صفحات الناس

“سوريا شيك” ضد الحرب/ عامر أبو حامد

نرفض الصواريخ الأميركية ونتعايش مع المحلية

  الرقص كوسيلة للتعبير عن رفض الحرب، لا تبدو فكرةً جديدةً على الإطلاق فقد أُفردت لها خشبات مسارح، بل وشوارع، حول العالم خلال العقود الماضية. لكن الجديد أن يبث سوريون رقصهم عبر “يوتيوب” للتعبير عن موقفهم ضد الضربة الأميركية للنظام السوري، والجديد كُلياً أن يكون هؤلاء شباناً وصبايا “كول”، على غير الصورة التقليدية لموالي الأسد في المسيرات المؤيدة أو على شاشات التلفزيون السوري.

صحيح أن الفيديو المنتشر في “يوتيوب” ومواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “رقص السوري في مواجهة الحرب” Syrian shake VS war مرح ومختلف، إذ تظهر مجموعة من الشبان والشابات تفاجئهم صفارات إنذار الحرب، يرقصون رفضاً لها بشكل إيمائي، لكن الأصح أن المقطع المصور في الساحل السوري يحمل أبعاداً أكثر من فكرة الرقص والتسلية على طريقة “هارلم شيك” لأشخاص في مقتبل العمر. إذ أن الصورة الهزلية هذه ضد الحرب، تختزل انفصاماً شديداً لأهل الساحل عن الواقع السوري، هذا الإنفصام الذي تضخم بسبب تحييد المنطقة عن الصراع ليصل إلى ذروته مع المجزرة الكيماوية التي نفذها النظام في الغوطة الشرقية في دمشق وما تلاها من تحرك دولي من أجل توجيه ضربة عسكرية للنظام.

 غيث وعمار وبراءة ورنيم شباب متنوعو الانتماء الطائفي من مدينة اللاذقية، يعيشون حياة طبيعية بشكل متطرف، مقارنة بما يحدث في باقي الأراضي السورية، هناك في المدينة الساحلية ما زالت الحفلات والبارات تحتل مساحة في حياة أهلها، على الرغم من وجود أكثر من مليون نازح فيها، وحيث الأخبار تأتي بشكل متقطع ومحرف عن الواقع على محطات “السلايد شو” الموالية والتي أدمنها سكان المدينة. هكذا تبدو المجازر والأحداث الدامية وكأنها تجري في دولة مجاورة. لكن التهديد بضرب النظام عسكرياً يعيد الساحليين إلى سوريتهم، لاحتمال وقوع صواريخ التوماهوك والكروز في منطقتهم الآمنة.

 الملفت في المقطع المصور، إضافة إلى الصور الكاريكاتورية لأوباما والأسلحة في خلفية من يرقصون بعشوائية أمام الكاميرا، هو استخدام مصطلح الحرب، ما يشي بوعي قائم عند هؤلاء الشبان بأن كل ما حدث خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم يكن حرباً أو مدعاةً للاستياء أو حتى الرقص (الرافض)، بيد أن تحرّك الولايات المتحدة (مجرد تلويح) لتوجيه ضربة عسكرية لأهداف محددة، هو الحرب الخطيرة التي يجب التنديد بها، خصوصاً بعد حملات النظام عبر وسائل إعلامه في الأيام الماضية، والتي تظهر الأميركيين كالبرابرة، يريدون الهجوم على سوريا وقتل مواطنيها الآمنين. وطبعا تعتبر هذه النقطة الأخيرة جدلية بين المعارضين أنفسهم، وليس فقط بين المعارضين والموالين. إذ أن مسألة الضربة الأميركية على النظام السوري لا تحظى بإجماع المعارضة حتى.

لكن النقاش الفعلي حول هذا الفيديو، ليس الضربة فحسب، بل عدم الاعتراف بالضربات اليومية من النظام على الشعب، قبل أن يحين موعد التدخل الخارجي. الرفض لأي من أشكال العنف، هو المنتظر من هؤلاء الشباب، لا رفض حرب أميركية، وتقبل أخرى “محلية”.

الممثلون في الفيديو يظهرون استياءً واستغراباً، أصوات صفارات الإنذار تقطع أحدهم عن مطالعة جريدة “الثورة”. يتلفتّون بهدوء بينما تمر في الخلفية صواريخ وأسلحة وخوذة جندي أميركي كُتب عليها BORN TO KILL، ثم يبدأون الرقص بطرق عشوائية ومختلفة وبأزياء صاخبة وغريبة، أحدهم يرتدي زي صاروخ “كروز” وآخر يرقص “بريك دانس” ويعزف على الكمان، وتتوالى الصور الخاطفة في الخلفية لكتابات تندد بـ”الحرب على سوريا”.

الفيديو هو رفض للضربة الأميركية، ليس خوفاً على الحياة فحسب، بل منعاً لحدوث انزياح ما في النمط اليومي للشباب اللاذقاني، كأن يضطر إلى المكوث في المنازل أياماً عدة، أو يُحرم من التمتع بشاطئ مدينته الجميل. وفي مكان آخر، ثمّة رغبة في الحفاظ على النظام ونفوذه لما يحققه من استقرار وطمأنينة لهؤلاء الشباب.

 وقد تكون هذا السيميائية الراقصة حمّالة عناوين عديدة، كمواجهة الحرب بالعادية، أو السخرية من فكرة الضربة ككل وتحجيمها بالزلاغيط والرقص وعدم المبالاة، وذلك من قبل شباب يريدون أن يعيشوا حياةً هانئة لا أكثر، في زمن السلم المُهدد من قبل عدو خارجي. لكن أن يأتي الاستعراض هذا بعد ثلاث سنوات من الحرب المتواصلة على الشعب السوري، وبعد المجزرة الكيماوية المروعة في الغوطة الدمشقية ومقتل أكثر من 1400 سوري، فلا يبدو الأمر أكثر من وصفة مخابراتية لتعميق الهوة بين الساحل والداخل السوري. فالراقصون يقولون للأميركيين: لا تضربوا النظام فتعطّلوا يومياتنا وحياتنا الجميلة، أو يقولون للنظام أقتل أكثر لكن بعيداً من هنا.. فنحن نريد أن نرقص.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى