صفحات العالم

أفكار إسرائيلية وسيناريوات محتملة: ماذا في جعبة اليوم التالي لسقوط النظام السوري؟


ماجد الشّيخ

من بين تقديرات مؤتمر هرتسليا الأخير (كانون الثاني 2012)، هناك تقدير أن إسرائيل تعيش هواجس حقيقية وجدية في عين العواصف، بل في قلبها. فقد رأى الجنرال احتياط داني روتشيلد وطومي شتاينر أنه خلال العام الفائت وقعت في العالم ما أسمياها «سلسلة أحداث دراماتيكية وسيرورات تشكيلية»، تخلق على ما يبدو نقاط تحول استراتيجية تغير الواقع، خصوصا في المحيط الاستراتيجي لإسرائيل. وقد أشار جدول أعمال مؤتمر هرتسليا إلى ثلاث سيرورات تأسيسية أساسية، تقيم علاقة تبادلية مركبة في ما بينها وتبلور الواقع الاستراتيجي لإسرائيل في هذا الوقت: الأزمة الاقتصادية العالمية، الهزة السياسية – الاجتماعية في الشرق الأوسط (الربيع العربي، حركات الاحتجاج العالمية من قبيل احتلوا وول ستريت، ومن ضمنها الاحتجاج الاجتماعي في إسرائيل) و»السيرورة العالمية للمجد المدني».

وبالنسبة لإسرائيل، تصعب المبالغة في أهمية منظومة العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة في هذه الآونة. فالهزة في الشرق الأوسط كان يفترض أن تبرز القيمة الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة لواشنطن والغرب، لكنها لم تفعل. وقد ذهب روتشيلد وشتاينر إلى أنه لا يمكن التهرب من الانطباع بأن الولايات المتحدة ترى في إسرائيل بخطواتها المستقبلية «خطرا استراتيجيا» أكثر مما تراها «حليفاً استراتيجياً». فالصورة التي أعطيت لحكومة إسرائيل الحالية في أوروبا وفي الولايات المتحدة، بالغة القسوة، والانتقادات ضدها في العالم ليست نزيهة دائما. لكن من ناحية إسرائيل، هذا إخفاق دبلوماسي مدوّ، لجهة «أن نطرد من المدينة وأن نأكل السمك النتن»، حسب تعبيرهما.

وعلى الرغم من تطمينات قوى الإسلام السياسي ورعاتها هنا وهناك، فقد رأى روتشيلد وشتاينر، إن تحول الشرق الأوسط إلى معقل للإسلام السياسي الراديكالي، المرتكز على دعم جماهيري متين، وضع حدا لتوقعات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وإنشاء علاقات استراتيجية مع دول مركزية في المنطقة. كذلك رأيا إن التقديرات الإسرائيلية بشأن المخاطر الكامنة في الهزة التي يعيشها الشرق الأوسط والتي أثارت انتقادات دولية ثاقبة، تزداد تحققا، فيما خابت التقديرات المتفائلة الغربية. ومقلق على وجه الخصوص نفوذ الإسلام السياسي الراديكالي، البارز جدا ليس فقط في دول تجري فيها انتخابات. وبالحذر المطلوب يمكن التقرير أنه، لا تتوفر ظروف تسمح بتحول واستقرار سياسي – اجتماعي – اقتصادي في دول جرت وتجري فيها انتخابات وتبادل سلطة، ربما عدا المغرب. وعدا ذلك، فإنه في السنوات المقبلة قد تشهد خريطة الشرق الأوسط تغييرات: إذ لا يمكن اعتبار سلامة الوحدة الإقليمية لعدد من الدول، بينها سوريا والعراق ولبنان واليمن، أمراً مضموناً. وفي معظم الحالات، سيكون لهذه التغييرات المحتملة آثاراً إقليمية لا بأس بها. كما أن مستقبل اثنتين من جارات إسرائيل في الشمال، سوريا ولبنان يكتنفه الغموض. في حين يقوم النظام السوري برئاسة بشار الأسد، بمساعدة نشطة من إيران وحزب الله، وعلى ما يبدو أيضا بمساعدة روسية في الميدان السياسي، بكل ما يقدر عليه للبقاء في سدة الحكم.

وتشير معظم التقديرات المنشورة، إلى أن نهاية نظام الأسد قريبة، وأن الأمر مسألة وقت. ومع ذلك، فإن غياب رد الفعل الدولي والعربي الجدي ضد الوسائل الوحشية التي ينتهجها النظام السوري منذ شهور طويلة، لا تشهد فقط على إفلاس روسي، وإنما تشكل أيضا إسنادا للنظام وتزيد عزمه على الاستمرار في محاولة قمع الانتفاضة بكل طريقة ممكنة. وعلى خلفية انعدام الوحدة في صفوف المعارضة السورية، وقدراتها العسكرية المحدودة مقابل القوة العسكرية الأكبر للنظام، يتوقع استمرار سفك الدماء. ومن دون تدخل عسكري دولي، لا يبدو في الأفق، ستكون هزيمة النظام السوري على ما يبدو صعبة وأطول من المعركة في ليبيا. ومنذ نشوب الاضطرابات في سوريا، تمنح تركيا رعايتها وتقدم مساعدات مادية للمعارضة، وبذلك تعمل على موضعة نفسها كعامل قوة مهم في بلورة مستقبل سوريا ما بعد الأسد. لكن، لا شيء يؤكد قدرة تركيا على المحافظة على سوريا موحدة.

سيناريوات سلبية

وأخيراً وفي ما يتعلق بالسيناريوات المحتملة، وجميعها سلبية بالنسبة لإسرائيل، رأت دراسة لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن السيناريو الاول: تفتت الدولة السورية واندلاع حرب أهلية طائفية ومذهبية لا تعرف الرحمة، والثاني أن النظام الحاكم يُحكم سيطرته على محور دمشق ـ حمص ـ حلب، وأن تبقى سورية تتصرف كدولة، والسيناريو الثالث هو إسقاط النظام ووصول قيادة جديدة، على فرضية توحد المعارضة، والرابع انتشار الفوضى العارمة في جميع أنحاء سورية، وسقوط الأسد وعدم وجود البديل لإدارة البلاد، الأمر الذي سيُحول سورية إلى حلبة للنزاعات من قبل قوى متشددة، تعمل بتأييد من الخارج، مثل إيران، السعودية، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. أما السيناريو الخامس، فهو تدخل عسكري خارجي بعد وقوع حادث دراماتيكي، وهذه العملية العسكرية ستؤدي إلى سقوط الأسد، وبحسب وجهة النظر الإسرائيلية فإن جميع السيناريوات التي ذُكرت تضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، تجلب لها تهديدات لم تكن في الماضي، وتحديدا تحوّل هضبة الجولان إلى منطقة مشابهة لسيناء، ولكن الخوف الأكبر لدى تل أبيب هو حصول حزب الله على أسلحة غير تقليدية من سورية، أو وصول هذه الأسلحة إلى تنظيمات متطرفة، أو قيام حزب الله، بإيعاز إيراني بشن هجوم على إسرائيل.

وأخيراً، وبالتزامن مع تقديم التقرير الاستخباراتي السنوي للحكومة الإسرائيلية، أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية يوم الإربعاء 29 آب/أغسطس الماضي، التصريحات التي أدلى بها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال (أمان)، الجنرال أفيف كوخافي، والتي أكدت على أنها عرضت صورة قاتمة لما ستواجهه إسرائيل خلال العام الجاري، وحسب صحيفة «إسرائيل اليوم» فقد قال رئيس الاستخبارات العسكرية إن إسرائيل ستواجه في السنة المقبلة شرق أوسط غير آمن، وغير مستقر ومتوتر، وتُسيطر عليه الجماعات الإسلامية المتطرفة، على حد تعبيره.

حرب قصيرة الأجل

وفي السياق، فإن منطقة الشرق الأوسط ملزمة بمواجهة تحديات وأزمات كثيرة، منها الداخلية ومنها الإقليمية، الأمر الذي يؤدي إلى رفع درجة الحساسية لدى اللاعبين، مما قد يقود المنطقة إلى حرب، حتى من دون تحضير مسبق. ولفت الجنرال إلى أن التقرير الاستخباراتي السنوي هو نتيجة عمل دؤوب وطويل، أساسي وشامل، شاركت فيه جميع الهيئات المختصة في جمع المعلومات.

وحذر كوخافي من أن هناك أكثر من 200 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية مختلفة المدى موجهة إلى إسرائيل، ومنها صواريخ قادرة على إصابة أهداف في عمق الأراضي «الإسرائيلية» وفي منطقة تل أبيب الكبرى. وأن هذه الصواريخ موجودة في سورية ولبنان وإيران، ويتم إخفاؤها في مناطق مأهولة بالسكان في لبنان. وأشار إلى أن الرؤوس الحربية لهذه الصواريخ والقذائف هي أكثر فتكا وأكثر دقة. وفي الشأن الإيراني قال إن كمية اليورانيوم التي تمتلكها طهران حاليًا تمكنها من إنتاج 4 قنابل نووية، وذكر انه بعد اتخاذ القرار بإنتاج القنبلة النووية ستحتاج إيران إلى فترة سنة واحدة لإنتاجها. وتوقع كوخافي أنْ تجعل الهزة، التي تضرب الشرق الأوسط، هذه المنطقة أكثر عداوة لإسرائيل.

أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، فقد أعرب عن قلقه العميق من تعاظم القوة العسكرية للدول المجاورة، مشيراً إلى أن أسلحتها تغطي جميع أنحاء إسرائيل، وزعم أن كلاً من غزة ولبنان تعتبران أكبر مخازن للأسلحة، وأن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر تسلحاً في العالم، ونحن المستهدفون الرئيسيون من هذا التسلح. وتابع غانتس موضحًا أنه إذا اندلعت الحرب المقبلة؛ الأمر الذي لا نحبذه أن نرى أنفسنا أمام جيوش ضخمة التسلح موجهة ضدنا. وتوقع أن تكون الحرب القادمة قصيرة الأجل، حيث أن هدف العدو سيكون موجها إلى قلب المدن، من أجل إحداث الخوف والفزع. ما دفع صحيفة «معاريف» للتعليق على تصريحات رئيس الأركان، موضحة أن غانتس بذلك يعترف بأن العدو أينما وجد، يستطيع أن يوجه صواريخه إلى أية نقطة في إسرائيل، وربما لن يكون هناك مكان محصن، بما في ذلك الأماكن الإستراتيجية التي تقوم بإمداد البلاد بالماء والكهرباء.

تحديات جديدة

أما الجنرال غيورا آيلاند، فقال إن سقوط نظام الأسد، ودخول سورية في حقبة طويلة من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، من شأنه أن يضعف سورية، ويزيد من نفوذ إيران داخلها، ويضاعف احتمال إقدام مجموعات مختلفة على استفزاز إسرائيل. لافتًا إلى أنه صحيح أن هذا السيناريو لن يزيد الخطر العسكري السوري على إسرائيل، لكنه سيؤثر في استمرار الهدوء على الحدود الإسرائيلية ـ السورية، كما تطرق الجنرال إلى حزب الله اللبناني قائلاً: إن العوامل التي من شأنها أن تكبح حزب الله هي اليوم أقوى بكثير من تلك التي كانت موجودة في نهاية سنة 2010.وعلى الأرجح، سيسعى حزب الله لتفادي مواجهة مباشرة مع إسرائيل في المستقبل المنظور، لافتًا إلى أنه ثمة احتمال ضئيل أن تحاول سورية تحويل الأنظار عما يجري في داخلها، من خلال إقناع حزب الله وإيران بالعودة إلى أعمال الاستفزاز على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. كما يمكن، في ظل الأوضاع الراهنة أن يؤدى غموض الوضع في سورية إلى عدم الاستقرار في لبنان، لكن هذا يبقى احتمالا ضئيلاً للغاية.

هكذا في منطقة تهتز على وقع العديد من زلازل الثورات العربية وارتداداتها، واهتزاز عروش وكراسي انظمة تسلطية واستبدادية، ومخاطر سقوط بعضها على إسرائيل، اعتبرت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات والتقديرات الخاصة بالوضع في المنطقة، أن إسرائيل باتت تعيش في قلب العواصف، من دون يقين بإمكانية خلاصها أو نجاتها بالعودة إلى ما كانت عليه الأمور، وبالتالي انتقالها إلى ضفة من استقرار قصير أو متوسط المدى. لكن الصورة الأكثر قتامة هي صورة الوضع السوري، وهو ينتقل من ضفة إلى أخرى في يوم تال لسقوط النظام، وهي الصورة التي يُشار إليها كونها صورة شرق أوسط غير مستقر وغير آمن، بحسب تعبير رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وفي القلب من تلك الصورة صورة تحديات جديدة غير مسبوقة، تتناقض وتلك الصورة التي عاشتها إسرائيل أكثر استقرارا وأمنا في السابق، تحت حماية حراسها من الأنظمة الاستبدادية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى