صفحات العالم

سوريا على شفير الفخ… هل بقيت أوراق؟


سامي كليب

ستكون سوريا بحاجة إلى جهد دبلوماسي واعلامي كبير في الأيام المقبلة بغية إقناع العالم بأن ثمة «تكفيريين» مدججين بالسلاح ومندسين فعلا في الريف السوري وبعض المدن يهددون أمنها، وبأن مسيرة الاصلاحات ستستمر بوتيرة أسرع. ذلك ان ما تم عرضه حتى الآن من اعترافات متلفزة بعد سقوط مئات القتلى والجرحى ليس من النوع الذي يقنع الدبلوماسية الدولية والاقليمية بتخفيف ضغوطها.

والمهمة الملقاة على وزير الخارجية وليد المعلم لتقديم تبريرات العملية العسكرية والتعتيم الاعلامي تبدو شديدة الصعوبة في الوقت الراهن، ذلك ان عددا من الدول التي كانت قريبة لسوريا في السنوات القليلة الماضية وبينها تركيا وقطر وفرنسا، دخلت كبقية الدول الغربية في سياق الضغط على دمشق بغية «تغيير السلوك» السوري، قبل ان ينتقل الغرب لاحقا الى تشديد العقوبات وصولا ربما الى المطالبة بـ«إسقاط النظام» لو نضجت ظروف ذلك بعد حين.

والمعلومات المتوافرة تجزم بان دمشق قدمت في الأسابيع الماضية دلائل مكتوبة ومصورة لبعض الدول حول التغلغل الامني التكفيري، وكشفت عن شبكات واتصالات هاتفية وتسجيلات صوتية واسلحة، ولكن الاجابة على كل ذلك كانت مزيدا من التحذيرات الدولية والنصائح بتغيير السلوك «فورا»، وحمل بعض الحلفاء الاقليميين السابقين لسوريا بعض هذه التحذيرات.

ولان الوقت لا يلعب لصالح صورة سوريا في الخارج، فان دمشق تحاول اعادة تجميع الاوراق الدبلوماسية والامنية والسياسية بغية مواجهة المرحلة المقبلة، وتوحي بأن رئيسها بشار الأسد لم يغير قناعته السابقة والتي تقول بان دمشق «لا تنفذ أي شيء تحت الضغوط»، فهل تنجح في ذلك ؟ وهل لا تزال لدى سوريا أوراق قوية بعد التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي؟

لقد أراد الأسد منذ اعلانه الاول عن «تعلم الدروس» من تونس ومصر وعن حزمة الاصلاحات، الإيحاء بانه لم يفعل ذلك نتيجة الضغط او الخوف، وإنما كثمرة لاقتناعه بضرورة تلبية المطالب الملّحة لشعبه، ولكن بعض أركان النظام كانوا وربما لا يزالون يقولون بأنه كلما خطا الاسد خطوة نحو المعارضة سيكون مضطرا بعدها لخطوة اكبر وتنازلات أوسع، وقيل له أيضا (وفق ما اوحى به هو نفسه) أنه في حال رفع قانون الطوارئ فقد يفتح البلاد على المجهول، ولكن رده كان بأن سوريا لا يمكن ان تعود الى الوراء.

ويبدو ان ردود المعارضة على الحزمة الاولى من الاصلاحات شكلت عامل قلق وتوجس لأركان النظام، حيث سرعان ما تبين ان المطلوب هو الذهاب بالاصلاحات حتى نهايتها، أي تغيير النظام والانتقال الى مرحلة التعددية السياسية الحقيقية والحرية الاعلامية والسياسية والديموقراطية المتفلتة من قبضة الاجهزة الامنية بدءا بإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تلغي هيمنة حزب البعث.

والسؤال الذي طرحته أوساط كثيرة في دول اقليمية ودولية مهتمة بسوريا، يتعلق بهامش التمايز بين الرئيس بشار الاسد وبعض أركان نظامه والمقربين منه، فهل أنه اقتنع فعليا بالانتقال الى مرحلة الضرب بيد من حديد نتيجة لتقارير قدمت له عن «تكفيريين» أو انه اضطر لذلك كحصيلة لنقاشات عميقة جرت في القيادة السورية حول جدوى الاصلاحات ومداها في ظل الشعور بأن ثمة فخا ينصب لسوريا لا علاقة له بالاصلاحات والديموقراطية؟

وهنا يمكن الحديث عن الورقة الاولى التي تتم محاولة اسقاطها من أيدي سوريا، فالرئيس الأسد كان حتى قبيل دخول الدبابات الى درعا وبانياس وغيرها، وقبل «الجمعة العظيمة» وما تخللها، يبدو في نظر كثيرين بمن في ذلك جزء من المعارضة، أنه قادر فعلا على التمايز عن بعض المتشددين في النظام، وانه منزعج هو نفسه من صدأ بعض العقول البعثية وإدارات الدولة، وانه يتمتع بشعبية واسعة وبعلاقات عربية ودولية جيدة تسمح له بأن يقود بنفسه مسيرة الاصلاحات ويتخــذ قــرارات جريئــة جدا في التاريخ السوري الحديث بغية توسيع اطار المشاركة في السلطة.

الآن وبعد ان انتقل الكلام الى لغة الدبابات والدماء، ثمة محاولة للقول بأن الأسد لا يختلف عن طبيعة النظام السوري وانه يقمع شعبه بالسلاح، وبالتالي فان التفكير بمجرد تغيير سلوك النظام ليس ناجعا.

ما هي الأوراق الأخرى؟

÷ تقول أوساط المعارضة السورية ان الرئيس الأسد لا يزال قادرا على الخروج من دوامة الصراع وقيادة مسيرة الاصلاحات، وذلك من خلال دعوة عدد من رموز هذه المعارضة لحوار جدي حول ما تم انجازه من اصلاحات حتى الآن وما يمكن ان ينجز لاحقا.

÷ وهذه هي الورقة الثانية بيده بدلا من تسليط وسائل الاعلام السورية على هذه المعارضة وتصويرها على أنها جزء من آلة التخريب في سوريا، وهو بذلك يسحب البساط سريعا من تحت أقدام أولئك الذين سيفرشون لاحقا السجاد الأحمر تحت اقدام المعارضة بما في ذلك الاخـــوان المسلمون لو تغيرت بعض الظروف. فبين المعارضة والانــزلاق الى فخ الطائفية في سوريا الخيط رفيع جدا، خصوصـــا ان المعارضة هي في غالبيتها من السنة، وقد يبدو التجييش الاعلامي ضدها على انه تجييش ضد طائفة وليس ضد المعارضة.

قد لا تكون السلطات السورية رافضة لمبدأ الحوار، ولكنها تبدو أمام معضلتين، اولاهما تتعلق بوجوه المعارضة المقبولة من قبلها، وثانيتهما بسقف هذا الحوار بحيث لا يكون هدفه ضرب النظام القائم وانما القبول باصلاحات على دفعات، ولذلك فان النظام السوري يبدو راغبا بفرض قانون العصا الغليظة واحكام القبضة الامنية بداية ثم تأتي المرحلة المقبلة التي لا شك انها ستنفتح على بعض رموز المعارضة.

والسؤال الآخر يتعلق بالمعارضة نفسها، فماذا لو رفضت الحوار؟ ذلك ان التوجه الواضح حاليا يصب في خانة القول انه لم يعد ثمة مجال للحوار مع نظام يستخدم الدبابات ردا على المطالب الشعبية، ولا بد بالتالي من تشكيل مجلس للمعارضة في الخــارج والاستــعداد لمرحلة طويلة من الصراع والاستمــرار في تحريك الشارع السوري بوتيرة أسرع.

÷ الورقة الثالثة تتعلق بالعراق والتحالف مع ايران، فالانسحاب الاميركي من العراق ينبغي ان يتم في نهاية العام الحالي، وثمة سعي حثيث للحد من النفوذ الايراني السوري في العراق او تحويله الى عامل مساعد للاستقرار، وقد بدا من خلال التحذيرات الضمنية التي أطلقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باللجوء مجددا الى السلاح في حال تم تمديد بقاء القوات الاميركية، أن ثمة رسالة أمنية ايرانية واضحة في الوقت الراهن، تتزامن مع توترات وتظاهرات وتحركات عديدة في العراق توحي بان الساحة العراقية لا تزال قنبلة موقوتة.

صحيح أن لإيران دورا أكبر من الدور السوري في العراق، ولكن التحالف الايراني السوري لا يزال حتى الآن على قوته والتنسيق سيبقى قائما واقوى في حال اشتدت الضغوط على سوريا.

وليس من قبيل المصادفة ان ترفع إيران لهجتها وتحذيراتها للبحرين والسعودية ودول الخليج في هذه المرحلة الحساسة والتي ترتسم فيها محاور خطيرة في المنطقة وسط ايحاءات ودعوات كثيرة لدمشق بغية الابتعاد عن ايران كثمن لصفقة مثمرة اقتصاديا وسياسيا.

÷ الورقة الرابعة تتعلق بالقضية الفلسطينية، فالمصالحة التي جرت بين حماس وسلطة محمود عباس هي اولى ثمار التحولات المصرية، وقد كان لافتا ان اولى رسائل التهنئة لحماس جاءت من قيادة الاخوان المسلمين في القاهرة، وهذه المصالحة أقلقت اسرائيل بقوة خصوصا وانها تأتي قبل استحقاقين: أولهما الخطاب المقرر لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وثانيهما الاعلان العتيد للدولة الفلسطينية في أواخر الصيف، وهنا سيكون السؤال مطروحا بقوة في المرحلة المقبلة حول الدور الذي يمكن لسوريا وايران ان تلعباه على مستوى العلاقة الفلسطينية الفلسطينية، مع العلم ان اسرائيل لا تزال حتى الآن تتعاطى بتحفظ كبير مع الشأن السوري وتوحي بأنها تخشى من فوضى عارمة ومن وصول اسلاميين متشددين الى السلطة في حال اهتز نظام الاسد.

÷ الورقة الخامسة تتمحور حول المد والجزر في العلاقات المصرية ـ الايرانية، فالاتجاه العام بين الدولتين هو لتعزيز التقارب ولو ببطء، وهذا أمر يزعج بلا شك جزءا من دول الخليج تماما كما يقلق الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، ومن المهم مراقبة تطور هذه العلاقة في المرحلة المقبلة لأنها ستترك بصماتها على المستقبل السوري طالما ان الخطوط السورية المصرية سالكة منذ رحيل الرئيس حسني مبارك ونظامه.

÷ الورقة السادسة تتعلق بلبنان، فانشغال سوريا بوضعها الداخلي لا يمنعها من مواصلة التأثير على الوضع الداخلي اللبناني وهي على الاقل حتى الآن لا تزال قادرة على تحريك الكثير من خيوط اللعبة اللبنانية، لا بل ثمة من يقول ان الاهتمام السوري بلبنان تضاعف مرات عديدة في الاونة الاخيرة لاســباب عديــدة أبــرزها عدم افلات هذه الورقة من يد دمشق، وثانيــها القلــق من تحركات امنية ضد سوريا انطلاقا من الاراضي اللبنانية، وثالثــها عدم الســماح لبعض رموز المعارضة السورية وبعض الاســلاميين من التحرك على الساحة اللبنانيــة ضد النــظام السوري. ومن الصعب مثلا التفكير بحكــومة لبنانية مقبلة بعيدا او ضد سوريا.

÷ الورقة السابعة تتعلق بروسيا والصين، فقد بدا واضحا ان موسكو وبكين المتضررتين فعلا من التحولات الحاصلة في العالم العربي واللتين تريان ان نفوذهما مستهدف هو الاخر من التمدد الغربي الاميركي، سيلعبان دورا كابحا في عدد من التحركات الدولية ضد سوريا، واذا ما لانــت بكــين قليلا فان موسكو ستبدي تشــددا كبــيرا في هذا المجال لصــالح النظام السوري.

÷ الورقة الثامنة هو ما يحصل في ليبيا فقد تبين بشكل جلي انه لو قرر نظام ما التمسك بالسلطة وعدم الانفتاح وضرب كل الضغوط الدولية بعرض الحائط فهذا ممكن، وتبين ايضا مما يحصل في اليمن والبحرين ان للاسرة الدولية مصالح وليس مبادئ، ولا شــك ان النظــام الامني السوري اقوى بكثير من النظام الليــبي وهو بالتــالي يستطيع الصمود سنوات عديدة في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.

هل تحمي هذه الاوراق النظام السوري من السقوط في الفخ ؟

لا شك ان الاوراق الاخرى بيد خصوم سوريا هي أيضا كثيرة، وبعضها ينطلــق من الأوراق نفسها الآنفة الذكر، فمثلا يمكن لتيار الاخوان المــسلمين في مصر وفلسطين وتركيا والاردن وبعض دول الخليــج ان يرفــع وتيــرة الضغط على النظام في المرحلة المقبلة، ذلك ان الساحــة التي يتحرك فيها الاخوان باتت واسعة جدا مع سقــوط نظام الرئيــس مبارك.

ولعل التوتر الحاصل حاليا في العلاقات بين تركيا وقطر من جهة وسوريا من جهة ثانية من شأنه أن ينعش أكثر تيار الاخوان المسلمين، حتى ولو ان ثمة من يقول ان انقرة لا تزال تحاول مساعدة الرئيس الاسد على المضي قدما في اصلاحاته وان ضغوطها قد تخدمه في نهاية المطاف اذا ما اراد مواجهة الرافضين للاصلاحات في نظامه. ولكن مثل هذا الاحتمال يثير ابتسامات لدى العارفين بالنظام السوري، ويقولون ان تركيا تعمل على تعزيز دورها في المنطقة ولن تتوانى عن التخلي عن تحالفها مع نظام الأسد لو بدا لها ان الساحة السورية تتحرك في اتجاه آخر.

ثم هناك العقوبات والقرارات الدولية التي بدأت ترتسم في الافق، صحيح ان روسيا والصين تقفان ضد أي تدخل دولي في سوريا، ولكن الصحيح أيضا ان الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا على وجه الخصوص تشعران بان الفرصة مؤاتية تماما في الوقت الراهن لتكثيف الضغوط على النظام السوري بغية سحب العديد من أوراق القوة من يده وجعله قابلا في نهاية الامر بصفقة ليست لصالحه في سياق العلاقة مع ايران و«سلام الشرق الاوسط».

ومن المنتظر ان يعمل الغرب في المرحلة المقبلة على اتخاذ قرارات وعقوبات ضد سوريا على مستوى مجلس الامن والامم المتحدة والمنظمات الانسانية العالمية، وان تتكثف الحملة الاعلامية ضد النظام السوري بذريعة انه يقمع شعبه بالقتل، وان يصار الى ايجاد مجلس موسع للمعارضة للايحاء بان البدائل ممكنة للنظام السوري.

واما الورقة الايرانية، فهي مرشحة لكل الاحتمالات وسط الخضات الداخلية بين اركان النظام نفسه من جهة والتململ الداخلي اضافة الى الاشتباك اللافت بين دول الخليج وطهران من جهة ثانية والذي قد ينفجر في أية لحظة لان المطلوب اميركيا واسرائيليا انفجاره او تصعيد وتيرته.

ما هو المستقبل ؟

كل شيء سيتوقف على مدى تماسك النظام السوري وعلى قدرته على ضبط الامن والانفتاح، ذلك ان الاكتفاء بالردع العسكري قد يعطي نتيجة مؤقتة، فالحاجز النفسي الذي كان يمنع الناس من النزول الى الشارع للمطالبة بالاصلاحات او للانتقام من الاجهزة الامنية قد بدأ بالزوال ومن الصعب التفكير بان ما كان ممكنا قبل التحولات العربية سيبقى ممكنا في المستقبل.

وسوريا تبدو فعلا على شفير الفخ، فإضعافها مطلوب دوليا واصلاح نظامها مطلوب داخليا، ولعل الفرصة لا تزال متاحة امام الرئيس الاسد للتوفيق بين درء الضغوط الدولية من جهة والانفتاح على مطالب شعبه فعليا من جهة ثانية، ومن الصعب البحث عن حلول ناجعة دون حوار مباشر مع المعارضة والاعتراف اولا بوجودها والمباشرة بإشراك بعض رموزها في التفكير بمستقبل سوريا خصوصا وان ثمة رموزا كثيرة في المعارضة حريصة على مقاومة المشاريع الاسرائيلية الاميركية كحرص النظام.

ربما سيحصل ذلك، ويقال الكثير عما يمكن تغييره قبيل وبعد المؤتمر المقبل لحزب البعث، ولكن المشكلة ان الصورة الوحيدة التي يراها العالم حاليا من سوريا هي قوى امنية وتظاهرات وقتلى واعترافات تكفيريين وتعتيم اعلامي، وهذه كلها سجادة حمراء لكل الناقمين على سوريا.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى