صفحات العالم

سوريا: أي تراجع؟


محمد ابرهيم

بقبوله المبادرة العربية سجّل النظام السوري تراجعا حقيقيا عن المعادلة التي اتبعها حتى الآن. معادلة خنق الإحتجاجات الداخلية عسكريا، والإتكال على “الأصدقاء” خارجيا لمنع تدخل دولي على النمط الليبي.

الترحيب الخارجي بمبادرة الجامعة العربية كشف اعتبارات النظام للقبول بهذا التراجع. لقد التقت كل من روسيا والصين وايران على اعتبار دور الجامعة العربية بديلا طبيعيا ومقبولا من دور مجلس الأمن وحلف “الناتو”. وبذلك لم يعد بمستطاع النظام السوري ان يضيف الى رفضه التدخل الخارجي رفضا للتدخل العربي، حتى مع صيغة الحوار مع المعارضة في القاهرة.

لم يستنفد النظام بالطبع كل طاقاته على “ضبط” الوضع الداخلي، لكنه في المقابل استنفد كل رصيده الخارجي. هذا الخارج الذي منحه، عمليا، منذ اشهر فرصة خنق الإحتجاجات، شرط ان يكون نجاحه “كاملا”، ومعلوم ان ذلك لم يتحقق.

وبين النظام وداعميه الخارجيين تفاوت من نوع آخر. فمقابل انغلاقه وتمنّعه عن استيعاب شرائح سياسية واجتماعية جديدة، تبدو حقيقية رغبة اولئك بتوسيع قاعدته وبالتضحية ببعض رموزه وجزء اساسي من آلته. والمتابع لمواقف هذا الخارج الصديق للنظام يلاحظ حرجا من عدم قدرته على تجاوز مرحلة “الإصلاح الورقي”.

عند هذه النقطة سيتحدد مصير المبادرة العربية. فالقوى الداخلية الجاهزة للتسويات موجودة، خصوصا في صفوف المعارضات التي لا تختلف فقط على التدخل الخارجي وانما ايضا، واساسا، على مشاركة بعض النظام في الصيغة السياسية الجديدة. واذا اضفنا البعد الخارجي الدافع في اتجاه التسوية الى هذا البعد الداخلي نجد ان الأفق مفتوح امام مرحلة تغيير انتقالية بمشاركة واسعة.

مشكلة هذا الخيار بالنسبة الى النظام هي ان نتيجته النهائية معروفة، وان دور الرئيس فيه يشبه دور الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشيوف: الإشراف على التصفية السلمية للنظام القديم، وتسليم البلاد الى تشكيلة سياسية-اجتماعية جديدة.

توقعات ان يكون النظام قد وصل الى هذا الإقتناع، تقترب بالطبع من الصفر. وهذا ما يدفع كل التحليلات الى التقاطع عند اعتبار انه يناور. لكنها مناورة من نوع مختلف. فالنقاط التي “اتفق” عليها النظام مع الجامعة العربية ستنفّذ. وتحرير المدن من القبضة العسكرية لا بد ان يحصل، ولو بعد تعثر. لذلك قد نكون امام “مرحلة يمنية” في الأزمة السورية: شارع مقابل شارع، وعنف اهلي بديل من العنف العسكري الرسمي.

فائدة هذا السيناريو بالنسبة للنظام انه يعيد احراج الخارج الصديق له، مثلما يسمح للحل العسكري بالعودة بهدف نبيل: وضع حد للإقتتال الأهلي البغيض.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى