صفحات العالم

سوريا او البحر


ساطع نور الدين

اما ان الجامعة العربية تمزح او انها اخطأت في العنوان، عندما وجهت الى لبنان رسالة تدعوه فيها الى المشاركة في فريق المراقبين العرب المكلف بالسفر الى سوريا خلال الساعات او الأيام المقبلة، للعمل على ضمان وقف اطلاق النار وإنهاء الجانب الأمني من الأزمة السورية.

حجة الجامعة انها مضطرة حسب التقليد والقرار الخاص بتشكيل بعثة المراقبة العربية الى توجيه مثل هذه الرسائل الى جميع الدول الأعضاء من دون استثناء، بما فيها دولة جزر القمر، التي يمكن أن يكون وضعها أسوأ من وضع لبنان وموقفها أغرب من موقفه، ومتابعتها لما يجري في سوريا اشبه بالمتابعة اللبنانية.

لكن الجامعة، وبناء على قراراتها وعلى محاضر اجتماعاتها، كانت تملك ذريعة استثناء لبنان من تلك الجمرة الخبيثة، واستبعاده من ذلك الدور المثير للجدل، حتى من جانب الدول الأعضاء التي تحمست له، من دون ان تدرك محاذيره او بتعبير أدق عبثيته وعدم جدواه.. لا سيما بناء على التجربة اللبنانية التي يعرفها الأشقاء السوريون ويحفظونها غيباً.

كان يمكن نسيان لبنان في هذه اللحظة وفي هذه المهمة بالتحديد، لأنه لم يكن على المستوى الرسمي على الأقل متحمساً منذ البداية للمبادرة العربية، وقد صوت ضدها ثم تحفظ عنها ثم نأى بنفسه عنها، لانه لم يعترف حتى الآن بوجود أزمة في سوريا، ولانه يشارك المسؤولين السوريين بل يتخطاهم في اشتباههم في المبادرة وفي بعض الدول العربية التي تقف وراءها.. ولانه طبعاً لم يكن يريد ان يساء فهمه في دمشق، وقد حرص على ان يحفظ رأسه عندما كانت القيادة السورية تفاوض وتناور وترتبك ازاء البروتوكول.

كيف يمكن للبنان ان يساهم في فريق المراقبين من دون أن يعرف مثلا ما اذا كان البروتوكول الموقع في القاهرة هو جزء من المبادرة العربية التي رفضتها دمشق وأنكرتها صراحة، وما اذا كانت مهمة المراقبين هي مراقبة سلوك النظام او اداء المعارضة. والفارق كبير جداً لا سيما بالنسبة الى اللبنانيين الذين لم يكن بإمكانهم ان يتصوروا يوما انهم مدعوون لمثل هذه المهمة داخل الاراضي السورية.

الأرجح ان الجامعة تمزح في التوجه الى لبنان الذي لا يمكن ان يتوصل الى اتفاق لا في السلطة ولا في الشارع على مثل هذه المهمة المشبوهة من وجهة نظر الغالبية الساحقة من اللبنانيين الذين يرى فيها بعضهم خلاصاً للنظام بينما يعتبرها البعض الآخر اتهاماً له بما ليس فيه. وهو خلاف يمكن ان يفجر الحكومة ومجلس النواب والشوارع المحيطة بهما.. حتى ولو توصل لبنان بمعجزة الى تشكيل فريق لبناني عسكري ومدني محايد، لن يكون من السهل عليه بلوغ منطقة المصنع الحدودية او لن يستطيع العودة منها.

لعل لبنان أكثر من اي بلد آخر يعرف ان مهمة المراقبة في سوريا مزحة سمجة، لن يتحملها النظام السوري ولن تستفيد منها المعارضة، ولن تخدم العرب في كسب المزيد من الفرص، ولن تخدم المجتمع الدولي في كسب المزيد من الوقت.. لذلك فان الافضل للبنان ان يتأمل البحر بدلاً من ان يراقب سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى