صفحات الثقافة

سوريا ثورةٌ لا تشبه إلا نفسها


آخين ولات

هذا الصباح لا يشبهنا. إنه الجلاء. وإنه القيامة…

سأقضي النهار كله في نفخ البالونات،

 وما من شيءٍ قط يربط هذه الأغنية

بالزعتر البريّ الأخضر.

ثمة مأتمٌ وأهلي حزينون، بينما لا أستطيع الكف عن التفكير بما قالته الذبابة،

وهي تدخل أذن الميت.

***

قال المتيّم أنه، سينظر إليها بعدستين سوداوين، حتى لا يرى شعرها أحمراً،

ولا الأزقّة في حمص وحماه وقامشلو ودير الزور.

 فقط لو ألمس شعرك الأحمرَ، هذا الصباح!!!

لأصبحت نبيّاً وأنا أشرب القهوة،

في شرفة عفرين.

***

السبعينيات السويديات يتحدّثن بمرحٍ في الساونا عن  “شارلي ولولا”  و “يوكو شوكو موكو توتو”…

بينما أتخيّل دباباتٍ في الخارج تطوّق الصالة والمسبح.

تحاصر المدينة وتقصف الغيوم؛ فأغرق في عَرَقٍ مالحٍ وحارق.

في الساونا كل شيءٍ حارٌ جداً؛ مثل دم الأطفال المراق في بلادي.

***

لا أتقن الإنكليزية. يقول السويدي الجالس خلفي تماماً، للكندي الزائر،

وهو يتحدث السويدية بطلاقة.

يتداعى حديثهما إليّ بينما أرتّب في ذهني آخر قصيدةٍ أكتبها بالكردية.

 أمي سويدية. يقول الكندي الزائر، بينما يقطع الدبلوماسي المحنّك إشارة المرور، ـ

وهي ليست له.

هنا كان الله تفاحةً في يد الطاغية.

اشتهاها كل الأطفال المؤنفلون، قبل أن يملأ التراب عيونهم.

هنا أكل الطاغية الله.

***

مثلي تماماً؛ ناقماً على القلب إذ يرقّ لمن لا يستحق،

تفسح المكان للهواء.

***

سأقف هنا. قرب الرصاصة في الجانب الأيسر؛ وأنت هناك،

نعم نعم فوق الركبة المحطّمة.

وأنت: ضع رجلك اليمنى فوق الرأس المفتوح، ولتكن فوهة البارودة

في فوهة الجرح…

واحد إثنان ثلاثة: صورة تذكارية لثورةٍ ما؛ سوريةٌ وقائمة

في الصوت الذي أخذ اللقطة؛

والفلاش، إذ يضيء الجثة وابتسامة الجنود.

ـ ماما هل الله بنتٌ أم صبي؟ ماذا يعني أن تؤنفل طفلاً وتقتل رجالاً ونساء؟  يسأل ميتان .

ـ يعني أن تأكل التفاحة حبيبي.

***

وجهي الملتصق بالزجاج؛ كلّ من يمرّ في الخارج يراه أكثر إشراقاً

وهو يراقب زهرة النار في ساحة الأمويين.

الآن فقط أيقنت أن الشمس تشرق من الشرق.

لا يمكن للطريق أن تنتهي ماما، إنّها المحطّات فقط:

1

ديوكٌ تصيح بشدة،

كلما عطست دجاجة.

ديوكٌ بأحذيةٍ ذات كعبٍ عالٍ؛

تحفر البلاط

مثل دمٍ مجهول.

2

سأغطي عينيك بنظارةٍ

داكنة؛

كنت نويت الكتابة عنهما الليلة؛

لكني سأكتب عن عيني رجلٍ آخر،

أخمد قانون الطوارىء بريقهما

بالهروات الكهربائية.

3

تدور الناعورة بصمتٍ

فاقعٍ؛

والزمن يتلكّأ

في الحناجر.

إنه العاصي؛

يغسل ظهورنا من السياط

ومن رجفات سلكٍ كهربائيٍ،

رفيع…

4

غداً، سأبدأ في وقتٍ

تأخر كثيراً عن البارحة

وأستعير حنجرة الثورات.

5

سيارة إسعافٍ تمرّ ببطؤ

وطفلٌ في الشارع المقابل،

يجرّ ثورةً عتيقة:

هي كلَ ما ورثه عن والديه

الشهيدين.

6

بهاراتٌ تغطّي وجه خاروف.

جراد البحر وسرطاناتٌ تفتح مقصّاتها

كلما اقتربت منها، يدٌ أو عينان.

رقائق الجبنة. سمكٌ مدخّن. سلامي…

شرائح خيار وبندورة،

بقدونس وعزاء،

وهواءٌ كثيرٌ تحت مقصلة.

7

مات أبي بسكتةٍ قلبية،

وغياث مطر بكل أنواع القتل.

أما إبراهيم القاشوش مغني الثورة و ابن النواعير الشاهقة،

فقد التحقت حنجرته بالثوار،

وغرق عشقاً

في العاصي.

8

تتقاسمين المدينة معي؛

نزق الليل. الشمس والقمر والهواء،

كلّ الهتافاتِ…

ورجلاً كان لي،

ولغيري.

9

يقلقني الصباح

وأنا في الشرفة الخامسة،

أقلب فنجاني لمنقار عصفور.

لم يقل وهو يتسرّب إليّ

أنه والموج:

 وجهان،

من وجوهي السبعة.

10

جسرٌ يرتفع لمرور السفن العالية،

وينخفض للمراكب الصغيرة…

مرّ موكبٌ كبير،

وأنا في الطريق إليكَ،

فنسي الجسر أن يرتفع،

كما أنه لم ينخفض لسيارتي!!

11

الطبق فوق الطاولة،

فنجانٌ فارغ

وحقيبتي السوداء.

لم ينتصف الليل بعد؛

ولا أنتظر الصباح يحمله إليّ..

12

في الطريق إلى الدانمارك،

أقامر بالخسارات.

لا يفتشون جيوبنا

ولا الحقائب على ظهورنا،

ولا تحت اللسان.

كلّما لم يطيلوا التحديق في وجوهنا،

ازددت خسارةً.

13

لم أنتبه أني أمشي حافيةً،

إلا حين رأيت عيون المارّة تتجه نحو قدميّ.

بردٌ فوق الأرصفة،

يحضّ المراهقين على العناق أكثرَ،

والقُبَلْ.

قدمان تضربان الأرض بقوة: قفزت وغطست وحدي.

ـ قفزت وغطست وحدي.

ماما أنا لا أخشى الغرق.

يقول ميتان،

 وطفلٌ لم أر منه غير فردة حذاءٍ،

مليئة بالدم…

سأبتكر حباً جديداَ أغمركما به.

14

يركض الطفل هاتفاً: لن نركع إلا…

يقتنص الكاتم صوته؛

وبعينين مفتوحتين على الجرح،

يحضن خوذة جنديٍ رفض إطلاق النار،

فتدحرجت إليه، مع رأسٍ مرفوع:

حماة الديار عليكم سلام…

15

من أطلق باراباس

في دمشق؟

من سيعيش في الأرض المقبلة،

ومن سيقود الثورة غير سبارتاكوس؟

يا لها من مثيرةٍ، فاتنةٍ

وفائقة الإغراء …

كيف لا أغار منها وحبيبي يهجرني إليها،

بكل هذه الرّقة الجارحة؟

—————

“شارلي ولولا”  و “يوكو شوكو موكو توتو”… أفلام كرتون للأطفال . *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى