صفحات العالم

سوريا: النظام يسيطر و… يخسر


محمد ابرهيم

مع صدور البيان الرئاسي عن مجلس الأمن خسر النظام السوري معركة الشرعية الدولية. بمقاييس التدخل الدولي المباشر، البيان هو الأضعف، لكن بمقاييس مستوى الشرعية الدولية التي يستند اليها النظام في اسلوب مواجهته للإنتفاضة، البيان كان قاسيا.

لم يعد مهما كثيرا التمييز بين المدى الذي يمكن ان يذهب اليه الموقف الروسي والمدى الذي يطلبه الموقف الغربي. فالأخير، بعد التجربة الليبية، لا اوهام لديه حول فاعلية التدخل العسكري الخارجي، والأول تخلى، اخيرا، عن التميز في خطابه حول الأساس الشرعي لسلوك النظام السوري. لقد التقى الموقفان عند ادانة عنف النظام وتطلّب اصلاحات جدية توازي… تفكيكه.

ومع عملية حماة خسر النظام ايضا ورقة التلويح بمخاطر الحرب الأهلية. فالعنف الطائفي بادر اليه النظام. عام 1982 كان هناك التباس حول سلمية انتفاضة حماة، اما اليوم فإن التظاهرات “المليونية” التي سبقت اجتياح المدينة، وضعت النظام في موقع من لم يتورع عن استخدام آلة عسكرية-امنية، العصبية الطائفية-العائلية احد ابرز عناصر تلاحمها، في مواجهة انتفاضة لها وجه طائفي اكيد، لكن سلميتها اكيدة ايضا، علما ان طائفيتها ليست بعيدة عن التدمير الذي مارسه النظام بحق كل قوى المعارضة المدنية منذ اربعة عقود. وبذلك ينتقل التركيز تدريجا من الطابع الطائفي للإنتفاضة الى الطابع الطائفي للنظام، دون ان يعني ذلك انه يعبر اليوم عن ارادة طائفة اقلية تقمع طائفة اكثرية. فإذا كان يصعب التمييز اليوم بين المعارضة وطائفة الأكثرية  فإنه في المقابل تصعب المماهاة بين سلوك النظام ورؤية الطائفة الأقلية لمصالحها… المستقبلية خصوصا.

ومع تصميم النظام على المزاوجة بين العملية العسكرية، التي باتت على امتداد الوطن، واصدار قوانين الإصلاح لعالم… افتراضي، خسر الرئيس السوري فرصة التمييز بينه وبين النظام. ليس لأن هذا التمييز بمستطاعه انقاذ النظام، فهذا امر تجاوزه الزمن، لكن لأن هذا التمييز كان افضل الشروط لقيادة التغيير في سوريا بما يمكّن من تجنب حقيقي لمرارة الحرب الأهلية.

لكن لم يخسر النظام كل شيء ولم تربح المعارضة كل ما خسره. فهو ما زال يؤمّن تماسك القوى الأمنية-العسكرية، وما زال يستثمر تردد “الأكثرية الصامتة” تجاه الأكلاف العالية للتغيير والشك في ثبات الموقف الدولي. اما المعارضة فموعودة بأكلاف كبرى لا يعوّضها سوى “جو” الثقة بأن العودة الى الماضي باتت مستحيلة. وفي السباق بين تفكك النظام وتماسك المعارضة تبدو نقطة ضعف الأول انه لايملك سوى العودة الى الماضي، فيما نقطة قوة الثانية انتماؤها الى المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى