سمير العيطةصفحات سورية

سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة!/ سمير العيطة

عندما تمّ إقرار تفاهمات “جنيف 1” في حزيران 2012، لم يكن نطاق العمليّات العسكريّة واسعاً. لا شكّ في أنّ الثورة كانت قد تعسكرت إلى حدّ كبير، خاصّة منذ تشرين الأوّل الذي سبقه، لكنّ طابعها الغالب كان مقاومة في أحياء وقرى يحاصرها ويغزوها الجيش المرّة تلو الأخرى. ولم يطلق العنان لمعركتي حلب ودمشق بمشاركة ألوية منظّمة نوعاً ما إلاّ بعد أيّام من مؤتمر المعارضة في القاهرة في شهر تموز 2012.

لكنّ الحرب المفتوحة التي انطلقت آنذاك غيرت المعطى الأساس. وعلينا الاعتراف اليوم أنّ سوريا الواحدة التي تحدّثت عنها توافقات جنيف والقاهرة لم تعد موجودة. لقد باتت هناك سوريا الساحل وحمص ودمشق التي يتقاسمها النظام وميليشياته، وسوريا الشماليّة التي يتنازعها الائتلاف مع مختلف الكتائب المسلّحة، وسوريا داعش، وسوريا مجلس غرب كردستان، وسوريا حوران الجنوبيّة، وسوريا الغوطة، إلخ… هكذا أضحت سوريا بلداً مقطّع الأوصال، لكلّ جزء منه زعماؤه وإداراته ونظامه القضائيّ وسبل تمويله وأثرياؤه وتجارته الداخليّة والخارجيّة… وجيوشه المتعدّدة.

* * *

التحدّي الحقيقي يكمن اليوم في إعادة توحيد سوريا بكيانٍ واحدٍ وحكومةٍ واحدةٍ وجيشٍ واحد وقوانين موحّدة وتجارة خارجيّة واحدة، إلخ. مع “جنيف 2” أو بدونه. إنّه تحدٍ ضخم بسبب ما زرعته الحرب في النفوس، والسلاح في كلّ مكان، وإعادة التوحيد عسكريّاً لم تعد ممكنة أو… لم تعد مسموحة مهما كان الطرف الذي يريدها. ولو افترضنا وقفاً فورياً لإطلاق النار، كيف سيعود أكثر من 5 ملايين مهجّر داخلي وخارجي إلى منازلهم المدمّرة وأحيائهم العشوائيّة، وكيف يمكن إدارة عمليّة تشمل خُمس سكّان البلد. والأنكى كيف سيكون الأمر غداً إذا طال الصراع؟

* * *

سوريا التي كنّا نعرفها لم تعد موجودة. ما بقي منها هو ذاكرة شعب عاش سويّة عقوداً طويلة، إلاّ أنّه اكتشف في خضمّ العنف أنّه كان يجهل نفسه وتعدّد أهوائه وأحقاده الدفينة المتوارثة. والسؤال هو ما الذي بقي في هذه الذاكرة الجمعيّة كي تتمّ إعادة سوريا واحدة موحّدة أرضاً وشعباً من جديد؟

لعلّ أفضل ما بقي عند السوريين هو هذا التعاضد الذي تخطّى الطوائف والقوميّات والأحقاد والهويّات القاتلة؛ وهذا الرفض الدفين للعنف، الذي تمارسه السلطة أيّاً كانت، ولسياسيي وسائل الإعلام، وهذا النبذ للتطرّف على الجهتين.

لكن هل هذا كلّه كافٍ؟ وهل من يدافع عن وطن… للجميع؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى