صفحات العالم

سوريا بين المعارضة و الاصلاح

 


ابراهيم الحمدان

لسورية بعدين ،لن تستطيع ان تكون موضوعي الا اذا مررت ولو بشكل سريع على البعد الاول ،لان البعد الثاني امتداد له رغم الفارق بين المرحلتين ،البعد الاول هو مرحلة الراحل حافظ الاسد التي تميزت بنقطتين هامتين .ساتكلم عنهما بايجاز تاركا للنقاش ان يغنيهم .

النقطة الاولى …تميزت باستقرار الوضع الداخلي لبلد كسوريا عرف بالانقلابات العسكرية ،وعدم استقرار الحكم ،واعتمد ذلك النظام على القبضة الامنية الغليظة ،وافراغ الحياة السياسية من معارضة حقيقية ،وتهجين بعض الاحزاب ،لعرضها في ما يسمى بالجبهة الوطنية ،وهذا ما جعل البلد تعيش حاله من الركود السياسي تخللها ظهور بعض التجارب, التي ما ان ظهرت حتى ماتت دون ان تقدم شيء فعلي للواقع السياسي ،ومنها من اقدم على الانتحار ،لتبنيه العمل المسلح ،وبالتالي تصفيته ،وتميزت تلك الفترة بتفرد اجهزة الامن بادارة الحياة ،عوضا عن ادارتها من خلال مؤسسات مدنيه ،اي بالمعنى الادق, عسكرة الحياة المدنية وخضوعها لرحمة قانون الطوارئ ،والاحكام العرفية ،مع خلق مؤسسات مدنية هيكليه لم تتمتع لا بالاستقلالية ،ولا بالايجابية ،بل كانت بافضل الاحوال ،مؤسسات بعقليه امنيه وثياب مدنيه ،وفرصه للاسترزاق ليس الا.

اما النقطة الثانية ..تمثلت بوجود دولة قوية لها نفوذها بالمنطقة ،وحضور اقليمي اعطاه حجمها ،الى ان باتت رقم صعب ،خاصة بعد توقيع اتفاقية كام ديفيد مع الدولة الاكبر في المنطقة ،مصر وتحييدها عن الصراع العربي الاسرائيلي ،الذي ادى الى اصطفافات جديده ودخول مصطلحات غريبه تحمل مفاهيم التطبيع مع العدو الحقيقي للوطن العربي وهو اسرائيل ،ونتج عنه ان الخيانة اصبحت وجهة نظر ،وما كان على الحكومة السورية الا التقوقع ،ورفض كل اشكال التطبيع والدفاع عن نفسها بالصمود في موقفها دون القدرة على خلق صراع عسكري مع اسرائيل ،ولا صد الموجة الجديدة التي اجتاحت المنطقة من خلال العلاقة مع اسرائيل ،ووجود مشاحنات من دول الجوار ،ومحاولة الحصار الدولي على سوريا ،بهدف تليين موقفها الممانع لتطويع المنطقه ،هذا ما دفع ا الراحل حافظ الاسد ،الى دعم حاله جديدة اسمها المقاومة ،للتعويض عن الدور الذي تخلت عنه كل الانظمة العربية ،منطلقا من فكرة ان المجموعات المقاومة ،يمكن ان تخلق حالة جديده من القوة لمفهوم المواجهه مع اسرائيل ،لادراكه ان لا مجال امام سورية الى خوض حرب عسكرية تقليديه مع اسرائيل واي محاوله من هذا النوع لن تكون الا انتحار حقيقي, لغياب التوازن العسكري من جهة ولغياب الطرف العربي ان كان سياسيا او عسكريا او حتى معنويا ،وكان الرهان على الوقت مع التمسك بالموقف الى ان يخلق تغيير ملموس تفرضه طبيعة الحياة المتغيرة ،وبالفعل رهان النظام السوري بتلك المرحلة كان رهان صحيح لما تمثل بخلق رادع حقيقي لاسرائيل تمثل بمقاومة حزب الله في جنوب لبنان لتقلب المفاهيم العسكرية رأساعلى عقب ،وتستطيع ان تحقق ما عجزت عنه كل الدول العربية من توازن رعب مع العدو الاسرائيلي ،وكان الرهان الثاني هو العلاقه مع ايران ،من منطلق ان ايران دولة داعمه للحق العربي بالصراع الاسرائيلي العربي ،وهذا التقاطع بين سورية التي باتت وحيده في مواجهة اسرائيل ،وايران التي تبنت مفهوم المقاومة من منطلق انه واجب ديني ،هذا بتكثيف شديد ما يمكن ان نعتبره البعد الاول ،والاساس للبعد الثاني في الحكم في سورية ،ونلخصه على الشكل التالي

خارجيا موقف وطني تميز بالصمود ودعم المقاومة واثبات القدرة على الوجود الحذر

داخليا اقامة دولة مستقره معتمده على قبضه امنيه غليظه ،بقفازات مؤسساتيه

المرحلة الثانية التي بدأت بخطاب القسم للرئيس الشاب بشار الاسد ،وأعطت الارتياح في الشارع السوري لما تحمله من وعود بالاصلاح والخروج من الكلاسيكية البيروقراطة للحياة الكسولة للشباب السوري, الذي غُيب عن المشاركة بالقرار السياسي وتعوّدَ على أوجُه العجائز في المناصب الحكومية ،وبغياب الحداثة والحراك للمجتمع المدني ,ناهيك عن الازمات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن ،واضمحلال الشريحة المتوسطه ،وزياد الفقر ،والفساد الذي بدأ يضرب البلاد عرضا وطولا وأصبح منظومة الحياة اليوميه ،وغياب فرص العمل للشباب من الشريحة المتعّلمه ، ،كل هذه الازمات المغلق عليها في زجاجة الحزب المتفرد بالحكم ولا يحكم ،وتحول الاحزاب السياسية المواليه, والتي أشبه ما تكون مومياء لا تشغل بال احد ،الى جثث المعارضه التي باتت رائحتها تزعج حتى عابري السبيل ،جاء خطاب الرئيس الشاب ليكون بمثابة ثقب في تلك الزجاجة المحكمة الاغلاق ،لتتدافع كل تلك المكونات ،ويخطلط الحابل بالنابل ،وتتغير المواقع بشكل عشوائي ،ويصبح العجوز على كرسي السلطة حرس قديم ،والموالي معارض ،والمعارض محارب ،والكسول ناشط حقوقي ،والمتقاعد خبير استراتيجي ،خرجوا جميعا للصراخ واثبات الذات بحجة الهامش الديمقراطي ،بدل مد اليد للمساعدة في الاصلاح ,باتوا يسدون الثقب على من بقي في الزجاجة من شباب هم الاحق في الخروج والمساهمة في الاصلاح ،رغم ذالك ما قُدمَ كان مقبول, لكنه غير كاف ،وبتمرد الجميع كان فرصه للحرس القديم ان يشمت بالاصلاح ،وينشق احد أهم رموزه ,عبد الحليم خدام ،وتحرك الجثث من معارضه, مما زاد من انتشار الرائحه ،لتلتقي جميعها مع أحداث دولية تمثلت بأحداث 11 سبتمر, وظهور للارهاب المزدوج, الامريكي والاسلامي التكفيري ،واحتلال افغانستان والعراق ،وارباك المنطقة العربية برمتها واخضاع انظمتها اكثر فاكثر لدرجة الخيانة بهدف حماية انفسهم ،ومحاولة الترهيب لسوريا ،للتخلي عن المقاومة ،وعن فكرة الممانعه ،وبدأ بتهميش سوريا دوليا ومحاصرتها عربيا, باصطفاف ما يُعرف دول الاعتدال ،التي كانت أطرافه مصر والسعودية والاردن ،والعمل على مفهوم الشرق الاوسط الجديد بقياده سماسرة البترول التي كانت تشكل حكومة بوش العنجهية والمتهوره ،والاحتلال بقوتها العسكرية بشكل مباشرتحت اي ذريعه، فما كان من القياده في سوريا الا أن تعيد ترتيب أولوياتها ويكون الاصلاح في اخر هذه الاولويات ،والبدء بمواجهة هذه الهجمه الجديده المنفلته من عقالها ،والتي بالفعل كادت ان تودي بالمنطقة العربيه الى المجهول ،وبضبط اعصاب الخبرة السورية بالمواجهة ،وتمسكها بأوراقها والتي أصبح لها وزن باللعبة, من المقاومه في لبنان الى التحالف الايراني السوري ،ودعم المقاومة في العراق ،بدأت أمريكا بالخسارة والتراجع تدريجيا عن الضغط المباشر على سوريا ،واستبدال أمريكا مفهوم شرق أوسط جديد بمفهوم الفوضى الخلاقه ،والتي هي, هي, محاولة السيطرة على المنطقه برمتها ،لكن دون ان تزج بقواتها العسكريه التي بدأت بالخسائر والانهيار ،امام المقاومة في العراق ،والتذمر والاحتجاج داخل امريكا وفي العالم اجمع ،وبدأت الحلقة الاولى من فصول الفوضى الخلاقه باغتيال رئيس الوزراء البناني الاسبق رفيق الحريري والباس التهمة الى سوريا ،واشعال النيران في لبنان للتاثير على سورية من جهة وعلى المقاومة من جهة اخرى ،وتمكين محور الاعتدال بزعامة السعوديه من الاستيلاء على القرار اللبناني بخلق مفاهيم جديده *ثورة الارز*وخلق تيار يحارب سورية بدل امريكا وتمثل بي14 آذار ( تيار المستقبل جنبلاط جعجع عبد الحليم خدام اخوان المسلمين شخصيات معارضه تيار وهابي سعودي ) وفعلا لا توصف تلك المرحلة الا بالفوضى لما شهدته من اغتيال شخصيات لبنانية وهجوم شرس على سوريه ،وبتلك الفتره كانت الارض السورية تُجهز من الداخل عبر ادخال السلاح الى سورية ،والتجهيز لنقل الفوضى الى الارض السوريه ،والانقضاض عليها ،او ابتزازها من قبل الادارة الامريكيه لتغيير سلوكها واتباع سلوك المحور المعتدل ،وما كان على سورية الا الانسحاب من لبنان وامتصاص الحدث ،وعدم الرد على الاستفزازات ،وعدم المساومة على المقاومة في لبنان ،من هنا اتت حرب تموز ،على حزب الله في جنوب لبنان ،بايحاء من 14 اذار ،والمحور العربي المعتدل ،لتتخلص من فصيل مقاوم ،لم يقبل النظام السوري بالمساومة عليه ،ولاعتقاد هذه الاطراف انها الفرصه السانحه لضرب هذا المحور الممانع ،وكانت المفجاه ،ليس بانتصار حزب الله فقط ،بل بتغيير المعادلة ،وخلق معادله جديده ،بمفهوم الحرب ،ومفهوم أمن اسرائيل الذي اصبح مستحيل ،ومفهوم توازن الرعب ،وفي الجانب الاخر ، استغلت ايران انهماك امريكا وسقوط صدام حسين لتقوي من حضورها في العراق ،وتطور برنامجها النووي ،وتقدم أكبر مفاجأه للعالم بتصنيع الاسلحة والصورايخ البعيدة والمتوسطة المدى لتضع العالم امام حقيقة جديده ،ان المعسكر الممانع والمتمثل بايران ,سورية, فصائل المقاومه ،أصبح قوة لا يمكن السيطرة عليها ،ولا يمكن اخضاعها ،وبدل اخماد مفهوم المقاومه في الشارع العربي ،بدأ الشارع يؤيد المقاومه ،ومن هنا بدأت امريكا بصرف المليارات لبرنامج تشويه سمعة حزب الله ،وبدأ الاتحاد الاوروبي بتمويل ما يسمى المعارضة السورية وهيئات حقوق الانسان ،وبدأ محور الاعتدال يقنعنا ان عدونا الحقيقي هو ايران ،وليس اسرائيل ،الى ان انتهت تلك المرحلة بخسارة بوش وفشل كل مشاريعهم ،الذي انعكس على المنطقه ،وانفرطت احلام 14 اذار وانسحب منها الثقل الاكبر وليد جنبلاط ،وتحسن العلاقات السورية السعودية ،وعادت الاوراق من جديد بيد سوريه ،التي وقف سعد الحريري معترفا بشهود الزور وبراءة دمشق من اغتيال والده ،وعودة الوفود تتوافد الى دمشق ،الى ان هبت اول انتفاضه في تونس ،وانتقلت الى مصر لتصبح ثوره ،ويخسر معسكر الاعتدال أقوى اسلحته بخسارة مباغته لحسني مبارك ،وما ان باغتت الاحداث امريكا والعالم باسره ،الى ان تجدد الحلم لدى الافاقين باستغلال ما يحدث من ثورات في العالم العربي للعودة الى المخطط القديم ،مع تعديلات بسيطه تمثل بغياب الدور السعودي الرسمي ،ليتالف من الاخوان المسلمين , عبد الحليم خدام, والتيار الوهابي من السعوديه ،بمساعدة الاردن ،وما تبقى من 14 أذار ،والوافد الجديد قطر ،لندخل في اكبر حدث يهدد الوطن ،وأكبر تحدي للنظام السوري ،ومن هنا نحن نرى ان مصلحة الوطن حاليا تتقاطع مع مصلحة النظام ،بعدم تدمير سوريا للنيل من مواقف النظام ،التي هي اصلا مواقفنا ،ان كان من المقاومه ودعمنا لها ،او كان من ان اسرائيل العدو الاول لنا ،الى موقفنا من الاستسلام المهين المتمثل بموقف محور الاعتدال ،ونرى ان الاحداث الاخيرة في سورية ،اعادت ترتيب الاولويات امام النظام ليكون الاصلاح هو في الصدارة ،وهو ما كان قد تاخر 12 سنة ،ونامل بالاستمرار فيه ،خاصة ان الشعب السوري الذي انتصر على مؤامرة الأفاقين يستحق ان تُمد له اليد من قبل النظام السوري ،لانه اثبت انه شعب يمتلك الوعي يمتلك الحس العالي تجاه الوطن ،رغم كل التجييش الاعلامي ،والتحريض الطائفي من وهابيين ،ورغم كل التحريض السياسي من قبل من يسمون نفسهم معارضه ،ونحن لا نرى فيهم الا جثث يجب دفنها لخلق حالة جديده للمعارضة الايجابية التي سقفها الوطن ،والتي تتشكل من شخصيات معارضه حقيقيه ،غير منتميه, من هنا انا ارى ضرورة اقرار قانون للاحزاب تحت سقف الوطن ،بخطوط حمراء ،تمنع من خلاله تشكيل احزاب دينيه ،او عسكريه ،ضرورة عدم الحوار مع من خوّن الجيش الوطني ،عدم استفراد حزب البعث بالحكم ،ونحن نفرق بين حزب البعث المتكلس ،والذي بات من الصعب الاصلاح من خلاله ،وبين شخص الرئيس الشاب الراغب في الاصلاح ،ونقدم اقتراح من باب المصلحة الوطنية ،بانسحاب رئيس الجمهورية من حزب البعث ،كي لا يتحمل اخطاء وتبعيات ماضي هذا الحزب من جهة و تحوله الى عبء على رغبة الرئيس بالاصلاح، ويكون رئيسا للاحزاب جميعا ،وافساح المجال امام الاحزاب التي ستتشكل للحراك السياسي وتشكيل الحكومات بشكل ديمقراطي حر لتسيير الحياة السياسية الداخلية في سورية ، بعد الاحتكام الى صناديق الاقتراع ،ويكون رئيس الجمهورية المشرف على اي حكومه تنتخب ،ويحافظ على الفيتو بالسياسة الخارجية ،ويكون القائد العام للجيش وللقوات المسلحة العسكرية .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى