صفحات العالم

سوريا تغيّرت على نحو غير قابل للعودة

 


روزانا بومنصف

على رغم ان مراقبين كثرا قرأوا في دعوة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاسبوع الماضي الرئيس السوري بشار الاسد اما الى”قيادة الانتقال الديموقراطي في بلاده او التنحي” فرصةً لا تزال متاحة امام القيادة السورية من اجل التغيير على رغم الضغوط المتزايدة ، فإن المعطيات المتوافرة تفيد بأن الآمال ليست كبيرة على تحرك الاسد قبل فوات الاوان. اذ تكشف مصادر ديبلوماسية غربية رفيعة في بيروت ان الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان لبيروت الاسبوع الماضي انما تمحورت على رسالة اساسية رغب في ايصالها الى المسؤولين اللبنانيين تتصل بالوضع في سوريا . فهو لم يزر لبنان في شكل خاص لسبب يتعلق بالوضع الحكومي ولا تحديدا بمتابعة الخطاب الذي ادلى به الرئيس الاميركي يوم الخميس في 19 الجاري حول الربيع العربي على رغم ان هذا الخطاب كان جزءاً من المحادثات التي اجراها في بيروت مع كل من الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس كتلة تيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط ومستشار الرئيس سعد الحريري الدكتور محمد شطح. بل ان الوضع السوري هو ما حدا بفيلتمان لزيارة بيروت وفق ما تقول هذه المصادر، تحت وطأة التقارير عن انتقال نازحين سوريين الى شمال لبنان واعادة لبنان الى سوريا جنودا لجأوا اليه كما التقارير المتصلة بحادثة مارون الراس التي اطلقت فيها اسرائيل النار على محتجين على الخط الازرق بين لبنان واسرائيل . وبحسب هذه المصادر الديبلوماسية، فإن الديبلوماسي الاميركي حمل الى المسؤولين اللبنانيين قلقا من تبعات الوضع السوري وتداعياته على لبنان ونصائح بضرورة عدم الالتصاق والتمايز مع النظام في سوريا الذي يواجه حملة من الاجراءات والعقوبات التي اتخذت من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وهو على جدول اعمال مجلس الامن الدولي في مشروع قرار محتمل يدين اداءه . وهذه الاجراءات من شأنها ان تساهم في عزلة النظام السوري الذي يقترب من ان يشبه “كوريا الشمالية” لجهة امرين لصيقين بهذه الاخيرة: احدهما هو الانتهاكات لحقوق الانسان والثاني هو الملف النووي مع التقرير الاخير لوكالة الطاقة الذرية في شأن موقع دير الزور الذي قصفته اسرائيل. وعدم تمييز لبنان نفسه عن سوريا يُخشى ان يؤدي الى عزلته ايضا في ظل معطيات عدة ابرزها وفق ما تقول هذه المصادر ان لبنان لا يمكن ان يكون ملكيا اكثر من الملك في الدفاع عن النظام السوري في وقت يطالبه شعبه بالتغيير الجذري. ثم ان ما حصل في سوريا ويستمر منذ ما يقارب الاشهر الثلاثة يوحي في شكل واضح وثابت ان لا عودة الى الوراء وان الامور لا يمكن ان تعود في اي حال الى ما كانت عليه. فحاجز الخوف عند السوريين قد سقط وهذا امر لا يدرك اهميته الا من يعرف سوريا جيدا كما تقول هذه المصادر ، وان سوريا قد تغيرت على نحو غير قابل للعودة عنه، أكان الرئيس الاسد يقود التغييرات وعملية الانتقال الديموقراطي أم في حال لم يقم بذلك، علما ان اداء النظام بدا مخيبا للآمال حتى الآن في مقاربته للخطوات الاصلاحية التي اتخذها او قال انه سيقوم بها ولا يزال يتأخر اسبوعا بعد اسبوع في وضع اي منها موضع التنفيذ.

وتقول هذه المصادر ان ليس هناك آلية عمل او خطة اميركية ببنود محددة لنهي لبنان عن التماهي مع النظام السوري اذ ان الولايات المتحدة ليست في وارد الضغط على لبنان في مجلس الامن مثلا من اجل التصويت الى جانب قرار يدين النظام السوري وهي تتفهم اعتراضه على ذلك، بل ان النماذج المحتملة لتمييز لبنان موقفه تتصل على سبيل المثال لا الحصر بتعامل مختلف مع النازحين السوريين الى لبنان بحيث لا يحرضهم لبنان على النزوح او الهرب اليه ولا يرفضهم  ايضا، كما يتصل بوجوب التنبه الى مخاطر الانزلاق الى حادثة مماثلة لتلك التي وقعت في مارون الراس في ظل تساؤل عن حصول امر مماثل في الجولان المحتل الذي تحركت الامور فيه بالتزامن مع التحرك في جنوب لبنان الذي ادرك القيمون في شأنه انه كان يتعين عليهم التعاطي مع المسألة على نحو مختلف على الارجح . فهذه المسائل هي من تداعيات الوضع السوري الذي يسهل تمدده الى لبنان ووجوب ان يتنبه المسؤولون اللبنانيون اليها ويأخذوا علما بالمسار الذي تتجه اليه الامور، خصوصا ان سوريا لطالما استخدمت لبنان ساحة لايصال الرسائل الى الخارج؟والمسؤولون اللبنانيون لم يخفوا بدورهم قلقا كبيرا من الاوضاع في سوريا لكن من دون ان يملكوا اي اجابات فعلية. وتنفي هذه المصادر ان تكون هذه الرسالة الاميركية للمسؤولين اللبنانيين هي برسم ايصالها الى القيادة السورية باعتبار ان لدى الولايات المتحدة سبلها لايصال الرسائل عبر قنواتها .

فهل يمكن ان تعتبر هذه المصادر الديبلوماسية الاعتداء على الوحدة الايطالية في القوة الدولية في الجنوب رسالة بالمعنى الذي تحض فيه لبنان على الفصل بينه وبين النظام السوري؟

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى