صفحات المستقبل

سوريات يهززن “مهد”.. الثورة


عمر حرقوص

في شهر رمضان الكريم المنصرم قال الناس إن النظام السوري سيخفف من وطأة الهجوم على المتظاهرين السوريين، ولكنه استبق الشهر الفضيل بدخول مدينة حماه وقتل عدد كبير من أبنائها، كانت الدنيا صيفاً، وكان الشهداء يسجلون بالتوالي، فيما الرهانات على هذا النظام رميت جانباً.

وفي عيد الأضحى أطلت جامعة الدول العربية بمبادرة لايقاف العنف والسماح للناس بالتحرك بحرية وسحب دبابات الجيش السوري من الشارع، ولكن كما قال المنتفضون السوريون فإن هذه المبادرة ولدت يتيمة لتموت بعد ساعات تحت مرمى الرصاص والقذائف التي أدت إلى استشهاد العشرات من الناس المتظاهرين أو الجالسين في بيوتهم.

استمرت الانتفاضة واستمر النظام محاولاً قمعها وإيقافها، لعبة كرّ وفرّ بين حاملي كاميرا الهاتف الخلوي وبين كتائب “الشبيحة”، العين تقاوم مدفع الدبابة والأم تبكي ابنها الشهيد وتناضل إلى جانب أبنائها الباقين ورفاقهم الشبان في أكثر من موقع، فيما المستشفيات الميدانية التي تعمل لانقاذ السوريين الجرحى بأقل قدر ممكن من الأدوية، تتحول حين اقتحامها إلى انتصار جديد يسجله “شبيحة” النظام على أقنيتهم التلفزيونية.

مشاركة المرأة السورية في الثورة ليست بالأمر العادي، في ظل الاشتباكات التي تحدث بين الشبيحة و”الجيش الحر” وخصوصاً أن الشرق لا يحتمل أدواراً للنساء في قيادة التحركات، ولكن مع نموذج الثورات العربية من تونس إلى مصر واليمن ومع بروز شخصيات لها تأثير على الواقع السياسي في سوريا، من أمهات وزوجات وشابات يناضلن ويعتقلن ويرمى بهن في غياهب السجون، تحول دور المرأة هناك إلى عمل ريادي رائع.

فنشاط النساء السوريات يسجل كل مرة انتصاراً للعين على الدبابة، تطل الناشطة الحقوقية رزان زيتونة عبر صفحات “الفايسبوك” تحاور وتنقل أخبار رفاقها الذين اختفوا أثناء التظاهرات أو اعتقلوا من بيوتهم، تعتقل عائلتها لتسلم نفسها للأمن وترفض الاستسلام وتستمر في عملها القيادي والحقوقي.

أما سهير الأتاسي فتستمر بنضالها الرائع رغم كل الظروف السيئة المحيطة بها، ظروف أقل ما يقال فيها إنها خارجة عن الطبيعة، وهي التي كانت من أول المعتقلين في شهر آذار الماضي حين التقى أهالي المعتقلين السياسيين أمام مبنى وزارة الداخلية في دمشق مطالبين بحرية أبنائهم، أطلق سراح سهير بعد فترة، وعادت إلى صفوف الناس حيث موقعها الطبيعي، تناضل وتحاور وتتابع ظروف رفاقها وأوضاع أهاليهم كأنها أم لهذه الثورة.

كما اضطرت الكاتبة سمر يزبك الرحيل من سوريا إثر تعرضها لعدد كبير من التهديدات التي لاحقتها إلى داخل بيتها بسبب موقفها الداعم للثورة ومشاركتها في تظاهرة المثقفين في دمشق حيث اعتقل الكثيرون، وأسباب تهديد سمر عديدة منها انتماؤها إلى طائفة الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما اعتبره “شبيحة” النظام خيانة منها، ولكن سمر اعتبرت أن قتل أبناء شعبها هو الخيانة ولذلك لم يكن أمامها سوى خيار الرحيل والعمل الأدبي والإعلامي من الخارج دعماً لأبناء بلدها.

إلى سهير ورزان وسمر برز أخيراً اسم الممثلة السورية فدوى سليمان، منذ بداية الانتفاضة كانت فدوى من المشاركات دوماً في التحركات التي قام بها عدد من المثقفين دفاعاً عن أهل بلدهم من درعا إلى الرستن والقصير وتلكلخ وحمص واللاذقية ودمشق وغيرها من المدن السورية، حملت هموم الناس وانتقلت في القرى والمدن متحملة التهديدات والاتهام بالخيانة لأنها تنتمي أيضاً إلى طائفة الرئيس نفسه.

لم تحتمل فدوى حقد “الشبيحة” على أبناء بلدها، وككثيرين غيرها بدأت تشارك في التظاهرات في المناطق الأكثر خطراً لتؤكد أنه لا يوجد “مسلحين” ولا خارجين على القانون، وقفت بصوتها المرتفع لتحكي عبر الإعلام عن مشاهداتها وعن رأيها، كانت كصفعة لئيمة توجه إلى وجه النظام الذي لم يحتمل عملها فسجل ما استطاع من اتهامات بحقها كأنها أكثر الناس خونة في الكون.

هذه الأيام تركت فدوى ابنها الصغير واتجهت إلى حمص لتكون إلى جانب الناس في مأساتهم، ذهبت لتكون الشاهدة والضحية في آن على القصف المدفعي الذي يتعرض له أبناء بلدها، من داخل المناطق المحرّمة ظهرت من داخل إحدى التظاهرات وهي تتحدث عن بلدها رافعة هذا الهم الكبير بشعار “يا الله ما لنا غيرك يا الله”. بمشاركتها هذه أكدت فدوى أن المتظاهرين هم الأكثر سلمية في العالم، وأنها تتحمل مسؤولية خيارها في البقاء مع شعبها، وأنها ستنتصر بالتأكيد كما سينتصر أبناء سوريا جميعاً.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى