صفحات سورية

سوريا ستنهض من جديد

 


شادي جابر

لطالما ارتفعت أصوات العقل لتتحدث عن ضرورة وأهمية الإصلاح الحقيقي الجدي والشامل في سوريا، كانت هذه الأصوات تحذر دائماً من استمرار الفساد المستشري في سوريا الوطن الذي نحب.

لم نشعر يوماً أن أحداً من أصحاب القرار في بلادنا يستمع لهذه الأصوات، بقيت أصوات الفاسدين في النظام تعلو على كل صوت آخر. كانت الأزمات تتراكم وتتفاقم أمام أعين جميع السوريين، وكلما تحدثنا عن ضرورة معالجتها لا نلقى إلا أذناً من طين وأذناً من عجين. كانت خيبة الأمل تتنامى عند السوريين وبدأ الإحباط يتسلل إلى نفوسهم مع كل قرار استفزازي لحكومتهم التي كانت تقول إنها تعمل لتحسين ظروف معيشتهم في حين أن تفعل العكس تماماً.

كانت هذه الأصوات تعبّر عن ضمير ووجدان السوريين، لكن الصوت الوطني ظل خلال عقود مهزوماً أمام أصوات الانتهازيين والفاسدين والرخيصين من أصحاب الشعارات الكبرى والتطبيل والتزمير والتزييف والتضليل. شخصياً عبرت في أكثر من مقال -معظمها في الراية- عن قناعاتي وخشيتي على مستقبل سوريا، وكنت أتألم بسبب هذا الحجم المرعب من الفساد، لقد تحولت البلاد إلى مزرعة ولم تعد دولة قانون ومؤسسات، تراجعت العدالة والحرية وتفشى الظلم والقمع وكم الأفواه، تبدلت المفاهيم ومنظومة القيم فأصبحت الرشوة عرفاً والكسب غير المشروع ونهب المال العام شطارة.

أما الحياة السياسية في سوريا فلم تتحرك قيد أنملة إلى الأمام في ظل استمرار العمل بالمادة الثامنة من الدستور التي تنصّب حزب البعث (دون حق) قائداً للدولة والمجتمع على رأس مجموعة من أحزاب ما يسمى (الجبهة الوطنية التقدمية) التي لم تكن أكثر من ديكور ولم يعد لها دور يذكر ولا تمثيل حقيقي في أوساط الشعب السوري.

في سوريا أصبح الانتهازي الرخيص الفاسد وطنياً، أما من يقول كلمة الحقّ من منطلق الحرص والخوف على مستقبل الوطن، فكان يحتاج إلى تأهيل من قبل أوصياء لديهم جهاز لفحص نسبة الوطنية في دمائنا. إذا كنت متملقاً ومنافقاً ورخيصاً فأنت مؤهل لتولي أعلى المناصب ولا يهم إن كنت فاسداً بل إن الفساد شرط من شروط توليك هذا المنصب، فالولاء والتملق هما المعيار هنا لا الكفاءة والنزاهة والشرف والحسّ الوطني الحقيقي لا المزيف بالشعارات والهتافات التي أكل الدهر عليها وشرب.

كنا دائماً محكومين بالضغوط الخارجية والتوقيت غير المناسب للإصلاح بسببها، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة… مطلوب منك أيها المواطن السوري أن تعيش بلا كرامة وبلا حرية وبلا عدالـة وبلا قيمة وبلا حقوق إنسان وبلا إعلام مستقل، أنت مجرد رقم ضمن قطيع من أشباه البشر. كيف يكون لسوريا القدرة على مواجهة الضغوط إذا كان شعبها مهمشاً ومقصياً عن صنع القرار حتى فيما يتعلق بقضايا الشأن العام التي تخص حياة كل السوريين؟ ألا تتطلب مواجهة الضغوط تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز مناعتها كي تكون عصية على الاختراق؟. أليس الفساد هو عدونا الحقيقي الأول والأكبر والأخطر؟.. ألا تشعر إسرائيل بالاطمئنان والارتياح عندما ترانا في ذلك الوضع المزري بامتياز.

يمكن القول إن الثقة بالرئيس بشار الأسد تراجعت بعض الشيء في أوساط السوريين ولكنها لا تزال موجودة عند غالبيتهم، وأعتقد أن الرئيس اليوم أقوى وأقدر على تنفيذ الإصلاحات والمطالب المحقة والمشروعة التي يُجمع عليها السوريون بمختلف أطيافهم. أنت أمام اختبار حقيقي سيدي الرئيس وجميع الأنظار تتطلع إليك في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخ سوريا، ذلك كي ننأى بسوريا عن الفوضى والاضطرابات والفتن وننتقل بها إلى برّ الأمان والاستقرار والنهوض.

ندعوك سيدي الرئيس إلى الاستقواء بشعبك الذي أحبك على الحاشية الفاسدة التي أجزم أنها أضعف من أي وقت مضى، أنت الآن أكثر قدرة على أن تفرض الإصلاحات التي يتطلع إليها جميع السوريين والمباشرة بتطهير البلاد من الفساد والفاسدين وإبعاد كل من يعرقلون الإصلاح غير مأسوف عليهم.

الإصلاح تأخر كثيراً، ونأمل ألا تكون الفرصة التي لا تزال قائمة الآن هي الأخيرة. المطلوب قرارات وخطوات وإجراءات تقنع السوريين وتعيد الثقة المفقودة منذ وقت طويل بينهم وبين حكومتهم، ذلك لأن وسائل وأدوات الحكم التقليدية ترهلت واهترأت وانتهت صلاحيتها، ولم يعد ممكناً بأي حال من الأحوال الجمع بين الحرية والقمع أو بين الإصلاح والاستبداد أو بين التنمية والفساد.. هكذا فقط يمكن لسوريا أن تنهض من جديد وتحافظ على المكتسبات التي حققتها في سياستها الخارجية التي تحظى بإجماع بين السوريين.

الراية القطرية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى