صفحات سورية

سوريا على مفترق طرق


يدخل الحراك الشعبي السوري شهره السادس،في وقت مازالت فيه السلطة مستمرة في إصرارها على الحل الأمني، الذي تحوَل مؤخراً إلى شكل أمني- عسكري ،في مناطق التظاهرات الكبرى(حماة- ديرالزور- معرة النعمان- اللاذقية- حمص- ريف دمشق- محافظة درعا)،من أجل كسر الإرادة السياسية للمتظاهرين ومن يؤيدهم بأشكال متنوعة في المجتمع السوري،ولتظهر من خلال ذلك إصرارها على عدم الاعتراف بوجود الأزمة العامة للبلد ، وما الحديث عن”المؤامرة “و”العصابات المسلحة” إلا محاولات لإثارة الغبار والتعمية على ذلك الهروب من عملية الاعتراف بالأزمة العامة التي قاد النظام القائم السوريين إلى أتونها.

تظهر مظاهرات النصف الثاني من شهر رمضان،رغم تناقصها العددي النسبي بفعل الضربات الأمنية،عدم انكسار إرادة المتظاهرين في عموم المناطق السورية التي كانت مراكز للاحتجاجات،وخاصة متظاهري الأماكن التي ضربت أمنياً- عسكرياً في الأسبوعين الأولين من رمضان. هذا يعطي دليلاً على فشل السلطة ووصولها إلى الحائط المسدود،في زمن بدأت تفقد شيئاً فشيئاً مساحة كبيرة من الغطاء الدولي – الإقليمي  التي ظلت تستظل فيه،أو تناور من خلاله،خلا ل الأشهر الأربعة الأولى من عمر الاحتجاجات السورية، وفي وقت تكشَف فيه لأغلب السوريين،من مترددين أولاً ومن ثم معارضين،أن السلطة لا تريد الإصلاح، من خلال مجموعة القوانين الصادرة، وأولها قانون الأحزاب الذي يشترط الترخيص للأحزاب بموافقتها على أحكام الدستور القائم الذي يتضمن بمادته الثامنة “قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع”، فيما تم ترحيل تعديل الدستور إلى أشهر ستة قادمة تراهن السلطة فيها على حسم الأمور من خلال الاستمرار في الحل الأمني- العسكري،وربما على تطورات إقليمية دراماتيكية،تأمل من خلال اجتماعهما على إعادة السوريين إلى وضع ما قبل يوم 18آذار2011 ولو مع بعض الإجراءات الترقيعية للنظام السياسي القائم .

هذه السياسات التي اتبعها النظام ،خلال أشهر وأيام الاحتجاجات ، أدخلت سوريا في مأزق يكاد يقترب من حالة الاستعصاء التي يعيشها اليمن الآن بفعل مناورات و التفاف النظام هناك على كل الحلول المطروحة للخروج من الأزمة اليمنية. هذا وقد بدأت  تطل برأسها الآن (بسبب تلك السياسات التي اتبعها النظام السوري عقب انفجار الأزمة العامة للبلد) أطروحات،داخل أطر اجتماعية واسعة وفي أوساط سياسية معارضة ظلت منذ يوم18آذار2011تتبع إستراتيجية إصلاحية- تغييرية ولم تتبنى شعار”إسقاط النظام”الذي طرحته قوى معارضة أخرى، تقول بأن النظام السوري في سياسته الالتفافية على الإصلاح لا يناور عبر الحل الأمني ثم الحل الأمني- العسكري من أجل تحسين شروطه لدفع فاتورة غير باهظة للإصلاح  من طرفه وإنما هو يقوم بذلك لأنه ، بحكم استناده إلى قاعدة اجتماعية ضعيفة وبسبب ارتكاباته الماضية عبر عقود طويلة من الزمن،عاجز عن الإصلاح ولا يستطيعه، وبالتالي لا خيار أمامه سوى الأساليب التي اتبعها منذ انفجار انتفاضة مدينة درعا وما أعقبها من حراك سوري عام، وربما  سيظهر نماذج منها تكون أكثر فظاعة من التي شهدها السوريون منذ يوم 18آذار الماضي.هذا الرأي يتوسع وينتشر بقوة بين الكثير من السوريين،والآن، وفي ظل ردود الفعل على أساليب النظام الأمنية والأمنية- العسكرية،تعود للظهور،وخاصة في مرحلة ما بعد سقوط طرابلس الغرب من قبضة القذافي، أطروحات مؤيدة لـ “الحل الخارجي” انتشرت في بعض أوساط المعارضة السورية عقب غزو العراق بعام2003 قبل أن يهزمها ويعزلها ،من النواحي الفكرية- السياسية،الاتجاه الوطني الديموقراطي في المعارضة السورية خلال أعوام2008-2010،لتكتسب هذه الأطروحات (متشجعة بالسيناريو اللليبي) بعض التأييد الاجتماعي عند أناس اكتووا بنار النظام وأساليبه القمعية للمتظاهرين والمحتجين وعند الكثير من الأوساط الاجتماعية المتعاطفة والمؤيدة لهم وليكون وقودها قوة يأس كثير من  السوريين بقدرة هذا النظام على الإصلاح، وذلك في اتجاه معاكس لما أعطته الثورات العربية،منذ تونس ومصر،من إثباتات لقدرة العوامل الداخلية على التغيير وحتى لإثباتها قدرتها على إجبار(الخارج الأميركي- الأوروبي)على الانحناء أمامها، فيما كان أصحاب”النزعة الأميركانية” منذ أيام غزو العراق،في سوريا وغيرها، يقولون بأن” الديكتاتوريات قد قضت على العوامل الداخلية للتغيير”.

 أثبتت غالبية كبرى من المجتمع السوري ،خلال الأشهر الخمسة ونيِف المنقضية ،أن  السوريون قادرون ، رغم كل التضحيات والآلام الكبرى التي عانوها، على حمل لواء التغيير لوحدهم،وقد برهنوا،وسط صمت عربي- إسلامي وتعاطف ملتبس من الآخرين، على أن عقارب الساعة لن تعود للوراء في سوريا، وأنهم قادرون على تحقيق مصيرهم بأيديهم  رغم وعورة الطريق. من هنا، فإن ما يطرح   من مشاريع، يحاول تقديمها خلال الأيام  العشرة الأخيرة من شهر آب بعض المعارضين السوريين مدعومين بالجار الشمالي، حول تشكيل طبعة ثانية أو شبيهة أو قريبة من (المجلس الانتقالي الليبي)، تمثل الكثير من الخطورة على الحراك الشعبي السوري من حيث إمكانية حرفه عن مساره السلمي وعن استقلاليته تجاه الخارج الإقليمي- الدولي، كما أن خطوة كهذه ستؤدي إلى انقسام المعارضة السورية بعد تقاربات بينها حصلت مؤخراً، كما ستقود إلى انقسام المترددين السوريين وستزيد تصلب مؤيدي السلطة في المجتمع.

نحن نرى ضرورة وحدة المعارضة السورية، ولكن ليس من خلال شيء قريب من (مجلس انتقالي) كان غطاءاً ليبياً لعمليات الناتو العسكرية، وإنما عبر (لقاء مشترك)، كالذي حصل في اليمن، يجمع القوى الرئيسية للمعارضة السورية: “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي”و”إعلان دمشق” و” قوى وحركات التيار الإسلامي”، في إطار هيكلية تحالفية لتمثيل قوى المعارضة والحراك الشعبي السوري لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، والتي من أهمها كسر الاستعصاء القائم الآن في البلد باتجاه خلق توازنات داخلية سورية يمكن أن تجبر النظام على الشروع بالإصلاح والسير نحو مرحلة انتقالية سلمية تدرجية آمنة ،يشارك الجميع في رسم ملامحها وخطواتها، لنقل سوريا من مرحلة الاستبداد إلى الديموقراطية.

هيئة تحرير طريق اليسار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى