صفحات العالم

سوريا: جمعة الخطر

 


سامي كليب

سيكون القلق استثنائيا اليوم في سوريا. قد يزداد عدد القتلى عما كان عليه الأمر في الجمعات الماضية. وقد تقع مواجهات ومصادمات وتخرج التظاهرات الغفيرة في أكثر من مدينة ومنطقة. وقد لا يحصل أي شيء من كل هذا. فاليوم هو «باروميتر» العلاقة بين السلطة والمحتجين والمتظاهرين والمسلحين والمندسين. انها « جمعة شرعية النظام» بحسب تسمية اطلقها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي .

قدّم الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير ما يرى أنه اقصى ما يمكن تقديمه في مجال الاصلاحات والحوار. جاء الرد الغربي مخيبا لآمال القيادة السورية. كان لا بد اذاً من رد سوري. استكمل وزير الخارجية وليد المعلم كلام الأسد بهجوم على اوروبا فمسحها عن الخريطة. قال «ان القافلة السورية تسير والكلاب تعوي». لم يقل الوزير كلمة واحدة عن الولايات المتحدة الاميركية. ربما الأمر مقصود، فالرسالة موجهة لفرنسا أولا، ثم لاوروبا، والانذار واضح مفاده أن سوريا هي التي اعادت فرنسا منذ العام 1996 الى المنطقة، وهي التي تستطيع اخراجها منها او رفع الغطاء السياسي وبالتالي الأمني عنها، لو ارادت. وبقدر ما قد يقلق هذا الكلام بعض الاوروبيين، بقدر ما يدغدغ واشنطن.

معروف أن السفير الأميركي روبرت فورد لا يزال في سوريا، وهو ذهب مع الدبلوماسيين الغربيين الآخرين الى جسر الشغور، وثمة اتصالات بين الدبلوماسيين الاميركيين في دمشق وبعض رموز المعارضة لمعرفة مآل الامور. لكن كل ذلك يبقى اقل خطرا من الحركة الاوروبية الهادفة الى الضغط اقتصاديا على النظام حتى خنقه. تبدو القيادة السورية على قناعة تامة بأن باريس ومعها لندن هما الرأس المدبر والمحرك لجل هذه الحركة الاوروبية.

أرادت سوريا ان يكون خطاب الرئيس الأسد مقياسا للردود الغربية والتركية عليه. اعتقدت لوهلة أن ما تضمَّنه الخطاب من توضيحات حول الاصلاح والقوانين واللجان والمواعيد والحوار قد يعدِّل بعض المسارات والمناخات، او أنه على الأقل سيخفف من وطأة التصريحات والضغوط. لم يحصل أي شيء من كل ذلك، بل حصل العكس، اشتدت الضغوط واتسعت العقوبات!

كل ذلك ليس مهما في الوقت الراهن بالنسبة للقيادة السورية، الأهم هو كيفية انعكاسه على الاوضاع الداخلية. هل سترتفع حرارة الشارع؟ هل سيرتفع منسوب سيل الدماء؟ هل ستزداد محاولات الخنق الاقتصادي؟

كان الخطاب هو الخط الاحمر بالنسبة للقيادة السورية، فكل تظاهر بعد اليوم سيوضع في اطار «التخريب»، وما كان مسموحا به قبل الاعلان عن حزمة الاصلاحات ومواعيدها لن يكون مسموحا به بعد اليوم. فكيف ستتصرف السلطة؟

نزل مؤيدو الأسد الى الشوارع يوم الثلاثاء الماضي. كانت الرسالة واضحة. اريد للتظاهرات ان تكون استفتاء على الاصلاحات التي كرر الرئيس السوري الاعلان عنها في خطابه. حملت التظاهرات رسالة تفيد بان الغالبية الشعبية مرحبة بالخطاب، فلا بد من عزل أولئك الذين ما عاد ثمة سبب لتظاهرهم. كيف سيتصرف المعارضون؟

سيكون اليوم الجمعة مقياسا لقدرتهم على الرد. هم يريدون تفريغ الخطاب من مضمونه، ويودون بعث رسالة جديدة الى السلطة مفادها ان كل ما قيل وما حصل حتى الآن لا يشفي الغليل، وان المطلوب هو أكبر من ذلك بكثير، فلا بد إذاً من الاستمرار في التحرك ورفع منسوبه حتى اسقاط النظام.

دخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على الخط. دعا «شعوب العالم الاسلامي للتظاهر والاعتصام سلميا لدعم الثورة السورية» اليوم الجمعة. سيكون اليوم إذاً مقياسا أيضا لانتشار الحركة الاسلامية في الشارع السوري. فقادة جماعة «الاخوان المسلمين» وفي مقدمهم رياض شقفة رفضوا الحوار، وقال الشقفة ان الاحتجاجات لن تتوقف الا باسقاط النظام.

وإذا ما كانت هناك أطراف خارجية تحرك فعليا بعض الشارع السوري، فلا بد من ان تتحرك اليوم. تعتقد هذه الاطراف ان الوقت قد يتحول الى صالح النظام لو تأخر التحرك او تراجع او تضاءل عدد المتظاهرين.

ولو أضفنا الى كل ذلك، التجييش الاعلامي الجاهز لمرافقة يوم الجمعة، والعين التركية المنتظرة ما ستؤول اليه الاوضاع، فيمكن القول ان هذا النهار قد يكون خطيرا جدا اذا ما كان المطلوب الرد بحزم على خطاب الرئيس.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى