صفحات العالم

سوريا: الحجة لصالح “الشيطان الذي لا نعرفه”

 


عاموس يدلين وروبرت ساتلوف

يأتي إعلان إدارة أوباما في 18 أيار/مايو حول فرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد على وجه التحديد، كبداية لإزالة الضباب الذي خيم على سياسة الولايات المتحدة تجاه هذه الدولة المحورية منذ اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية فيها قبل عدة أسابيع. وفي حين واجه القادة الأمريكيون والدوليون صعوبات في التعامل مع الانتفاضات الشعبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، غالباً ما أدى التوتر بين القيم الأخلاقية والمصالح الاستراتيجية إلى تعقيد عملية صنع القرارات — وفي كل ما يتعلق بسوريا كان الوضع يبدو كذلك حتى الثامن عشر من أيار/مايو. لكن مع قيام الإدارة الأمريكية بتبني الآن سياسة “الإصلاح أو الذهاب” — أي دعوة الرئيس السوري إلى بدء تحول غير محتمل لديكتاتوريته التي تقودها عائلته نحو ديمقراطية مسؤولة تحترم حقوق الإنسان، أو التنحي عن قيادته للبلاد — ربما تكون واشنطن قد قررت في النهاية التخلي عن ترددها في تبني إجراءات قد تؤدي إلى زوال نظام الأسد.

وبمعنى آخر تروق لأوباما، حالياً على الأقل، فكرة بأن “الشيطان الذي لا نعرفه” في سوريا — أي بديل الأسد — أفضل من الشيطان الذي نعرفه.

السياق

إن عبارة “لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع” تنطبق على الوضع الراهن في الشرق الأوسط. فكل بلد يمثل حالة فريدة بسبب تعقد العوامل المختلفة المؤثرة والحاجة إلى تقييم نوع النتائج التي ستعززها سياسة محددة على طول الطريق. ففي مصر، على سبيل المثال، كان من شأن عملية صنع القرارات الأمريكية فيما يتعلق بمصير حسني مبارك أن تحل التصادم بين الولاء لحليف عريق والرغبة في الحفاظ على الاستقرار والسلام الذي وفره حكمه من جهة، وبين احترام رغبة الشعب المصري والقيم المتأصلة في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والتي تكمن في جوهر التجربة الأمريكية من جهة أخرى. ولم يكن الخيار سهلاً، لكن إدارة أوباما اتخذت في النهاية قراراً يعكس وزن العوامل الأخلاقية والإنسانية والسياسية. ومن ناحية السياسة العامة، فقد كانت مخاطر التغيير مقبولة على نحو كافٍ بحيث تبرر القرار القائم على القيم. وفي حالات أخرى، تجسدت السياسة الأمريكية والغربية من خلال تقييمات مختلفة للأهميات الاستراتيجية، والحتميات الأخلاقية والمعنوية وحجم وتكوين التمرد المحلي. إن النتيجة هي قيام مجموعة واسعة من التركيبات الدبلوماسية والعسكرية المستخدمة في ليبيا واليمن والبحرين.

الاستثناء السوري

مما يدعو للدهشة أن الانتفاضة ضد نظام الأسد قد أثارت بحثاً ذاتياً عميقاً في واشنطن وكذلك بين القوى الغربية بشأن المزيج الدقيق من الأدوات التي يمكن استخدامها لدعم المحتجين، على الرغم من الواقع العملي بأن سوريا لا تمثل تعارضاً بين المصالح والقيم. وفي الواقع سيجد المرء صعوبة كبيرة في تحديد دولة عربية تظهر اهتماماً أقل بالقيم الرئيسية لحقوق الإنسان أو الحرية أو الديمقراطية أو السلام. وفي الحقيقة، اختارت سوريا التحالف مع إيران — وهي أكبر خصم للمصالح الغربية في المنطقة، وقوة إقليمية تقود التحالف المعادي للغرب والولايات المتحدة والمناهض للسلام وتُصدر أيديولوجية إرهابية مُدمرة.

إن تواطؤ سوريا في استراتيجية إيران هو أمر واضح للعيان. لقد لعبت دمشق عن طيب خاطر دوراً في قتل الجنود الأمريكيين في العراق ولبنان وتسليح «حزب الله» و «حماس» والعمليات الإرهابية ضد إسرائيل ولبنان والدول الغربية. ولا يزال نظام الأسد يعمل على تطوير أسلحة كيميائية من أجل الاستخدام الخاص به، كما كان سيمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع جهاز نووي لو لم يتم إيقاف برنامجه السري في عام 2007. وكما أظهرت الأسابيع الأخيرة، يتسم نظام الأسد بالوحشية في الداخل مثلما يتسم به من خطورة في الخارج، حيث أجاز القتل المتعمد للمدنيين العزل في المدن في [عدة] أنحاء في سوريا مما أسفر عن مقتل المئات وجرح الآلاف. ووفقاً لأي معيار من المعايير لا يستحق نظام الأسد معاملة حساسة من جانب المجتمع الدولي، حيث لم يقدم له هذا النظام أي شيء سوى الازدراء والعنف.

الحجج لصالح “الشيطان الذي نعرفه”

هناك حجج عديدة من الناحية النظرية لتبني موقف حذر تجاه الأسد، بعضها جديرة بالمناقشة وأخرى تعتمد على أساس مهتز وتحليل سطحي. وهناك أربعة ادعاءات على وجه الخصوص تستحق التدقيق والفحص:

1. رغم أوجه القصور التي تلازمه، إلا أن الأسد كيان معروف وحاكم حذر ضَمِن نوعاً من الاستقرار طوال فترة حكمه؛ إن أي زعيم يخلفه سيكون شخصية غير معروفة.

2.                   البديل الأكثر احتمالاً للأسد هو معاودة ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» السورية، التي قد تنقل الدولة العلمانية الحالية إلى نظام سني راديكالي متعصب يمثل خطورة بالغة.

3.                   “بعد الأسد سيأتي الطوفان”، أي سيسود الاضطراب. وقد يؤدي زوال نظام الأسد إلى إطلاق العنان للانقسامات الطائفية العميقة في سوريا، مما يؤدي إلى اندلاع حرب مدنية في أعقاب نظام الأسد يمكنها أن تشمل جيران سوريا وتهدد الأمن الإقليمي وتفوق في حجمها أعمال العنف والرعب التي سادت الاضطرابات المدنية في العراق في أواسط العقد الأول من القرن الحالي.

4.                   إن الفوضى التي قد تعم سوريا بعد الأسد قد تفتح الباب أمام كابوس أسلحة الدمار الشامل وهي: إما استخدام الإمدادات الهائلة من الأسلحة الكيميائية لدى سوريا من قبل فلول النظام الفاسدين أو خلفائه الأكثر استهتاراً، أو نقل هذه المخزونات إلى «حزب الله» أو منظمات إرهابية أخرى.

الحجج المضادة

عند التدقيق الواعي في تلك الإدعاءات، نجد أن أربعتها خاطئة أو مبالغ فيها:

•                    الوهم بشأن كون الأسد قوة للاستقرار: من الصعب تخيل ظهور أي خليفة متصور للأسد ينتهج سياسات أكثر إثارة للمشاكل والإزعاجات. وفي الواقع، يظهر التاريخ أن النظم في المرحلة ما بعد الانتقالية تميل إلى أن تكون مشغولة بالمشاكل الداخلية ومن ثم فإنها لا تنتهج سلوكاً معادياً تجاه جيرانها. وبالمثل، سيركز الجيش السوري في ظل خليفة الأسد على ضمان الأمن الداخلي، بدلاً من السعي إلى الانخراط في مغامرات خارجية قد تدفع سوريا عنها ثمناً باهظاً.

•                    فزاعة جماعة «الإخوان المسلمين» السورية: من المرجح أن يكون حاكم سوريا بعد عالم الأسد — أي “الشيطان الذي لا نعرفه” — من الطائفة السنية، وبالمقارنة مع الأسد، من المحتمل أن يكون أكثر علمانياً واعتدالاً من الناحية السياسية. وبغض النظر عن ميوله السياسية، فمن غير المرجح أن يقوم زعيم سني بالحفاظ على علاقات الأسد الوثيقة مع إيران الشيعية و «حزب الله». ومع ذلك، إذا افترض المرء، من باب الجدل، أن جماعة «الإخوان المسلمين» السورية سوف تهيمن على النظام الجديد، فمن المرجح أن تكون تلك الحكومة أقل إثارة للمشاكل من نظام الأسد. إن جماعة «الإخوان» هي حركة ضعيفة نسبياً في سوريا — حيث قُتل العديد من أعضائها أو وُضعوا في سجون الأسد، وما تبقى منهم يقيم خارج البلاد. وعلاوة على ذلك، هناك أغلبية علمانية في سوريا، وأن أي حكومة تترأسها جماعة «الإخوان المسلمين» سوف تتعرض لضغوط نتيجة هذا الواقع. وحتى في ظل حدوث أسوأ السيناريوهات بظهور نظام سني أصولي يتسم بالقوة والفعالية في دمشق، فإن على المرء ألا ينسى التأثير الذي يشكله الرادع القوي، كما أظهرته إسرائيل تجاه «حزب الله» منذ عام 2006، تلك الجماعة التي هي في حد ذاتها حركة إسلامية راديكالية مسلحة تسليحاً جيداً.

•                    التهديد المبالغ فيه من خطر الانهيار الداخلي عقب الأسد: إن الحجة القائلة بأن “الحرب الأهلية أمر لا مفر منه” هي حتى أقل إقناعاً. فقد شهدت سوريا على مدار تاريخها فترات طويلة من الاضطراب المدني، وعلى الرغم من أنه كان هناك العديد من الانقلابات، إلا أنها نادراً ما تحولت إلى فترات مطولة من العنف الطائفي. ومقارنة بالعراق، فإن سوريا أقل حساسية للتوترات العرقية والتطرف الديني. وفي الواقع، فمن بين الخيارات التي ينبغي على المرء دراستها هي احتمالية أن تشهد سوريا ما بعد بشار استقراراً سريعاً لتحالف السنة والعلويين دون عائلة الأسد. وعلاوة على ذلك، فإن الدول المجاورة بشكل مباشر لسوريا هي أقل تهديداً من تلك المجاورة للعراق. وفي حين يتعين على العراق التعامل مع التدخلات الإيرانية والسورية المتمثلة بتصدير الأفكار المتطرفة والجهاديين والإرهابيين إلى جارتها، فلن يكون لجيران سوريا المباشرين — تركيا ولبنان وإسرائيل وإيران بل وحتى العراق — أي مصلحة في زعزعة استقرار سوريا. بل إن «حزب الله» نفسه سيشعر بأنه مُجبر على عدم الإساءة إلى جارة قوية.

•                    الخوف من أسلحة الدمار الشامل ليس كابوساً: في حين تحتفظ سوريا بترسانة من الأسلحة الكيميائية مثيرة للقلق، ينبغي عدم المبالغة بتهديدات أسلحة الدمار الشامل “غير الخاضعة للسيطرة”. إن استخدام الأسلحة الكيميائية أمر صعب للغاية، حيث يتطلب مرافق لخلط المواد الكيميائية إلى جانب الأنظمة لتوزيعها بفعالية. وهذه العقبات تجعل من الصعب على الجماعات الإرهابية استخدامها: وليس من المستغرب أن تنظيم «القاعدة» — رغم كل جهوده — لم ينجح حتى الآن في استخدام هذا النوع من الأسلحة. وعلاوة على ذلك، فإن المروجين الفاسدين لأسلحة الدمار الشامل التي هي أكثر خطورة من الأسلحة الكيميائية — كما يظهره برنامج سوريا النووي — لا ينبغي السماح لهم باستخدام حيازتهم لأسلحة الدمار الشامل كبوليصة تأمين. وفي الواقع، ينبغي أن يكون العكس هو الصحيح.

الضغط من أجل التغيير

يشير هذا التحليل إلى أنه لا ينبغي على القوى الغربية أن تخشى من اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لدعم معارضي النظام في سوريا. ومع ذلك، فبالمقارنة مع الوضع في مصر أو ليبيا، على سبيل المثال، وجد المجتمع الدولي أنه من الصعب بشكل كبير حتى القول بأن الأسد قد فقد السلطة الأخلاقية لحكم البلاد. وربما تخشى الحكومات في جميع أنحاء العالم من شن حملة سياسية أخرى لأنها قلقة من أن يتحول الأمر إلى منزلق خطير: إذ أن الخطوات السياسية رغم نواياها الطيبة قد تتطور إلى حملة عسكرية. وقد تكون حملة كهذه غير ملائمة لأسباب عديدة، ليس أقلها أهمية هو أن الغرب يفتقر إلى الإرادة والموارد لشن حرب ضد دولة إسلامية رابعة. وفي الوقت ذاته، من المهم أن ندرك أنه في حالة سوريا، قد لا تكون تلك الحملة ضرورية لتحقيق النتائج المرجوة.

وفي الواقع، ينبغي على واشنطن وإدارات أخرى أن لا تقلل من شأن قوة تصريحاتها السياسية وأحكامها الأخلاقية وعقوباتها الاقتصادية، وما تحققه جهودها الرامية لعزل نظام الأسد دبلوماسياً وما تحدثه من تأثير على سلطته. وكما هو المرجح من العقوبات الأمريكية الجديدة على الأسد وعائلته وأقرب مستشاريه، فقد يكون لتلك التدابير تأثير قوي على الوضع داخل البلاد. وسيلزم القيام بما هو أكثر من ذلك من أجل الرد على انتهاكات سوريا الوحشية في مجال حقوق الإنسان وانتهاكاتها الفادحة للمواثيق الدولية. وللأسف أن الدول العربية وبعض البلدان الأوروبية منقسمة حول هذا الموضوع، وهذا الغياب للوحدة يجعل من الصعب المطالبة بشرعية كاملة من أجل اتخاذ تدابير صارمة ضد الأسد.

ويكمن مفتاح التغيير في وضوح الرسالة المبعوثة إلى سوريا. يتعين على الرجال الملتفين حول الأسد وضباط قيادة الجيش وطبقة التجار السنة والمتظاهرين الشجعان أن يعلموا جميعاً أن الخيار الأفضل هو “رحيل الأسد”. كما أن الدعم الدولي لاتخاذ موقف يتم فيه وضع الأسهم حول “الشيطان الذي لا نعرفه” سوف يساعد على تمكين السوريين على تحقيق ذلك التغيير.

عاموس يدلين هو زميل كاي في الأمن القومي الإسرائيلي في معهد واشنطن، وهو لواء متقاعد ورئيس سابق لقسم الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي. روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.

 

أهمية الدراسة التالية في صدورها عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، الذي يُعتبر حالياً أهم مراكز الأبحات الأميركية المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط. أحد كاتبي التحليل هو “روبرت ساتلوف”، الذي يُعتَبَر صديقاً لإسرائيل. والأهم، ربما، أن الكاتب الثاني هو “عاموس يدلين”، الذي التحق بالمعهد قبل أشهر، وكان خلال السنوات الخمس الأخيرة “مدير الإستخبارات العسكرية” في إسرائيل. وعاموس يدلين طيار مقاتلات، وكان نائباً لقائد سلاح الجو الإسرائيلي، ومديراً للكلية الحربية في إسرائيل.

تخلص الدراسة إلى أن “أي بديل” لبشّار الأسد سيكون أفضل منه! وهذا يعني أن قسماً، على الأقل، من المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل قد تخلّت عن “عقيدة رابين” التي كان “تفضّل” نظام الأسد لأنه أبقى الحدود هادئة منذ العام 1974. ويعني هذا التطوّر أن تهديدات رامي مخلوف، في مقابلته مع “النيويورك تايمز” (إستقرار إسرائيل مرهون باستقرار نظام الأسد، أي “نحن نحمي حدودكم، وأنتم تحمون نظامنا”) لم تعد تقنع قسماً أساسياً من المؤسسة الحاكمة في إسرائيل.

“الشفاف”

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى