صفحات العالم

مائدة القتل السورية

 

سمير التنير

توثق جريدة «عنب بلدي» السورية ما جرى في مدينة داريا منذ عام، وكيف جرى تدميرها عن آخرها، وذلك في صيف 2012، عندما اقتحمتها قوات النظام. لقد كتبوا عن ذلك وصوّروه. كانت الطائرات تلقي بحمولتها القاتلة على البيوت والسكان. وقد هاجمت الدبابات الشوارع وهي تطلق مدافعها في كل الاتجاهات. ثم سارع الجنود إلى تفتيش البيوت من واحد إلى آخر. حدث ذلك في 25 آب 2012. ما الذي جرى؟ لقد دمرت المدارس والمستشفيات وإدارة البريد، والمحلات التجارية. لم يبق شيء، أصبحت المدينة ركاماً.

وفي حلب، وبالقرب من حي «بستان القصر» يعثر كل يوم على جثث مجهولة يلفظها نهر «قويق» الصغير. تُحمل الجثث إلى ساحة صغيرة ويجري إلباسها وتغطيتها بالنايلون الأبيض ويجري أخذ صور لها، ثم تلقى في الساحة إلى أن يأخذها بعض الأهل أو الأصدقاء لدفنها.

منذ أشهر والنهر الصغير يلفظ الجثث، كل ليل، وكل صباح، مقيدة اليدين، ومصابة بطلقات قاتلة في الرأس. كل يوم، وكل ليل، تطفو الجثث في النهر، تهطل الأمطار بغزارة في هذا الشتاء. يرتفع منسوب المياه في النهر وتطفو الجثث على ضفافه.

يقع حي «بستان القصر» في حلب، على خط التماس بين قوات النظام وقوات المعارضة. ويخترقه نهر «قويق» الآتي من مرتفعات المدينة الواقعة ضمن السيطرة الحكومية. أما الحي فواقع في قبضة المعارضين.

في هذا الشتاء قدم المئات من الطلاب إلى حلب. كما قدم كثيرون لزيارة أهلهم، وللتعرف على القتلى من أقاربهم. لم يجر التعرف على الكثير من الجثث، لأنها كانت لطلاب قدموا من مدن أخرى، لتأدية امتحانات منتصف السنة.

تقع الجامعة في المنطقة التي تسيطر عليها قوات النظام. وتقيم تلك القوات حواجز تفتيش على مداخلها ومخارجها. وقد اختفى البعض من طلابها، ثم وجدوا جثثاً طافية على ضفاف نهر قويق الصغير. أتى طالب من إدلب كي يؤدي امتحاناته ثم اختفى. وأتى آخر من الرقة لشراء قطع غيار لتراكتوره الزراعي، ثم وجد مقتولاً. وجاء صاحب محل للبقالة لتفقد محله، ولم يعد.

ارتكب الجميع الخطأ القاتل. لم يكونوا يعرفون أن الموت يتربص بهم في الطرق وعلى حواجز التفتيش.

امتدت المعارك إلى العاصمة دمشق. هناك تجري الاشتباكات وجهاً لوجه، ومن مسافات قصيرة جداً: تعلو الأبنية المهدمة إلى السماء وتسمع أصداء قنابل الهاون والرشاشات الثقيلة في معظم ساعات الليل والنهار. أصبحت الحياة اليومية صعبة جداً في دمشق. ويكافح الناس فيها من أجل البقاء. انقطعت الكهرباء وانقطع البنزين والمازوت، وأصبحت أسعارها في السوق السوداء أكثر بخمسة أضعاف، وينقطع الخبز في بعض الأحيان. لم تعد دمشق أقدم مدينة في التاريخ، كما كانت من قبل. لا زبائن في المقاهي والمطاعم. يحتل النازحون القادمون من حلب وإدلب ودوما وداريا الشوارع والساحات والمدارس. ويهيم الفقراء في شوارع دمشق يتسولون اللقمة والخبز.

يتفاءل الناس في سوريا بالأمطار. فصل الشتاء لم ينقض بعد. فلتمطر السماء بالأمطار الغزيرة، لعل بعض الناس يجدون الفرصة للنجاة من هذا الهول!

هل كان ما كتبته حقيقة.. أم مجرد كابوس؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى