صفحات العالم

سوريا بعد الخطاب

 


طارق الحميد

كما توقعنا أمس، فلا جديد في خطاب الرئيس السوري، الذي أحبط أنصار النظام، أكثر من خصومه، أو المراقبين الحريصين على سلامة سوريا. فكل ما قيل وعود، ورسائل مبطنة بالتهديد، وحتى إحراق جسور مع تركيا الورقة الأخيرة لنظام الأسد. لم يكن الخطاب بلغة «لقد قررنا».. بل خطاب «نعدكم»!

وهذه لغة لا تنفع لبلاد في أزمة حقيقية، وأمام مطالب شعبية مستحقة، وليست مؤامرة خارجية أيضا. بل إن الاستمرار في استخدام لغة التخوين يعتبر بمثابة صب الزيت على النار أمام مجتمع قتل منه إلى الآن، حسب المعلن، 1300، وفر منه قرابة الـ10 آلاف أو أكثر، ناهيك عن آلاف المعتقلين، وآلاف المفقودين. وفوق كل هذا وذاك يقول الرئيس الأسد إن هناك 64 ألف سوري مطلوب للعدالة! أمر عجيب فعلا. الغريب أن قرارات القمع في سوريا تؤخذ بأسرع وقت ممكن، بينما الإصلاح يحتاج إلى دراسات، بحسب الرئيس السوري!

ملخص خطاب الأسد أنه لا أمل في أن يستجيب النظام لمطالب الشعب، بل يبدو أن النظام لا يرى خطورة ما يحدث على سوريا الدولة، ككل، خصوصا عندما قال الأسد: «إن استمرت هذه الأزمة أو غيرها لأشهر أو لسنوات، علينا أن نتأقلم معها وعلينا أن نطوقها لكي تبقى أزمة محصورة بأصحاب الأزمة فقط». وهنا نجد أن الرئيس السوري قد كرر ما قاله رامي مخلوف من قبل، ولكن بإشارة مبطنة، أي أن النظام سيقاتل حتى النهاية. ولذا رأينا كيف رد السوريون مباشرة، وبعد خطاب الأسد، بالتظاهر في عدة مدن سورية، منها دمشق، وحلب، وحمص؛ حيث رفضوا خطاب الأسد ومضامينه، وطالبوا بإسقاط النظام.

والأمر نفسه خارجيا؛ حيث أظهرت ردود الفعل الدولية خيبة أمل كبيرة حيال خطاب الأسد، وبالتأكيد أن أكثر المحبَطين هم الأتراك، خصوصا عندما قال الرئيس الأسد إن بلاده هي من ستعلم دول المنطقة، وهذا بالطبع رد مباشر على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث قالت أنقرة إنها أعطت النظام السوري كتيبا يحتوي على خطة للإصلاح، وطالبت النظام بالتخلص من أقرب الناس، وحدد الأتراك اسمي رامي مخلوف، وماهر الأسد. وبالطبع كان رد الأتراك سريعا، وعلى لسان الرئيس التركي، الذي قال إن خطاب الأسد ليس كافيا.

وعليه، فبعد خطاب الأسد أمس تكون سوريا قد دخلت مرحلة أكثر تعقيدا، وخطورة، خصوصا على المواطنين السوريين العزل.. فأزمة الثقة بين المواطن والنظام باتت حقيقية، لا سيما مع فشل نظام الأسد في اتخاذ، أو تنفيذ، ولو قرار واحد ملموس، كما أن خطاب الرئيس يشير إلى أن النظام لن يتراجع عن القمع واستخدام القوة. فكما أسلفنا أعلاه، يقول الأسد: إن على السوريين أن يتأقلموا إن استمرت الأزمة سواء لأشهر أو لسنوات، وربما تكون هذه الإشارة للتجار، وقطاع الاقتصاد السوري الذي بدأ يتأثر حقيقيا من الانتفاضة السورية.

الواضح الآن هو أن سوريا بعيدة عن الحلول المنطقية، والسلمية، وباتت مرشحة لكل الاحتمالات، ومنها الأسوأ، للأسف.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى