صفحات العالم

سوريا: الحوار لا يمر على الجثث!

د. أحمد عبد الملك

تسارعت الأحداث في المنطقة العربية الأسبوع المنصرم بعد تفاقم الأزمة السورية وازدياد سقوط القتلى المطالبين بالحرية والعدالة على أيدي قوات الجيش والأمن. وكانت حصيلة قتلى “دير الزور” في يوم واحد 42 مدنيّاً كانوا ضمن المظاهرات السلمية التي تنادي بالإصلاح. فيما توغلت قوات الجيش في عدة مدن وبلدات سورية لقمع المتظاهرين. ويبدو أن ثورة سوريا ستكون ضمن الأكثر دموية في الربيع العربي حتى الآن. وقدرت المصادر حجم القتلى حتى منتصف الأسبوع الماضي بحوالي 4 آلاف، والجرحى بـ 50 ألف شخص، والمعتقلين بـ 25 ألف شخص، بينما كان هنالك أكثر من 5 آلاف مفقود.

وضمن المواقف التي استنكرت موسم القتل في سوريا موقف دولة قطر التي سحبت سفيرها من دمشق، وهي أول دولة خليجية تأخذ تلك المبادرة، كما أعلنت المملكة العربية السعودية استياءها مما يجري على الساحة السورية. حيث جاء في رسالة وجهها العاهل السعودي إلى السوريين، أن ما يجري في سوريا ليس من الدين وليس من القيم والأخلاق. كما أن “ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة وسريعة”. كما طالبت الرسالة بوقف “آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان”.

وكانت دولة الكويت ومملكة البحرين قد استدعتا سفيريهما في دمشق للتشاور على إثر الحوادث الخطيرة الأخيرة التي جرت في سوريا. كما دعا مجلس التعاون الخليجي إلى وقف فوري لأعمال العنف في سوريا وإجراء إصلاحات تحقق تطلعات الشعب السوري. وقد عبّرت دول مجلس التعاون أنها “تتابع بقلق وأسف شديد تدهور الأوضاع في الجمهورية العربية السورية الشقيقة”. ودعا بيان التعاون إلى “وقف فوري لأعمال العنف وأي مظاهر مسلحة، ووضع حد لإراقة الدماء واللجوء إلى الحكمة، وإجراء الإصلاحات الجادة والضرورية، بما يكفل حقوق الشعب السوري الشقيق ويصون كرامته”.

وقد رد ّالإعلام السوري الرسمي على بيان التعاون مبديّاً الأسف على ذلك البيان، ورأى أن على مجلس التعاون أن يدعو إلى وقف “أعمال التخريب”، وقال بيان وزارة الخارجية السورية إن “الخروج من دوامة العنف الراهنة وصدق الرغبة في مصلحة سوريا يتطلب من الأشقاء العرب في مجلس التعاون الخليجي الدعوة لوقف أعمال التخريب وشجب العنف المسلح الذي تقوم به جماعات لا تريد للمواطن السوري خيراً”.

وفي نيويورك حثّ الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” الرئيس السوري على وقف استخدام العنف، مندداً بقتل المدنيين والقوات الأمنية. كما عبّر عن قلقه وقلق المجتمع الدولي من تصاعد العنف وازدياد عدد القتلى في سوريا، وحث الأسد على وقف العنف فوراً ضد المدنيين!

إن الإعلام السوري الرسمي للأسف -بعد أن حظرَ على الوكالات العالمية والفضائيات دخول سوريا- بدأ يصوّر الأحداث بمنطق الخمسينيات، ولكأن العالم لن يسمع صرخات السوريين ولن يشاهد الجثث التي عبثت بها الدبابات التي كنا نأمل أن يتم تحريكها نحو جبهة أخرى غير صدور السوريين المطالبين بحقوقهم.

هذا الإعلام الذي يصور الشعب السوري المنتفض على أنه “جماعات مخرّبة” وأنهم “خارجون على القانون، يقومون بقطع الطرقات، وأن واجب الدولة حماية مواطنيها” هذا الكلام مردود عليه لأن الشعب السوري بأسره يريد حماية! كما أن كل الاتصالات والصور تثبت أن المظاهرات سلمية وهدفها نبيل ولم يتعرض أي مواطن أو أية مؤسسة للمسّ، وهذا الإعلام يذّكرنا بإعلام أحمد سعيد الستينيات وهو لا يناسب العصر. إن هذا العصر هو عصر الحريات والانفتاح الإعلامي الذي لا يمكن فيه لأية قوة -مهما أوتيت من سلطة وبأس وسرية- أن تحجب المعلومة عن الناس وتمنع الناس من الوصول إلى الحقيقة. ثم أين الإصلاح الذي يتشدق به الإعلام السوري؟! هل الإصلاح يأتي عبر الجثث والعاهات وعشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء الذين تم الزج بهم في السجون؟! وأين “الخطوات الثابتة التي يحتاجها الإصلاح”؟ بعد أن رفض الشعب السوري -ما عدا حاشية النظام- استمرار هذا النظام في قتل الأبرياء والإفراط في استخدام العنف. وإذا ما صح المصطلح الذي تناولته وسائل الإعلام السورية من أن المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الدستورية هم من “الخارجين على القانون وأصحاب سوابق”، فكأن كل الشعب السوري من أصحاب السوابق ومن الخارجين على القانون! وإذا ما أجمع الشعب السوري على عدم صلاحية القانون، فمن حقه تغيير ذلك القانون وما يترتب عليه من إجراءات! ولا يجوز بأي حال من الأحوال وقف هذا الحق باللجوء إلى العنف والرصاص الحي. وإذا صح ذلك، فإن الشعوب الأخرى كالشعب التونسي والمصري واليمني والليبي كلها خارجة على القانون! إلا النظام فهو “المحصّن” ضد الزلل والمحافظ على القانون! لقد تزايدت أعداد القتلى خلال الأسبوع الماضي في المدن والبلدات السورية، وتم اعتقال المئات من المفكرين الذين يقولون كلمة الحق في مصير وطنهم. بل إن الرصاص لم يرحم المصلين بعد جمعة “الله معنا” وحصد منهم 24 شخصاً في شهر رمضان المبارك الذي يتطلع فيه المسلمون إلى الرحمة والغفران والتسامح والنجاة من العذاب.

نحن لا نستطيع أن نتصور كيف يحاصر الجيش أبناء الشعب ولا يكون مثل الجيشين التونسي والمصري اللذين حافظا على الدماء. وكيف تغلق المستشفيات وتشل حركتها عن استقبال أبناء سوريا الذين سقطوا برصاص الجيش، الذي ادخرته الأمة لتحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي!

ماذا سيفعل النظام مع الأطباء المحُتجين ومع الأكاديميين ومع الطلبة ومع عمال النقل؟ هل سيقتلهم كلهم؟ وهل الحوار لا يأتي إلا بعد أن تتكرر المجزرة المشؤومة في حماة، في مكان آخر من سوريا هو “دير الزور”؟!

لقد تحركت دول الخليج من أجل إنقاذ الشعب السوري، وحتماً ستتحمل تبعات أخرى -كالعادة- ولكن أين صوت أميركا؟! لابد أن تتنادى دول العالم المتحضر من أجل وقف أعمال العنف التي يمارسها الجيش والأمن السوريان ضد الشعب المطالب بحقه في حياة كريمة في ظل قانون يحقق العدالة والأمن والرخاء، كما أن الحوار لا يمكن أن يمرّ على جثث السوريين! هامش: قصف مئذنة مسجد عثمان بن عفان في “دير الزور” ليس شاهد زور! وإلقاء جثث المتظاهرين في النهر شاهد آخر! والشواهد تتوالى.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى