صفحات العالم

سوريا: الحصار الفاشل


ديانا مقلد

في نهاية الفيلم الوثائقي الجريء حول الثورة السورية الذي أنتجته قناة «ARTE» الألمانية الفرنسية، وعرض على أكثر من قناة غربية وعربية، يظهر في آخر مشهد مجموعة من الأطفال، لم يتجاوز عمر كبيرهم التاسعة، وهم يضحكون ويغنون الهتاف الأشهر في سوريا اليوم، وهو «يلا إرحل يا بشار..».

لقطات الأولاد بدت عفوية وسجلت على عجل، ولاحقا جرى تمويه وجوههم حتى لا تظهر جلية ليس لأعين المشاهدين بل لأعين النظام وشبيحته. بات هذا الأمر لدى تقديم تسجيلات من هذا النوع ملحا إلى حد كبير، فبعض من ظهروا في الفيلم أو ساعدوا في إعداده هم اليوم بين مفقود ومسجون لدى النظام، بحسب ما أورد معدو الفيلم في نهايته. ارتكزت مادة التحقيق إلى شهادات لضباط منشقين وأهالي قتل النظام أبناءهم وناشطين في حركة الاحتجاج..

صحيح أن مادة الفيلم على أهميتها وندرتها لم تتجاوز ما قدمه ويقدمه لنا ناشطو الثورة السورية كل يوم، فما زال هؤلاء متفقين كثيرا من ناحية توثيقهم ليوميات ثورتهم، بما فيها من جرأة من قبل المشاركين والمشاركات فيها، وقسوة النظام حيالهم ودمويته التي لم يعد هناك أي شك فيها..

لكن مادة إعلامية من نوع ما عرض في فيلم «ARTE»، قد تكون من أهم ما أمكن للصحافة التقليدية أن تعده عن الثورة السورية، بعد أشهر طويلة من المنع والقمع والسجن والطرد الذي مارسه النظام السوري حيال الكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية. فمن الملاحظ في الفترة الأخيرة تكرار قيام صحافيين بمغامرات خطرة، من خلال التسلل إلى سوريا والعودة بمادة غنية توثق مرة جديدة لارتكابات النظام بحق المحتجين والمحتجات في سوريا.

لقد طور المحتجون السوريون آليات توثيقهم لحراكهم وموتهم وثورتهم، وتمكن الصحافيون التقليديون من الالتحاق، ولو بشكل غير واسع بعد، بركب يوميات الثورة من الداخل..

إنها الثورة التي تتصدر الاهتمام في العالم اليوم، والتي تمكن ثوارها من تحويلها إلى خبر أول في معظم الإعلام العالمي..

ما يستحق الإعجاب بالإضافة إلى الاختراقات التي أحدثتها الصحافة التقليدية، هو كيف يطور المحتجون السوريون تقنيات التصوير والبث والدعاية لثورتهم، لا.. بل تحول قسم منهم إلى مخرجين ميدانيين للكثير من مشاهدهم.. في حمص مثلا حين يصطف المتظاهرون صفوفا، فهم يفعلون ذلك كي تتمكن الكاميرات من رصد تقدمهم، وإظهار حجم عددهم الفعلي، ردا على ما يحاول النظام ترويجه من أن أعداد المحتجين محدودة، وأن الشعب بمعظمه غارق في «حب» النظام ورئيسه الذي يهدد بزلازل وبراكين إن سقط حكمه.

فيلم من نوع ما أنتجته قناة «ARTE» هو مؤشر جديد على فشل خطة منع الصورة التي اعتمدها النظام لخنق الثورة، فمرة أخرى لم يعد في الإمكان حصار صورة الثورة التي باتت هي من يحاصر النظام ويهز ركائزه الآيلة للسقوط لا محالة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى