صفحات سورية

سوريا: الخيار الكردي في ظل الانحدار المؤسف للحرب الأهلية…


طارق حمو

النشطاء على الأرض في حي (باباعمرو) المحاصر في حمص تحدثوا عن قتل قوات الجيش والاستخبارات السورية للعشرات من المدنيين الذين غادروا بيوتهم بعد حصار وقصف طال حوالي الشهر. هؤلاء تحدثوا عن عمليات ذبح. اذا صحت الواقعة فان هذا سيكون بداية الانحدار الى هاوية الحرب الطائفية. والجريمة هذه تذكرني بجريمة تفجير مرقد الامام العسكرييّن في سامراء العراقية، والمواجهات المذهبية التي اعقبتها واسفرت عن مقتل المئات. للأسف الشديد نجح النظام في اشعال فتيل المواجهات على اساس طائفي بين السوريين. كان هناك ارضية طبعا وهو استفاد من هذه الارضية.

سوريا تشهد حربا اهلية تمدها اذرع اقليمية بالسلاح والمال. هذا اصبح واقعا ملموسا ومعاشا لايمكن نكرانه. النظام افسد الثورة الجماهيرية واستطاع بجرائمه ان يدفع المحتجين الى الثأر والرد. المنشقون عن قوات قمع النظام لم يجدوا ـ وفي ظل كل هذا القتل بالجملة ـ سوى الرد بالمثل في حدود امكانياتهم وقدراتهم. ولعل هذا “الرد بالمثل” هو ما دفع الناشطة والفنانة فدوى سليمان لمغادرة حمص، طالما صوتها المنادي ب”السلمية” لم يعد مسموعا. البعض تحدث عن تهديد جماعات اصولية لها واتهامها بالتخابر مع شبيحة النظام…

جرائم النظام السوري فاقت كل الحدود. قتل عشوائي لايفرق بين كبير وصغير. والعار بان العالم صمت طويلا وكأنه ينتظر ان يٌجهز النظام على اكبر عدد ممكن من السوريين.

كان لافتا اصدار الاتحاد الاوروبي عقوبات في حق رتب عسكرية كبيرة منذ الاسابيع الاولى من الثورة. كان موقفا مريبا. وكأني بالاوروبيين الرسميين يغلقون طريق الانشقاق امام هؤلاء ولايدعون لهم سوى خيار “وضع كل البيض” في سلة النظام وربط مصيرهم بمصيره. المعارضة كانت رافضة للعسكرة والتدويل في البداية والجماهير تصدح بشعارات “الوحدة” و”السلمية”. تركهم العالم تحت قنابل النظام حتى باتوا يطالبون بالتدخل العسكري مقابل أي ثمن. هل هذا كان هو المطلوب منذ البداية؟.

المواقف السعودية والقطرية الجديدة حيال الازمة في سوريا توحي بان الحسم العسكري بات قريبا. تغطية كل من “العربية” و”الجزيرة” النوعيّة للثورة تشي بذلك. هناك ايعاز بالتصعيد. سوريا دولة متنوعة وفيها فئات اثنية ومذهبية مختلفة استطاع نظام القمع لعشرات السنين ان يخلق حالة من “عدم الثقة” بينها. ومن اللافت بان الخطاب الطائفي بات هو عنوان اكثرية قوى المعارضة. من بات يرفض التدخل العسكري هو عميل وخائن ومكانه عند الاسد والشبيحة. يبدو ان هذا الواقع كان هو الهدف منذ البداية.

على الكرد ان يستعدوا جيدا للمرحلة الجديدة. من المهم التشاور بشكل دوري ودائم. يجب اشراك الكل في صنع الموقف الكردي حيال كل التطورات. يجب التعاون في مراقبة المناطق الكردية ومنع العصابات الاجرامية من الدخول اليها وتخريبها. في الحسكة اختطفوا 3 بنات. وفي عفرين قتلوا مناضلا كرديا. اركز على الحسكة واقول بانها منطقة “رخوة” ومرشحة للنزاع الاثني. هناك شرائح معينة تخدم النظام منذ زمن ومستعدة لفعل كل شيء من اجل الحفاظ على المزايا المتأتية من تلك الخدمة. البعض تحدث عن منح النظام اراضي الكرد لعوائل عربية. هذه خطوة اولى لاحداث الفتنة. اناشد ابناء العشائر العربية بالتصدي لهذه الفتنة. اناشد مثقفي ووجهاء الجبور والبكارة( القبيلتان اللتان قتل النظام العشرات من ابنائهما مؤخرا) بالتيقظ ورفض كل “عروض” النظام، وهم قطعا سيفعلون ذلك.

وفي الساعات الماضية اعلن اقليم كردستان الجنوبية عن وصول 30 جنديا كرديا الى الاقليم، فروا من جيش النظام لرفضهم قتل المدنيين العزل. اخشى ان تبدأ المعارضة القومجية والطائفية باتهام الكرد بخيانة الثورة، لان هؤلاء الجنود لم يرجعوا لها وهي” بوصلة الوطنية السورية” ولم يستأذنوها في التوجه لكردستان. هؤلاء لم يفهموا بعد بان قبلة الشعب الكردي تبقى دائما كردستان. وان الكردي يشد ظهره باخيه وهذا قدره وخياره الوحيد. وهم يرفضون هذا الخيار ويخونون الكرد بينما هم يشدّون ظهرهم بالعربية السعودية ودول الخليح و…تركيا!.

من المهم ترتيب البيت الكردي بشكل دائم. يجب وضع حد للحملات المغرضة والظالمة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وهو شريك “المجلس الوطني الكردي” في الوثيقة المهمة لحماية المناطق الكردية والحفاظ على السلم الاهلي فيها. واركز هنا بان الحديث العلني عن “جيش كردي حر” ليس في محله. يجب ان يتم التدبير والتعاون بشكل مخطط ومستتر للدفاع عن المناطق الكردية ضد اي تنظيم مسلح خارج الاطار الوطني يحاول فرض اجندته على الكرد ويرمي الى جعلهم طرفا في الصراع الطائفي والمذهبي الدائر بين جيش النظام و”الجيش السوري الحر”.

كما يجب القول انه من المهم تصدير هيئة عليا قيادية من لجان “مجلس الشعب في غربي كردستان” و “المجلس الوطني الكردي”. لتكن هذه الهيئة هي عنوان الكرد في سوريا. وليكن هناك خطا ساخنا مفتوحا بين هذه الهيئة وبين ظهيري الامة الكردية: حزب العمال الكردستاني وحكومة اقليم كردستان الجنوبية.

من يريد ان ينضم “المجلس الوطني الكردي” ل”المجلس الوطني السوري” يخطأ الان. هناك حالة انشقاقات من الاخير وظهور تشدد واضح في صفوفه. الكرد يجب ان يبقوا في اطرهم الوطنية المطالبة بالحرية لسوريا والادارة الذاتية لمناطقهم. اي مشاركة في اطار اثبت فشله وعجزه، فضلا عن انه مخترق من اكثر من جهة، هو خطأ لايٌغتفر. ولامجال للخطأ في هذه المرحلة الفاصلة. يجب الاخذ في الحسبان بان الازمة السورية قد تطول وتطول وان البلاد قد تغرق في مواجهات اعتى من الحادثة حاليا. يجب مراقبة “ترمومتر” الشارع السوري وكيف ان المعارضة تزايد على بعضها البعض وترفع شعارات اكثر تطرفا لكي تحظى بشعارات التأييد في الجمع وتجلب اللعنات والتخوين على المنافسين. ولابد من القول بان التطرف في الشارع الثائر يقابله تطرف في الشارع المؤيد للنظام، وهو مايعني مزيدا من العنف واراقة الدماء.

خلاصة القول ان كل كلمة محسوبة وكل موقف محسوب والعاقل من يخرج بنفسه وبأهل بيته من هذه الازمة الوجودية الخطيرة بأقل الخسائر.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى