صفحات الرأي

“سوريا الاقتراع أم الرصاص؟” لكارستين ويلاند الى العربية تنبأ بالثورة السورية


هل سيكون الرئيس بشار الأسد جزءاً من التصحيح أم أن التصحيح سيجرفه؟

تقديم: يقظان التقي

أكثر من مقدمة لأكبر من كتاب للدكتور كارستين ويلاند بعنوان “سوريا الاقتراع أم الرصاص”، الديموقراطية والإسلامية والعلمانية في المشرق. ويأتي الإصدار في العام 2008، أي بعد 5 سنوات من العزلة الدولية لسوريا اثر معارضتها الصريحة المعادية للولايات المتحدة الأميركية في الحرب على العراق، سوريا التي لا تزال تحت حكم بشار الأسد الشاب وتحت فترة عصيبة من أسوأ الأوقات. الكتاب يشتمل على دراسات مهمة تقدم فهماً لواحد من أكثر البلدان غموضاً في العالم (ليس بالنسبة الى اللبنانيين وبعض العرب) ويناقش ويلاند فكرة كانت لدى الغرب عامة لأشهر قبل الربيع السوري وهي ألا يتجاهل الموقع الجيوسياسي الحساس لسوريا والتقليد الذي حاول النظام إرساءه كأساس متين للعلمانية.

كما يشير الى أن سوريا ربما تملك شروطاً مسبقة الى الديموقراطية أكثر من أي بلد عربي آخر، محذراً من نهج العصا وحده مما قد يشجع الإسلاميين ويشجع النظام على إسكات المعارضة.

الكتاب يناقش كيف يمكن أن تظل سوريا لاعباً بارزاً في الشرق الأوسط على الرغم من أنها فقدت معظم نفوذها بعد موت حافظ الأسد عام 2000 وكيف نما الشعور أن أي سلام شامل في المنطقة مستحيل من دون أن يتضمن سوريا. هذا قبل أن يطبع بشار الأسد سوريا بعلاقات أخذت في السنوات الأخيرة منحى مأسوياً من مثل تعزيز سوريا علاقاتها مع إيران ومع حزب الله ونظام ولاية الفقيه الشيعي من دون وجود أي شيء أساسي مشترك بينه وبين المذهب البعثي كمذهب علماني الى منحى العلاقة السلبية مع لبنان وفتح جبهات عدة مع الغرب عبر مد يده الى موسكو ثانية والسلبية في التعامل مع الإسلاميين المعارضين في الخارج ومع الناشطين العلمانيين خلف القضبان أو دفعهم للجوء الى الخارج. هذا الى الجبهة الداخلية والمصالح الراسخة بين أفراد عائلته والأوليغارشية الاقتصادية التي كانت عقبة في طريق عملية الإصلاح الاقتصادي.

أكثر من فرصة حاسمة في خضم التغيرات في الوضع الدولي أعطيت للرئيس الأسد في المجال السياسي والاقتصادي للمباشرة في عملية الإصلاح منذ العام 2000، حتى العلاقة مع إسرائيل وفي أوقات التوترات الشديدة كان الرهان فيها الأكيد على نوع من قنوات التواصل المباشر أو غير المباشر حتى وصلت محادثات السلام الوسيطة بين سوريا وإسرائيل في 21 أيار 2008 لأن تبدو أكثر واقعية.

فماذا جرى؟ “طبخة بحص” ومن دون أن يحدث شيء مع ذلك تغيرت سوريا خلال السنوات الأخيرة أكثر مما تغيرت خلال عقود ولدى بشار الأسد أسلوب وشخصية مختلفان تماماً عن والده حافظ الأسد المهاب والوقور الذي حكم ثلاثين سنة (1971 2000). ومع أن الطبعة الألمانية من الكتاب صدرت 2004 إلا أن الدروس المستفادة من الكتاب الذي هو نتيجة ليالي طويلة من النقاش والمقابلات مع شخصيات المعارضة السياسية وأعضاء في الحكومة ودوائر السلطة ومحللين ومقاولين ورجال دين ومن خلفيات مختلفة لم تصل حاكم الشام لفهم أساسي آخر للجو السياسي والاقتصادي في البلد مستفيداً من ميزات كان ينظر إليها على أنها مهمة بالنسبة للمراقبين الخارجيين إن بسبب توجه سوريا العلماني ومن وجهة نظر اجتماعية حضارية أكثر من البلدان الإسلامية الأخرى، وإن لناحية قمع أشكال الإسلامية والطائفية والإمساك بالوضع الأمني من خلال تخصيص رجل مخابرات لكل 135 مواطناً سورياً.

يحلل الكاتب ما يسميه الثغرات في القيادة والنقص في القيادة القوية وذات التوجه الواضح والزعيم بالتراضي والذي حصل مجرد تعدّد في السلطة الاستبدادية بالتزامن مع بعض الإصلاحات الاقتصادية. ولكن سوريا لم تعد مطلقاً مع بشار الأسد سوريا حافظ الأسد. “والأسد الصغير هو خطوة صغيرة على طريق التحوّل الكبير” حيث كانت ديناميات النظام مع الأسد الأب تنبع من وجود مركز سلطة واضح القرار ومعروف جيداً ما يسمح لحافظ الأسد بأن يخوض اللعبة الإقليمية والدولية ويحافظ على استقرار النظام، إلا أن هذه لم تعد الحال الآن مع مراكز سلطة مختلفة.

كان الأسد الأب يطبق سياسة خارجية ذكية تضمن له الموارد المالية. هكذا تلقت سوريا أموالاً من الدول العربية في الأعوام 1967 و1973 و1976 وبعدها في عام 1982، ثم العام 1991 وتدفقت الأموال على سوريا في العام 1997، خصوصاً بعد وفاة حافظ الأسد: “أفضل منتج للتصدير لدى سوريا هو سياستها الخارجية”، وسنحت فرصة جديدة لاستدرار الأموال بطريقة مشابهة في عام 2004 بمساعدة من المملكة العربية السعودية وتكدس أكبر احتياطي من النقد الأجنبي من العالم العربي بمقدار ما بين 12 مليار دولار و17 مليار ومعدل الدين قارب عشرة في المئة من الناتج الوطني.

يصنف العالم السياسي ريموند هيتوش سوريا ضمن النموذج الشرق أوسطي لأنظمة الفاشستية الشعبية التي ظهرت للوجود بعد انسحاب القوى الاستعمارية.

مع ذلك صبر الشعب السوري حيال الإصلاح الاقتصادي قد نفذ والأمور الخارجية انعطفت على نحو خطير وتناقصت مساحات الحرية، وأصبحت التناقضات أكثر تطرفاً على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية مع أحداث القامشلي والتفجيرات في دمشق والاغتيالات السياسية وتحقق الانعطاف الحاسم في الأحداث وأفلست البعثية وارتكب الأسد الابن الخطيئة الكبيرة عندما ترك القوى المعتدلة مثل “حركة المجتمع المدني” غير منضمة في جماعته أو نشاطاته. أما الخطيئة القاتلة فكانت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي أدت الى القرار 1559 وتحولات في السياسة الأميركية وسياسات الاتحاد الأوروبي تسببت بعزلة قاتلة لسوريا لم تخرج منها إلا لتعود إليها إذ إن المجتمع السوري لم يبق صامتاً.

والرئيس الشاب الذي حجب كرسياً عن رفيق الحريري لمنعه من الجلوس في آخر لقاءاته به قبل استشهاده ودفعاً فوقياً نزقاً لإذلاله وتهديده.. هوذا يجلس واقفاً بائساً معزولاً من العالم أجمع ومسوقاً مع نظامه البعثي الى الإدانة مجدداً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

هنا فقرات من الفصل الأخير بعنوان “النتائج” مع الإشارة الى أن الكتاب صدر عن منشورات “رياض الريس للكتب والنشر” للطبعة العربية وترجمه الى العربية د. حازم نهار وراجعه د. رضوان زيادة.

“كل سوري يعتقد نفسه سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسه قائداً وطنياً، وواحداً من أربعة يعتقد بأنه نبي، وواحد من عشرة يعتقد بأنه الله، فكيف يمكن أن تحكم بلداً كهذا؟” هذا التحذير أطلقه الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي لنظيره جمال عبد الناصر في 1958 عشية اتحاد سوريا مع مصر. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الكلمات قولاً يُضرب به المثل في كل أنحاء سوريا. عندما صاغ القوتلي هذه الملاحظة الذكية، كانت سوريا قد مرت لتوها بطور قصير وعنيف من التجارب الديموقراطية، التي كانت أيضاً ذروة السياسة الأيديولوجية والصراع من أجل التوجيه الذاتي بعد الظلم الاستعماري.

إن سماع هذا المثل أخذ بالتناقص في العقود الأربعة التالية من حكم البعث وتلاشي المجتمع المدني والعديد من المثل العليا السياسية. إلا أن المجتمع السوري لم يبقَ صامتاً. سواء كان بالرغم من، أو بسبب، الصرامة الداخلية خلال سنوات حكم الأسد، فإن المجتمع السوري يمتلك تشكيلة كبيرة من القوى المعتدلة، ومعارضة ذكية، وقدرة على التسامح الديني ـ الأمر الذي لا يمكن اعتباره بديهياً في منطقة الشرق الأوسط. ويجب على الدول الغريبة الأخذ في الحسبان هذه العوامل في سياستهم تجاه سوريا، رغم الشكوك المبررة بديكتاتورية البعث المغلفة. إن سياسة خارجية جيدة يجب أن تأخذ في حسابها أكثر من ذي قبل الحقائق الاجتماعية، بالإضافة الى الأوضاع السياسية والفاعلين على المسرح السياسي، لأن اللاعبين الجدد في الصراعات الدولية، كمؤيدي تنظيم القاعدة وإرهابيين آخرين، هم أيضاً زعماء ثقافيون واجتماعيون وليسوا دولاً (..).

(..) إن ايديولوجية البعث قد خفت قبل فترة طويلة من تسلم حافظ الأسد السلطة، وقد انتهت الآن بالكامل تقريباً. والذي بقي من فترتي ما قبل البعث والبعثية نظام عام مستقر، كراهية مستفيضة لكن واسعة الانتشار للأفكار الإسلامية الأصولية، نظام سياسي اجتماعي علماني نسبياً. وهذه هي بالضبط نقاط الاتصال البارزة للسياسة الخارجية الحديثة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.

وعلى الدول الغريبة ألا تبدأ بالعمل العسكري بل بالهندسة السياسية، لأن كل من يضرب الشرق الأوسط بمطرقة، فسيكون لهذا الفعل مضاعفات مستقبلية ولن يمر من دون عقاب، كما حذر مصدر كردي “وإذا كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فإن هذه المنطقة متعودة على أن تبتلع العدوان فقط لتبصقه ثانية لاحقاً”.

وحتى الآن، استطاعت سوريا أن تبعد عنقها عن حبل المشنقة، فبعد حرب العراق، ردت بالمراوغة على ضغط الولايات المتحدة لكي تتجنب سبباً للحرب، وعلاوة على ذلك، فقد كانت تبحث حولها عن تحالفات جديدة؛ وبأهمية أكثر، التقارب المشجع مع تركيا، حيث استطاعت أنقرة أيضاً لعب دور هام في اتفاق محتمل مع إسرائيل، وفي النزاع على حقوق المياه. وبالرغم من المجازفات الكبيرة، فقد كان بشار ليرحب بالسلام مع إسرائيل بالتأكيد ـ إذا ما كان عادلاً ـ من وجهة نظر السياسة المحلية.

وعلى أي حال، فإن هذا الأمر سيتطلب التضحية بعدد كبير من الأبقار المقدسة في ما يتعلق بايديولوجية البعث، وبذلك التخلي عن دعامة هامة لشرعية نظام الحكم، حيث يجب أن تعاد صياغة الكتب المدرسية والتقليل من الدعاية، لكن حقيقة أن وسائل إعلام الدولة لا زالت تحت سيطرة الحكومة قد تكون مفيدة بالفعل في هذه المسألة. وهناك العديد من الأمثلة التي تظهر فعلياً بأن الاعتدال يمكن أن يقرر عندما يكون مناسباً سياسياً.

كسب الجالية

اليهودية ـ السورية

إن إحدى الاستراتيجيات الجديدة هي محاولة كسب الجالية اليهودية السورية في الولايات المتحدة، في محاولة للمصالحة مع سوريا. والبادئ في هذا التقارب الغريب هو السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، الذي يعد الأستاذ الديناميكي في الإعلام ومحل ثقة بشار الأسد، كما يعد ـ وبالمقاييس السورية ـ فصيحاً جداً وماهراً في التعامل مع وسائل الإعلام. وقد نظم مصطفى في أيار/مايو 2004، رحلة سياحية لليهود السوريين المهاجرين الى دمشق، وكان أغلبهم قد هاجر في أوائل تسعينات القرن الماضي.

لقد كان مشروعاً جريئاً جداً، وبالوقت نفسه مليئاً بالمشاعر للمسافرين الذين استقبلهم شخصياً بشار الأسد. ولم يكن الترحيب بالضيوف فقط من المسؤولين، بل أيضاً من الشعب في الشوارع. وقد واجهت زيارة هؤلاء اليهود الى سوريا نقداً قاسياًَ من المنظمة الصهيونية الأميركية (ZOA)، إلا أن التجربة أثبتت نجاحها وقللت من عدم الثقة. وقد قال أحد الزائرين المشاركين في الرحلة في ما يتعلق بالمصالحة المحتملة بين الأعداء الرئيسيين: “إذا ما طلب كلا الجانبين منا أن نكون جسراً، فإننا سنقوم بذلك بسعادة(…)

(…) إن السؤال الذي يطارد السوريين حالياً هو ما إذا كان التغيير الجذري العميق – والذي يبدو حتمياً على المدى البعيد – يمكن، أو يجب أن يأتي من الداخل أو الخارج، وتنقسم الآراء في المعسكر المعارض، فالبعض يعزو الأمر الى الولايات المتحدة بأن سوريا أصبحت سياسياً واقتصادياً معزولة وبالتالي يجب أن تساوم، إلا أن هذه العزلة تسير جنباً الى جنب مع قمع النظام غير الممنوع لقوى المعارضة ومحاولاتهم للتنظيم سياسياً. وفي ظل هذه الظروف فإن أي كلمة نقدية تعد خيانة وطنية، كما تذمر المعارض السوري ميشيل كيلو. وقد حملت أغلبية شخصيات المعارضة الليبرالية وجهة النظر التي جرى التعبير عنها في عريضة أيار/ مايو 2003: إن الخطر يلوح مهدداً سوريا ليس فقط من نظام حكمها البالي وعدو البلاد الأساسي إسرائيل، لكن أيضاً من الولايات المتحدة. ومعظم الناس يشكون بما يتعلق بأساليب ودوافع واشنطن، فإن إقامة الديموقراطية غير ممكنة عن طريق وسم نظام الحكم “بمحو الشر” الموسع. إن التغيير يجب أن يأتي من الداخل، مصحوباً بدعم أخلاقي واقتصادي من الخارج، وتعتمد المعارضة العلمانية ـ قبل كل شيء ـ على الدعم الأوروبي في هذا المسعى.

محاور

إن استراتيجية بثلاثة محاور تقترح نفسها، وتتضمن دعم حركة المجتمع المدني والقوى المعتدلة الأخرى، بالإضافة الى علاقات اقتصادية موسعة وفقاً لمفهوم “التغيير عبر التجارة”. وبالوقت نفسه، فإنها تعطي معنى لتصعيد الحوار السياسي الرسمي، بشروط واضحة وتركيز على الرئيس نفسه، الذي يملك الشرعية الكافية بين السكان ويبدي تعاطفاً مستمراً مع العديد من أفكار حركة المجتمع المدني. ولا يزال هناك فرصة لبشار لأن يخلص نفسه من رجال الكبح السياسي والمنافسين الشخصيين الآخرين.

إن مؤتمر البعث في تموز/ يونيو 2005، حيث أعاد بشار الأسد توزيع المناصب في معظم المراكز الهامة في السلطة، كان خطوة في هذا الاتجاه. وكان يمكن لتقرير ميليس الذي لمح الى المتهمين بجريمة قتل الحريري ضمن عائلة بشار ودائرة السلطة الأقرب أن يؤمن لبشار فرصة ثانية – وربما الأخيرة – للتخلص من اللاعبين الفاسدين، وفي تحرك جريء ومؤلم، كان يمكن أن ينتزع نفسه من حاشيته العائلية وبتحالف مع الشعب السوري الذي ما زال يعقد آماله عليه. وعلى أي حال، فإن العديد من أعدائه الخطيرين هم الآن إما موتى أو في المنفى، وقد حان الوقت في هذه اللحظة الحرجة لأن يظهر بشار نواياه النهائية ومقدراته، والتي سيكون محكوماً فيها بالنهاية. إضافة الى ذلك، إذ تخلت الولايات المتحدة عن ضغطها غير المشروط على سوريا، فإن بشار سوف يستنفد الأعذار حول رغبته في الإصلاحات لكنه سيكون ببساطة غير قادر على المباشرة بها بسبب المقاومة الداخلية أو لأسباب الأمن القومي. وهذه ستكون لحظة حاسمة بالنسبة له، ومن الواضح أن الوقت المتاح لينقذ نفسه ينفد.

رفعت الأسد

وفي حال إضعاف أو تفكيك نظام حكم بشار، فإن المشهد لن يبدو وردياً، على الأقل عند الأخذ في الحسبان اللاعبين التقليديين الذين يمكن أن يمسكوا بزمام السلطة. وعلى سبيل المثال، فإن رفعت، شقيق حافظ الأسد، والذي ارتبط اسمه بالعديد من أعمال العنف، من الممكن أنه ينتظر هذه الفرصة لإسقاط ابن أخيه، رغم أنه صرح في تموز/ يونيو 2005 بأنه لا يرغب في تحدي سلطة بشار بعودته المخطط لها من المنفى. كما أن المنشق خدام تحول الى منافس خطر لبشار أيضاً، وقد يقف الآن في المنفى مع رفعت وزعماء سابقين في النظام، أو من الممكن أن يقوم السني بالتقرب من مجموعات مثل الاخوان المسلمين لكي ينظم عودته الى دمشق…

(..) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2003، سرت شائعات في دمشق حول محاولة انقلاب فاشلة في القصر الرئاسي. “بالحديث سياسياً، قد تكون هذه الأيام الأخيرة لبشار”، كما أخبرني مثقف ليبرالي. وقال إن التطورات كانت تهدد برميه بعيداً عن حمايته، وبعد الانسحاب القسري من لبنان، استعاد هذا التعليق دلالته الباردة. ويقول المحلل: “لم يعد ممكناً أن تحل الصراعات بقواعد نظام الحكم، فالكثير من الناس بجانب الرئيس يقولون بأننا ربما نحتاج لحركة تصحيحية جديدة”، وإذا ما كان بشار سيكون جزءاً من هذا التصحيح أو أن التصحيح سيجرفه، يبقى سؤالاً مفتوحاً(…).

(…) إذا أراد بشار القيام بانقلاب كبير، فعليه ببساطة أن يدعو الى انتخابات شعبية للرئيس، ولا تزال لديه الفرصة فعلياً للفوز بهذا الاقتراع. ومع ذلك، فإنه يحتاج فقط لأغلبية واحد وخمسين بالمئة، كما أن لديه دعم الأقليات الذين يؤلفون تقريباً ثلث عدد السكان. ويقول رجل أعمال من دمشق: “إن هؤلاء الأشخاص (الأقليات) ربما يكونون غير علمانيين أكثر من الجميع بطريقة تفكيرهم، لكن يجب عليهم أن يتظاهروا بالعلمانية لأنها ضرورية لبقائهم السياسي والمالي”. وإذا أضفنا نسبة عشرة في المئة من السنّة التقدميين للأقليات، فسنحصل على قاعدة علمانية بنسبة أربعين في المئة من عدد السكان، ويتابع رجل الأعمال “ربما تكون سوريا الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن أن تعتبر نفسها علمانية، فحتى في تركيا وإسرائيل العلمانية آخذة بالتناقص”. ومع ذلك، فقد أثبتت تركيا كيف أن الديموقراطية الجيدة يمكنها أن تعمل بجهدها لصد الضغط الخارجي، فعندما صوّت البرلمان ضد دعم الولايات المتحدة في حرب العراق، حتى ضد إرادة الحكومة التركية، لم يكن لواشنطن خيار إلا أن تقبل ذلك باستنكار، فإن صوت الشعب قد تكلّم.

لكن هذا مجرد افتراض، فإن بشار على الأرجح لا يجرؤ على إجراء انتخابات حرة، فضلاً عن دفعها عبر أجهزة السلطة. فهذا الأمر سيحرم السلطة البعثية والنظام السياسي بأكمله من مؤسساتهم. إن تحالفاً مع الشعب ضد النخبة السلطوية الفاسدة، مع أو من دون انتخابات، يبدو خطراً جداً عند هذه النقطة، لكن إذا أراد بشار أن يبقى جزءاً من الحل بدلاً من أن يجرفه المد السياسي، فإن مثل هذا التحالف الشعبي ربما يتحول ليكون خياره الوحيد ليبقى في السلطة وربما ليحمي سوريا من الأسوأ. ويوماً ما سيؤدي هذا الى نقطة يجب عليه عندها المخاطرة ببقائه الشخصي لكي يضمن بقاءه السياسي (أو ببساطة اختيار الأول والتخلي عن السلطة). إن قدر بشار سوف يثبت ما إذا كان يمكن في هذه المنطقة لرجل ذي إرث ثقيل أن يبقى في السلطة من دون أن يكون هو نفسه سياسياً ذا سلطة وحشية وعديم الضمير(…).

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى