للنظام الحالي، الأمر الذي يضع الثورة السورية أمام منعطف خطير ليس في بقاء بشار الأسد، حيث إن زواله أصبح مسألة وقت لا أكثر إنما في مستقبل سورية ما بعد بشار. على هذا الأساس فإن توقيت خروج مناف طلاس من سورية وتوجهه إلى فرنسا، وبعد ذلك لتركيا والسعودية يشير إلى أن هناك طبخة يشرف عليها الغرب للخروج من المأزق الذي يواجهه في تداعيات الثورة السورية. وإذا استطاع مناف طلاس كسب ثقة الأطراف الدولية كبديل مناسب لنظام بشار الأسد فإنه قطعا لا يملك التأييد نفسه من الثورة السورية والشعب السوري للالتفاف حوله مطمئنا لمسار ومستقبل ثورته، فالمعروف أن مناف طلاس ينتمي إلى نفس المدرسة العسكرية التي اعتمد عليها نظام البعث السوري لعقود من الزمن والتي انتهى عمرها الافتراضي ليس في سورية فحسب، إنما في كل المنطقة وهي نفسها التي تقاتل الثوار حاليا في المدن السورية، ناهيك عن أنه من الصعب على المجلس الوطني الانتقالي السوري أن يفتح أبوابه له وينزوي ليقف في الصف الثاني للثورة. إذاً فإن إدخال مناف طلاس في معادلة الثورة السورية سيؤدي إلى تعقيد المعادلة أكثر من حلها، وإذا استطاعت الدول الغربية من فرضه على المجلس الوطني والجيش الحر فإن فرضه على الشعب والشارع السوري هو أشبه بمهمة مستحيلة، خصوصا أن هناك معلومات تشير إلى دور روسي في خروج العميد مناف طلاس باتفاق مسبق مع بشار الأسد لخلق ترتيبات معينة تكون مقبولة لجميع الفرقاء في الداخل السوري وخارجه. ويظهر أن المجتمع الدولي لم يعِ الدرس الليبي ومصير الجنرال الليبي السابق عبدالفتاح يونس الذي كانت الدوائر الغربية تعول عليه في رسم خريطة سياسية لليبيا بعد نجاح الثورة، وكيف تمت تصفيته من قبل جهات رفضت الإملاءات الغربية المباشرة عليها. ليس فقط الدكتاتوريات العربية لم تفقه لحد الآن دروس ثورات شعوبها، بل يبدو أن أميركا والغرب أيضا لم يدرسا بشكل جيد التحولات الكبيرة التي تشهدها المجتمعات العربية، فإن كانت الشعوب العربية تطلب تدخل المجتمع الدولي لمساعدة ثوراتها فهذا لا يعني أنها تقبل بإملاءات هذه القوى على المدى البعيد، وإن كانت الدول الغربية هذه قد نجحت في الكثير من البلدان في الإتيان بحلفاء لها إلى سدة الحكم (ولا أقول عملاء) فإنها يجب أن تعي أن بقاء هؤلاء “الحلفاء” لن يطول، لأن الثورات هذه لم تقم لتبقى هذه الدول أسيرة المصالح الغربية والأميركية، وأن هناك نسخا ثانية من الثورات العربية ستقوم لتنظيف بلدانها من ترسبات العقود الماضية. وعلى هذا الأساس فإن على الغرب بشكل عام ترك الشعوب هذه تقرر من يحكمها بنفسها دون وصاية لأن هذه هي الفرصة الأخيرة لها لتجميل وجهها القبيح أمام شعوب هذه المنطقة.

* كردستان العراق – دهوك

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى